اول الكلام

ضرورة تغيير الرزنامة الإنتخابية =  الإنتخابات الرئاسية قبل الإنتخابات البرلمانية بقلم عبد المجيد المسلمي

 

كانت الرزنامة الإنتخابية لسنة 2014 من أخر القرارات التي اتخذها مجلس الحوار الوطني الذي كان يرعاه الرباعي بقيادة الإتحاد العام التونسي للشغل. لم يتوقف المتحاورون من كافة الأحزاب السياسية كثيرا عند مقترح تزامن الانتخابات الرئاسية و البرلمانية  و تم التخلي عنه سريعا. و إنما انحصر النقاش بين مؤيد لتقديم الإنتخابات الرئاسية على الانتخابات  البرلمانية و هي عموما الأحزاب التي لديها مرشح لتلك الإنتخابات و في مقدمتها نداء تونس ( مع الإتحاد الوطني الحر و حزب العمال..) و بين مؤيد لتقديم الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية و هي عموما الأحزاب التي ليس لديها مرشح لتلك الانتخابات و في مقدمتها النهضة ( إضافة للمسار و أفاق تونس..). في الأخير يبدو انه تم الالتجاء للتصويت و حسم الأمر لفائدة إنجاز الانتخابات البرلمانية أولا ثم الرئاسية في مرحلة ثانية. و قد فاز حزب نداء تونس بالإنتخابات الرئاسية و البرلمانية و تفادت البلاد “تعايشا” cohabiation  بين رئيس من حزب و رئيس حكومة من حزب أخر و هو ما كان من شأنه تعقيد الأوضاع السياسية المعقدة أصلا

فقه الساسة  الفرنسيين

في العلوم الصحيحة كما في العلوم الإنسانية من الضروري الإستئناس بالتجارب المقارنة. و المثال الفرنسي يستأنس به كثيرا في بلادنا لا فقط  بحكم للوشائج التاريخية و الثقافية التي تجمعنا بفرنسا لأسباب عديدة ( بما فيها الإستعمار) و لكن أيضا لتقارب  النظام السياسي التونسي و الفرنسي. ففي كلا الحالتين ينتخب الرئيس بصورة مباشرة من طرف الشعب و له صلوحيات محددة و ينتخب البرلمان من طرف الشعب و الذي بدوره ينتخب حكومة لها صلاحيات محددة.

في سبتمبر سنة 2000 اقر الإستفتاء الذي طرحه جاك شيراك تحديد العهدة الرئاسية بخمسة سنوات بعدما كانت مدتها منذ  قرن كامل 7 سنوات علما بأن العهدة البرلمانية تدوم 5 سنوات أيضا. عند ذاك طرح نقاش عميق و ثري داخل الساحة السياسية الفرنسية حول الرزنامة الانتخابية و هل يتم البدء بالإنتخابات الرئاسية أو بالإنتخابات البرلمانية . و كانت الفكرة  المحورية ترتكز على ضرورة التخلص من حالة التعايش بين رئيس منتخب  من حزب معين و أغلبية برلمانية من حزب منافس مثلما حدث مرة  في عهد فرنسوا ميتران ( سنة 1986) و مرة في عهد جاك شيراك( سنة  1998) مما سبب اضطرابا في أعمال الدولة حسب رأي المختصين

. لذلك قرر البرلمان الفرنسي في أفريل 2001 أن تنظم الانتخابات الرئاسية أولا ثم بعد شهرين تنظم الإنتخابات البرلمانية حتى  تتوفر أغلب الظروف لتكون الأغلبية البرلمانية من نفس حزب الرئيس المنتخب تفاديا لتجربة التعايش و سعيا للإنسجام بين رأسي السلطة التنفيذية. فالناخبون عموما ( في الديمقراطيات المستقرة) لا يغيرون توجهاتهم الإنتخابية في مدة وجيزة. و عموما يلزم سنتين أو أكثر لحدوث تغييرات في المشهد اللإنتخابي بعد فترة من تجربة الفريق الحاكم.

و بالفعل و منذ انتخابات 2002 ( جاك شيراك) و 2007 ( ساركوزي) و 2012 (هولاند) و 2017 ( ماكرون) كانت الأغلبية البرلمانية من نفس حزب الرئيس و هو ما أعطى انسجاما أكثر لأعمال الدولة حسب الساسة الفرنسيين

في ضروريات تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية في تونس

من فوائد تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية في تونس أنه يمكن  من بروز قادة رئيسيين ( الثلاثة أو الأربعة الأوائل في الانتخابات الرئاسية ) الذي يحضون بأكثر شعبية و تكون برامجهم و تصوراتهم واضحة للناخبين plus de visibilité . و هو ما يسمح لهم بقيادة أحزابهم (أو تجمعات حزبية ينشؤونها) في الانتخابات التشريعية مما يحد من التشتت و التذرر و يمكن من تلخيص مفيد و إيجابي للساحة السياسية

من جهة أخرى فمن المتوقع ان تتواصل الموجة الانتخابية التي ستفرز الرئيس الجديد مع الانتخابات التشريعية مما يمكن الرئيس المنتخب من أغلبية برلمانية تمكن من الإنسجام بين رأسي السلطة التنفيذية و يمكن من تفادي “التعايش” la cohabitation  بين رئيس من حزب و أغلبية برلمانية من حزب أخر

من جهة ثالثة فإن تقديم الإنتخابات الرئاسية على الإنتخابات التشريعية سيكون في صالح القوى التقدمية و الديمقراطية التي يمكن لها أن تتفق على مرشح للرئاسية في الدورة الثانية و لها حظوظ محترمة بالفوز فيها. في حين أن حركة النهضة ليس لها إلى حد الآن  ( و لا في المدة القادمة) مرشح وازن  للإنتخابات الرئاسية و بالتالي فإن حظوضها في الرئاسية ستكون أقل. و نتوقع أن  ينصب كل جهدها على الانتخابات التشريعية التي ستسعى للإنتصار فيها لتقود الحكومة.

و لأن البرلمان هو الذي يقرر الرزنامة الإنتخابية  فقد يكون من مصلحة القوى التقدمية و الديمقراطية السعي لتقديم الانتخابات الرئاسية على التشريعية. و قد يكون ذلك مرتهنا  بالحفاظ على عتبة 3 بالمائة التي تطالب بها الأحزاب الصغرى و المتوسطة و التي قد ترى في ترفيع العتبة إلى 5 بالمائة إقصاء لها. في حين من المتوقع أن تدافع حركة النهضة على تقديم الانتخابات التشريعية على الرئاسية و تسعى إلى التمسك بعتبة 5 بالمائة و هما عاملين قد يمكننها من الحصول على الأغلبية البرلمانية و قيادة الحكومة القادمة.

*الدكتور عبد المجيد المسلمي، طبيب جراح قيادي في الجبهة الشعبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.