اول الكلام

حرب داحس والغبراء:حرب التعليم الثانوي

نشر الاستاذ صلاح الدين الوهايبي  مقالا جريئا شخص فيه اسلوب الجامعة العامة للتعليم الثانوي بقيادة لسعد اليعقوبي الذي ارتدى جلباب المدافع الاوحد عن كل الناس، وعبر كاتب المقال عن رفضه لهذا الاسلوب الذي اضر بالاساتذة وبقطاع التعليم عموما

وهذا نص المقال كما ورد في صفحة فيسبوك كاتبه

أنا ضدّ التّخفيض في سنّ التّقاعد بل إنّي أطالب بالتّرفيع فيها أسوة بالعالم كلّه ولا يمكن لتونس، هذا البلد المفلس، أن تجذّف ضدّ التّيّار وأن تبيح لنفسها ترفا لا قِبل لها به وهو ترف التّخفيض في سنّ التّقاعد في حين أنّ منظومة التّقاعد مهدّدة بالانهيار. بدل المطالبة بتقاعد مبكّر للجميع وجبت المطالبة به لمن يستحقّونه من ذوي الأمراض التي لا تخوّل لهم مواصلة تحمّل أعباء القسم. تُدرس حالات هؤلاء حالة بحالة.
أنا ضدّ حشر المطالبة ب”إصلاح تربويّ جدّي” ضمن قائمة المطالب لأنّ الإصلاح جارٍ والاتّحاد شريك فيه وهو لم يقاطعه ولم يبد إزاءه أيّ احتراز. وعليه، لا يحقّ لنقابة أساتذة التّعليم الثّانويّ أن تصوّره للأساتذة على أنّه غير جدّيّ ففي ذلك مغالطة مؤكّدة. علما بأنّ نقابة متفقّدي التّعليم الثّانويّ تشارك في هذا الإصلاح وتشارك فيه نقابة متفقّدي التّعليم الابتدائيّ وهما نقابتان تابعتان للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل. ماذا يقول الأسعد اليعقوبي في الإصلاح التربويّ؟ لماذا لا يتكلّم لنفهم؟ لماذا لا يكتب في هذا الشّأن لينير الرّأي العامّ والرّأي العامّ الأستاذيّ خصوصا؟ يعلم الجميع أنّه ليس لديه ما يقوله في هذا الشّأن وأنّه يعترض ليعترض وأنّه لا يقدر على تركيب جملة واحدة سليمة وأنّه حريّ به أن يصمت.
أنا ضدّ حشر المطالبة بتحسين البنية التّحتيّة ضمن مطالب الأساتذة لأنّ هذا الأمر يهمّ الجميع من قيّمين وعملة وإداريّين وأولياء وتلاميذ فلماذا يخوض الأساتذة حربا بالوكالة؟ لماذا يخوضون منفردين معركة هي معركة الجميع؟ هذا فضلا عن كون التّجهيزات المتواضعة المتوفّرة لا يتلفها وزراء التّربية بل يتلفها مستعملوها وهم التّلاميذ الذين تفشّت فيهم نزعة تخريبيّة صادمة. وجب الاعتراف بأنّ مستعملي المدرسة مثلهم في ذلك مثل مستعملي وسائل النّقل العموميّ وغيرها من المرافق هم مخرّبون معادون لأنفسهم من حيث يعلمون ولا يعلمون. تلف المعدّات في المدارس هو أيضا مسؤوليّة العملة والحرّاس وغيرهم ممّن تدافع عنهم نقابات أخرى تابعة لاتّحاد الشّغل.
أنا ضدّ الدّفاع عن انتداب الأساتذة النّوّاب دون مناظرات وذلك انتصارا منّي للعدالة وللمدرسة العموميّة. التّناظر النّزيه والشّفّاف هو السّبيل الوحيد للالتحاق بالتّعليم العموميّ وكلّ من يدافع عن غير هذا فهو يساهم في استمرار جرم في حقّ المدرسة العموميّة التي لا ملاذ للفقراء غيرها وما أكثرهم في هذا البلد الذي يزداد فقرا يوما بعد يوم.
أنا ضدّ الانخراط في معارك مجّانيّة من قبيل الاعتراض على رفض إحداث ديوان الخدمات المدرسيّة لأنّه على حدّ علمي لا يوجد أستاذ واحد يقيم في مبيت بمعهد. لا أقول ذلك من باب اللاّمبالاة بالتّلاميذ المقيمين بل أنا من أشدّ المدافعين عنهم. وقد كنت منهم طيلة دراستي الثّانويّة كلّها. وقد حدثت في السّنوات الدّراسيّة الماضية مشاكل في مبيت المعهد النّموذجيّ بالقيروان فقلت آنذاك إذا لم تكن ظروف الإقامة لائقة فرّ التّلاميذ من المعهد وعادوا إلى معتمديّاتهم فيكون المعهد النّموذجيّ من حيث المبدأ لولاية القيروان كلّها ولكنّه فعليّا لمدينة القيروان فقط (وينطبق ذلك على كلّ الولايات) وفي ذلك حيف شديد. دفاع الأساتذة عن التّلاميذ لا يعني تحوّل نقابتهم إلى نقابة تلاميذ. ومن ينصّب نفسه محاميا عن الجميع يكون محاميا سيّئا حتّى عن نفسه.
أنا ضدّ تسييس العمل النّقابيّ لأنّ هذا الأمر كان مبرّرا في عهد الاستبداد حيث لم تكن ممارسة السّياسة متاحة فنضطرّ إلى تغليف السّياسيّ بالنّقابيّ. تونس اليوم هي ديمقراطيّة فيها تعدّديّة حزبيّة ومن أراد أن يمارس السّياسة فليلتحقْ بحزب. وإذا ما التحق به كما فعل الأسعد اليعقوبي فليمتنعْ عن توظيف نقابته ذراعا سياسيّة لحزبه لأنّ في ذلك تحيّلا وخيانة للقطاع وإساءة للدّيمقراطيّة.

