تونس اليوم

القصرين: المنشآت العموميّة من صمّام سلم إجتماعي إلى سبب للإحتقان

منذ شهر ديسمبر من سنة 2010 لا تكاد تهدأ الإحتجاجات في ولاية القصرين حتّى تندلع من جديد مطالبة بإستحقاقات عديدة أهمّها تلك المتعلّقة بتطوير التّنمية و بجلب  الإستثمار.

وفي ظلّ أزمات عديدة تدهورت أعمدة الإقتصاد الجهوي في ولاية القصرين المقام بالأساس على عدد من المنشآت العموميّة التي تأسّست في دولة ما بعد الإستقلال و خصوصا في خمسينات و ستينات القرن الماضي لتثمين ثروات الجهة من ناحية و للقيام بدورها الإجتماعي عبر احتواء يد عاملة و إدخالها في الدّورة الإقتصاديّة الجهويّة.

و كانت لهذه المنشآت رغم ندرتها دور كبير في فرض السّلم الإجتماعيّ لعقود طويلة لكن بعد 2011 عانت هذه المؤسسات من عجز رهيب فاقم من مديونيتها و هدّدها بالإفلاس ما دفع عمّالها و موظفيها للإحتجاج من أجل المحافظة على موارد رزقهم في مناسبات عديدة  و هنا نذكر الشركة الوطنية لعجين الحلفاء و الورق و التي توفر مواطن شغل لحوالي 6000 عائلة و التي كان لها دور اقتصاديّ و اجتماعيّ  جهوي و وطني مهمّ خصوصا في توفير مداخيل محترمة من العملة الصعبة للدولة  بعد أن كانت المؤسسة المصدّرة الوحيدة لأجود أنواع الورق نحو كبرى الشركات في الدّول الأوروبية و الأمريكية.

منشآت عمومية  أخرى لعبت دورا مهما في الإقتصاد الوطني في القصرين قبل غرقها في المديونية كانت قد استثمرت في موارد الجهة و خلقت توازنا اقتصاديا و اجتماعيا مهمّا مثل معمل الآجر الذي تأسّس سنة 1976 بطاقة تشغيلية تقدر ب 113 عامل بطريقة مباشرة و 300 عامل بطريقة غير مباشرة  و بمردودية تقدر بحوالي 200 طن من الآجر يوميا ليغلق أبوابه بصفة رسمية اليوم الإثنين 17 جوان 2019 و لتندلع شرارة الإحتجاجات من جديد في جهة كانت أهم مطالبها في العقد الماضي توفير مصانع و مشاريع ذات قدرة تشغيلية محترمة لإخراجها من المراتب الأخيرة في مؤشرات التنمية الجهوية.

و إن تدخّلت الدولة من أجل إنقاذ الشركة الوطنية لعجين الحلفاء و الورق و إعادتها لسالف نشاطها عبر توفير هبات و قروض ابرمت  بإتفاقيات صارت منذ أشهر مع البنك الإسلامي للتنمية لإعادة هيكلة الشركة و البحث عن شراكات استراتيجية جديدة تعيد لمعلم الحلفاء سالف إشعاعه فإن مديونية معمل الآجر للشركة التونسية للكهرباء و الغاز و التي فاقت ال 2 مليون دينار و تهالك آلات و آليات الإنتاج لهذه المؤسسة عجّل بغلقها.

في ظلّ أزمات المنشآت العامّة في القصرين والتي تعود لأسباب يطول شرحها أهمّها الأزمة الإقتصادية العالميّة و سياسة الإفراق في حقبة زمنية سابقة وسوء التصرّف ومحدوديّة الرّؤى و المخطّطات الإستراتيجية في سوق تنافسيّة لا تعترف إلّا بالأقوى و الأجدر، و بغياب مستثمرين خواص في أقطاب صناعيّة كبرى تعتني بثروات طبيعية عديدة في ولاية القصرين مثل  الحلفاء و الرخام و الفسفاط والمواد الكلسية والصناعات التحويلية للمواد الفلاحيّة العديدة والإسمنت و الحديد تبقى معادلة تحويل الثروة إلى قيمة مضافة، قادرة على خلق توازن جهوي يدعّم الإقتصاد الوطني،  تبقى حلقة مفقودة.

[metaslider id=10489]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.