اول الكلامتونس اليوم

أطفالٌ، وكفَى

بقلم الدكتور نادر الحمّامي

رأيت منذ صورة منشورة على صفحات الفايسبوك، يسأل فيها شخص ما طفلة: “هل يوجد في قسمكم في المدرسة مسيحيّون ويهود ومسلمون؟”، أجابت الطفل: “يوجد فقط أطفال”. تذكّرت هذه الصورة الآن وأنا أتابع مستغربا جدلا فايسبوكيّا اخترق كلّ الفئات الاجتماعيّة بكلّ مستوياتها التعليميّة والفكريّة يتعلّق باستقبال أطفال في القصر الرئاسي تورّط آباؤهم وأمّهاتهم في عمليّات إرهابيّة. كان الجدل موجّها إلى أمرين، الأمر الأوّل يتعلّق بتحيّة رئيس الجمهوريّة على البادرة أو انتقاده، وتعلّق الأمر الثاني بنقاش يقول عنه أصحابه إنّه “تقنيّ وعلميّ واصطلاحيّ” وغير ذلك من الأوصاف الكبرى التي أعجز عن الخوض فيها لقصور فيَّ، فالرجاء عذر جهلي بالقضايا الكبرى، والجاهل عادة ما يكون متطفّلا فقرّرت إضافة التطفّل إلى الجهل فتكتمل عيوبي.

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل وهو استقبال الرئيس للأطفال، فلن أسمح لنفسي بمساندة الرئيس أو معارضته بتوظيف أطفال، ولتكن نواياه صادقة أو كاذبة، هؤلاء الأطفال تونسيّون، وهم قبل ذلك أطفالٌ ضحايا ما اقترفه الآباء والأمّهات، ولن أحكم على نوايا الرئيس من خلالهم. الأطفال عندي غير قابلين للتوظيف إيجابًا أو سلبًا. وإن كان لابدّ من موقف فأقول إنّهم لمّا كانوا ضحايا فمن واجب الدولة ممثّلة في رئاستها أن تحتضنهم، وليس في ذلك منّة أو مزيّة، إذ أنّه واجب أخلاقيّ، وهو حقّ من حقوق أولئك الأطفال.

وأمّا الأمر الثاني، فهو عجيب، إذ رأيت من يتجادل حول التسمية فشقّ يقول: “أبناء الإرهابيّين” والشقّ الآخر يقول: لا، بل  “أبناء الجهاديّين”، ويستعين كلّ شقّ بما توفّر لديهم من علم غزير في الجماعات الجهاديّة والإرهابيّة ليدقّق المصطلحات والمفاهيم ويجوّد النظر في دلالاتها، فيتيه الأطفال بين النقاشات العبقريّة والعلوم الّتي لم تأتِ بها الأوائل. ويصبح الأطفال أداة لإدانة الآباء أو تصنيفهم “علميّا”، ويحملون أوزارهم، و”يُوصَمون”، حتّى لكأنّنا بين أوراق “مقالات الأشعري” و”ملل الشهرستاني” أو “فرق البغدادي” أو “فصل ابن حزم” أو “فرق النوبختي” نقرأ جدل ابن الأزرق مع من خرج عنهم في مقالته في قتل الأطفال وأخذهم بذنب آبائهم.

الأطفال، يا سادتي لا يُوصمون، هم أطفال وكفى. لو صحّت عقيدة التنزيه على مخلوق فستكون صحيحة بالنسبة إلى الأطفال. الأطفال لا يؤخذون بذنب أحد، فهم في كلّ الأحوال أبرياء. الأطفال مقدّسون، فلا ندخل حرمهم إلاّ طاهرين.

الأطفال يلعبون، ولا يخرجون من مقاعد درسهم، ولا يشتغلون، ولا يُباعون ولا يُشترون. والأطفال ليسوا ملكا خاصّا لآبائهم وأمّهاتهم، وإنجابهم لا يعطي الحقّ في التصرّف فيهم.

الأطفال بهجة الدنيا فلا أصدق من ضحكتهم، وهم حُرقتها فلا أصدق من دمعتهم.

يبدو أنّنا لم نخلع النعل ونحن ندخل الوادي المقدّس، وادي الأطفال الذي سيجرفنا جميعا يوما ما لأنّنا دنّسناه، فلنطلب الصفح ونقرّب القرابين عسى أن يغفروا لنا. ولا سبيل لنا إلاّ أن نؤمن أنّهم أطفال، وكفى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.