[metaslider id=10489]
أنا ضدّ دعوة المديرين والنظّار إلى عدم مدّ الأساتذة بروزنامة الامتحانات لأنّ في ذلك اعتداء صارخا على حرّيّة العمل. إذا كان الإضراب حقّا دستوريّا فإنّ حرّيّة العمل هي حقّ دستوريّ أيضا. إضافة إلى أنّ الدّستور يعترف بالتّعدّديّة النّقابيّة ويحقّ للمنتمين إلى نقابات أخرى (افتراضيّا لأنّ هذه التّعدّديّة النّقابيّة لم توجد إلى حدّ الآن في التّعليم الثّانويّ في حين أنّها أصبحت واقعا في التّعليم العالي) أن يعملوا. وأنا لم أفهم إلى حدّ الآن كيف ينتمي المديرون والنّظّار إلى نقابة الأساتذة؟ كيف لطرف له سلطة على طرف، يراقبه ويعاقبه، أن تدافع عنهما نقابة واحدة؟ عند حصول نزاع مصالح فلأيّهما ستنتصر؟ تدخّل النّقابة في تسمية المديرين هو بدعة وهو تكريس لاستبداد نقابيّ طال أمده.
أنا ضدّ التّنطّع النّقابيّ والتّمرّد على المكتب التّنفيذيّ والمركزيّة النّقابيّة لأنّ الشّقاق يُضعف ولا يستفيد منه إلاّ أعداء الاتّحاد. النّقابات المنفلتة والقصوويّة (extrémiste) هي خطر على الاتّحاد والبلاد وعلى نفسها قبل كلّ شيء. ومن شارك في انتخابات المكتب التّنفيذيّ لاتّحاد الشّغل فخسرها يجب أن يكون ديمقراطيّا وأن يستخلص الدّروس من هزيمته وأن يعمل على أن ينتصر في انتخابات مقبلة لا أن يتشفّى من المكتب التّنفيذيّ المنتخب وأن يؤلّب ضدّه أتباعه وأن يحاربه بالمغالطات والتّحريض الأرعن. أنا أكره المنهزم السّيّء (Le mauvais perdant) الذي يصبح عدوّا للدّيمقراطيّة لأنّها لم تكن لصالحه وهذا ما فعله ويفعله الأسعد اليعقوبي.
أنا ضدّ الانقياد النّقابيّ (Le suivisme syndical) وضدّ كلّ انقياد. لست أحرص على شيء آخر من حرصي على أن أكون حرّ التّفكير (libre d’esprit). لست منتميا إلى أيّ حزب ولم أنتمِ. أنا منخرط في الاتّحاد العامّ التونسيّ للشّغل دون سواه. انتظرت سنوات طويلة لأنخرط في الرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان ولكنّني زهدت في تجديد انخراطي فيها لأنّها مسيّسة على نحو متنافٍ مع مبادئ حقوق الإنسان نفسها. هذه الرّابطة هي اليوم “شعبة” (بالمعنى التّجمّعي للشّعبة) تابعة لحزب العمّال. لأنّني في حِلّ من كلّ انتماء فإنّني أقول ما أفكّر فيه، أصدع بقناعاتي دون حسابات. ولا أفعل إلاّ ما يتوافق مع تلك القناعات ولا أكترث مطلقا بأن يكون كثيرون معي أو ضدّي.
أنا أرى أنّ مطالب أساتذة التّعليم الثّانويّ لو خُلّصت من الحشو ومن الزّوائد السياسويّة ومن الضّغائن الشّخصيّة لأمكنت الاستجابة إليها. في ظلّ تفاقم التّضخّم الماليّ وتدهور المقدرة الشّرائيّة المطالب الماديّة مشروعة. هذه الدّولة التي غلبها المتهرّبون ضريبيّا والمهرّبون والمورّدون عشوائيّا لما لا يلزم ولما يساهم في تفاقم العجز التّجاريّ، هذه الدّولة التي كانت نعامة أمام الجميع لماذا تتظاهر بأنّها لبؤة أمام الأساتذة؟ ستظلّ هذه الدّولة في خصومة شنيعة مع موظّفيها من أساتذة وغيرهم مادامت لم تقدر على أن تفرض على غيرهم ما تفرضه عليهم وهو دفع ما عليهم من ضرائب. لو تمّ الاقتصار على المطالب المادّيّة دون سواها لكان ذلك أنجع ولما استُنزفت قوى القطاع في حرب طويلة الأمد كلّفت الأساتذة ما لا طاقة لهم به وشوّهت سمعتهم وألّبت ضدّهم الرّأي العامّ ونفّرت المواطنين من التّعليم العموميّ فانتعش التّعليم الخاصّ. من طالب بكلّ شيء لم يحصل على شيء. ليت نقابة التّعليم الثّانويّ تفهم هذا الأمر. وليت الأساتذة يناصرونها بحملها على الواقعيّة والتّعقّل بدل الدّفع بها إلى التّنطّع والتّطرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.