ثقافة وفنون

الكاتب الفلسطيني رياض أبو عواد يكتب: محسنة توفيق نبض عال أصبح رمزًا لمصر

نشر تلفزيونا الغد مقالا للصحفي الفلسطيني رياض ابو  عواد عن ايقونة السينما المصرية محسنة توفيق التي  توفيت قبل ايام

في ما يلي نص المقال

لم أسمع مرة أغنية “مصر يا ما يا بهية” للشيخ إمام، وشِعر أحمد فؤاد نجم إلا وكان وجه محسنة توفيق أمامي وسيبقى كذلك بعد رحيلها؛ فهي لم تكن فنانة عابرة في الحياة المصرية لكنها كانت صانعة حياة وصاحبة موقف، تمتلك حسًا ونبضًا عاليا اصبح رمزًا لمصريين في نضالهم من أجل حياة أفضل وأكثر كرامة وإنسانية.

رحلت الفنانة محسنة توفيق مساء الاثنين عن عمر يقارب الثمانين عامًا بعد أن قدمت تجربة مغايرة في حياتها الفنية، فلم تقبل عملاً  إلا إذا كان هادفًا، ويقترب من شخصيتها ومبادئها التي فرضت حضورًا خاصًا لها على الشاشة مفارقا لغيرها من الفنانات من جيلها، فكانت اختياراتها محددة ومرتبطة بمواقفها تجاه البلد.

كانت الفنانة الراحلة صاحبة موقف منحاز دائمًا للمظلومين وللمواقف الإنسانية بانتمائها للتيار اليساري المصري فهي لم تخف يوما من إعلان انحيازها للعمال والفلاحين والطلبة، ومن المعروف أيضًا أنها كانت مساندة لكفاح الشعوب العربية، وشاركت في مظاهرات التضامن معها حتى إنها عاشت فترة في المخيمات الفلسطينية، وقالت أكثر من مرة إنها تعلمت الصمود والثبات على الموقف في هذه المخيمات، إلى جانب مساندتها الجزائر إبان حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والعراق في مواجهة العدوان الأمريكي.

الفنانة المخلصة لفنها جعلت منه موقفا تقدم من خلاله قناعاتها إذا ما اشتركت مع قناعات المخرجين الذين عملت معهم، وهذا سبب حضورها في 3 من أفلام المخرج الراحل يوسف شاهين المعروف بمعارضته للنظام والمتضامن مع نضال الشعب المصري والشعوب العربية ولم تسع لابتذال نفسها والتنازل عن مواقفها في سبيل الثروة مثلما فعلت فنانات كثيرات.

أصبحت الراحلة جزءًا من الضمير الشعبي المصري والعربي من خلال دورها المميز في “فيلم العصفور” مع يوسف شاهين، وقد حملت فيه اسم بهية الذي اختصر تاريخًا مصريًا مهمًا أكد على روح مقاومة الهزيمة أمام العدو الصهيوني والدعوة للمقاومة، وفي الوقت نفسه تحرير البلاد من الفساد الذي قصم ظهر مصر في أكثر من محطة من محطات تاريخ مصر المعاصر.

وامتد تاريخ واسم بهية مع الأغنية التي كتبها أحمد فؤاد نجم “مصر يا مة يا بهية” خصيصًا لهذا الفيلم، بحيث أصبح اسم بهية مساويًا لفكرة النضال الشعبي الكامل وكانت من أهم الأغاني التي تغنى بها المتظاهرون في 25 كانون الثاني/ يناير في 2011.

واستطاعت أن تقدم الدور الإنساني بشكل عميق دور المرأة التي تقدم نفسها للحياة حبًّا في الحياة بما فيها من بشر، كما عبرت عنه في دور أنيسة في رائعة أنور عكاشة  “ليالي الحلمية” بأجزائه الخمسة الأخيرة، فهي الأم التي لم تنجب وهي المحافظة على روح الحب للناس المحيطين بها وبمن يحيط بهم.

تعود قلة ظهورها في السينما والدراما التليفزيونية إلى حسن اختيارها لأدوارها وليس قلة كفاءة وترفعها عن أداء أدوار لا ترضى عنها، ولا تلبي قدراتها ومواقفها الفكرية والإنسانية. وفي الوقت نفسه لم تعارض القيام بأدوار صغيرة في حال كانت هذه الأدوار مؤثرة مثلما فعلت في فيلم “ذيل السمكة” لسمير سيف عندما قامت امراة كبيرة في السن تعيش وحيدة بعيدة عن أبنائها، وهذه المشكلة اصبحت من مشاكل العصر وحدة الكبار في السن.

وتميزت كذلك بأداوارها المسرحية في العديد من المسرحيات وكان أول ظهور فني لها في مسرحية “مأساة جميلة” قصة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في السيتنيات، إلى جانب مسرحيات “منين أجيب ناس” و”حاملات القرابين” و”الدخان” و”ايرما” و”عفتريت مصر الجديدة”.

ومن أبرز أعمالها السينمائية إلى جانب “فيلم العصفور”، “إسكندرية ليه” و”وداعا بونابرت” ليوسف شاهين، أفلام “البؤساء” و”الزمار” و”قلب الليل” وفي الدراما التليفزيونية إلى جانب “ليالي الحلمية” “المفسدون في الأرض” و”اللص والكلاب” و”المرسى والبحار”.

والفنانة الراحلة من مواليد 1939 وخريجة كلية الزراعة عام 1968، وتزوجت من الفنان أحمد خليل وأنجبت منه ابنة وابنا وهي شقيقة المذيعة الشهيرة المتخصصة ببرامج الأطفال أبلة فضيلة وشقيقتها الأخرى كانت مغنية في دار الأوبرا المصرية.

*عن موقع تلفزيون الغد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.