اول الكلام

البيان… في “قاهر الجرذان” (١) بقلم : صبرين قوبنطيني

منذ انتخابي في مجلس نواب الشعب، شاءت الأقدار ان أكون في قلب “المطبخ السياسي”، وعرفت حينها معنى “الدولة”. الدولة، التي لا يمكن أن تدار بالعواطف، أو بالصداقات، أو بمنطق “معايا والا ضدي”.. فقط تونس أعلى وأكبر من النصوص والأشخاص.. هذا ما تعلمته، أو ربما أحاول تعلّمه في السنوات الأخيرة _ ما استعصى على الكثيرين تطبيقه، حيث طغت الولاءات والمراهقة_ إلا أنني نذرت على نفسي أن تبقى مواقفي على هذا الأساس، وأن أقيّم الأحداث موضوعيا وبكل تجرد، قبل الانسياق وراء الهيستيريا الفايسبوكية، قبل “عربدة الضوضاء وتشنّج الهويات”.. ولذا، ماهو المعيار الذي يسمح لنا بتقييم وزير ما؟ هو طبعا حالة القطاع الذي يسيره في فترة توليه الوزارة.. لنراجع معا، أهم “الأحداث” التي تميزت بها فترة السيد لطفي براهم (11 سبتمبر 2017 – 6 جوان 2018، ثمان أشهر تقريبا): – تجاهل الدستور والضرب بالحريات الفردية عرض الحائط. تذكروا جيّدا محاولات الاعتداءات على حرية الصحافة، منذ اعادة طرح قانون زجر الاعتداء على الامنيين على طاولة النقاش، والإيقافات التعسفية لصحفيين اجانب، في جانفي 2018، مع “رصد مكالمات”، – التنكيل بمظاهرة سلمية مطالبة بالحريات الفردية وايقاف المتظاهرين رغم سلامة كل الاجراءات القانونية، مقابل السماح لحزب التحرير حاملين رايات خلافتهم بالتظاهر يوم 14 جانفي 2018، ذلك السواد الذي رفرف أمام مبنى وزارة الداخلية بتعلة “اهوكا القضاء كانك تحب تحل حزب التحرير، هاذيكا مظاهرة مرخص لها” (في رد للسيد الوزير المقال لسؤالي في لجنة الامن والدفاع) – التصريحات الغريبة للسيد الوزير التي جعلتنا نتساءل اذا ما كان يفكر في بعث جهاز “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” (الموجود في السعودية)، والتي انطلقت منذ نوفمبر 2017 برد كتابي على سؤال زميلتي هاجر بالشيخ احمد حول ما يسمى بمنشور مزالي 1981، يليه تصريح صوتي في بداية شهر رمضان الحالي بتعلة حماية الأغلبية والدين والمقدسات ودوره في حماية تطبيق اركان الاسلام الخمس، الى حد الغلق التعسفي للمقاهي المفتوحة في اصرار على تطبيق منشور لا وجود قانوني له، – أحداث محكمة بن عروس.. – #تعلم_عوم العنف ضد جماهير الملاعب وسياسة التعنت بداية من وفاة تلميذ الباكالوريا “عمر” الأعزل، الذي تمت مطاردته على بعد كيلومترات من ملعب رادس الى أن القى بنفسه في الوادي (هذه الرواية الرسمية الى حد الآن)، الى احداث مباراة كرة السلة برادس، الى مهزلة نهائي كأس تونس والجدار العازل ومكبرات الصوت بين المنصة الشرفية والجماهير.. – التسلية بقصص لا تسمن ولا تغني من جوع، مقابل الفشل الذريع في أمهات الاشكاليات الامنية، ومنها الهجرة غير الشرعية، حيث عشنا على وقع حادثة اصطدام خافرة عسكرية بمركب حراقة في اكتوبر 2017، الى غرق المركب في قرقنة منذ يومين، ووفاة وفقدان العشرات من ابنائنا، عوض التفطن لمحاولتهم، خاصة وانه تم عقد جلسة وزارية حول حادث الخافرة العسكرية وتم الاتفاق على قرارات واجراءات وقائية ستطبقهم وزارة الداخلية… – لنعرّج على قصة الالمانية. وهنا، سؤال يطرح نفسه : كيف تمكنت من الدخول والخروج للتراب التونسي منذ شهرين بكل حرية؟ – اصلاح المنظومة الامنية الذي لم نسمع ولم نر عنه شيئا، – بالنسبة للجريمة، فإن عمليات السطو والبراكاج متواصلة، بل انتشرت مؤخرا في أماكن مختلفة ومتفاوتة من تونس، وآخرها مسلحون بسكين في النهج الذي اقطن به… – في مكافحة الارهاب، انطلقت النجاحات منذ 2014 وتواصلت الى ملحمة بن قردان في 2016، اي ان لا علاقة لها بالوزير المُقال. لا بدّ ان لا ننسى ان مكافحة الارهاب ترتكز على عمل متواصل ودؤوب لعديد الأجهزة منذ سنوات، وعلى رأسها الجيش الوطني والاستخبارات العسكرية التي تقوم بعمل كبير بالمناطق العسكرية والحدودية، كما لا يمكن اختزال نجاحات المؤسسة الامنية في عمل شخص الوزير لمدة بضعة أشهر. الأمن التونسي يعمل كذلك في شكل اجهزة وفرق والمجهود جماعي ومتواصل منذ سنوات. والنجاحات ستتواصل حتما بعد رحيل براهم ولن تتوقف عجلة الدولة عن العمل، ولا “ماكينة” مكافحة الارهاب، بمجرد رحيله… (يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.