الرئيسيةثقافة وفنون

مع يوسف الصدّيق… في حواراته وحالاته؟

نشرت جريدة الصحافة في عددها ليوم الاربعاء 14فيفري مقالا للناقد والصحفي والروائي حسن بن عثمان ضمنه حوارا إذاعيا كان أجراه الزميل محمد بوغلاب مع الفيلسوف يوسف الصديق سنة 2001 وفيه أعلن الصديق أنه اتم ترجمة رواية”بروموسبور”لحسن بن عثمان

في مقاله يسأل بن عثمان أين قبرت الترجمة ولماذا؟

أبدي تضامني مع يوسف الصدّيق وحقّه المطلق في التعبير عن رأيه، مهما كان، وكيفما كان، بصفته عالما ببواطن الدّين والدنيا، ومختصّا في الفلسفة رأس الحكمة في الوجود. مع تنديدي بالحملة التكفيرية الجهلاء التي يتعرّض لها.

على سبيل التضامن أنشر هذا الحوار القديم لأذكّر يوسف الصديق بتصريح من تصريحاته كنت مذكورا فيه، بصورة جعلتني دائم الحيرة مع تصريحات الفيلسوف التونسي يوسف الصدّيق ومختلف حالاته.

هذا التصريح هو نص حوار أجراه الزميل محمد بوغلاب مع يوسف الصديق في  إذاعة الشباب أواخر سنة 2001، وعلى إثر إجرائه طلبت منه رئاسة الجمهورية التونسية نسخة مسجّلة، وبعد ذلك دُفنت ترجمة رواية “بروموسبور” التي أنجزها يوسف الصديق، وإلى حدّ الآن لا ندري ما هو السبب وراء ذلك الدفن المريب بلا جنازة، في كنف الغموض والألغاز…

فيما يلي نص الحوار الشفوي الإذاعي القديم، الذي نقلناه إلى المكتوب، لغاية في نفس يعقوب:

***

ـ محمد بوغلاب: الباحث والمفكر التونسي المقيم بفرنسا يوسف الصديق، في البداية اسمح لي أن أسال عن صحتك؟

ـ يوسف الصديق: الحمد الله كل شيء لا باس والظروف المادية بخير والحمد الله كل شيء لا باس.

ـ محمد بوغلاب: في الأسابيع الماضية سعدنا في تونس بمشاهدة خمس حلقات من فيلم يحمل اسم النبي الرسول محمد.

ـ يوسف الصديق: صلى الله عليه وسلم

ـ محمد بو غلاب: صلى الله عليه وسلم… يوسف الصديق، لو تقدم لنا معطيات أكثر عن هذا العمل الذي عرض في التلفزات الأوروبية في ظروف ومتغيرات في العالم جدت بعد 11 سبتمبر 2001 … متى تم تصوير هذا العمل وكيف؟

ـ يوسف الصديق: والله هذا السؤال طرح علي مرات عديدة من طرف وسائل الإعلام العالمية والأوروبية الموجودة هنا، فرنسا، و أقول لكي أحل هذه المشكلة انه لا أساس أبدا ولا صلة للموضوع بحدث 11/9/2001 ، نحن طرحنا الأسئلة عن كيفية تقديم شخصية الرسول العظيم و الأعظم للأوروبيين ومن ثمة لنا نحن أيضا، لان هناك كثير منا لا يستحضرون كل شيء من حياة هذا الرجل الفذّ، الذي أنزل عليه الكتاب، صلى الله عليه وسلم ….طرحنا الأسئلة الآتية: كيف يمكن أن نذكر بان هذا الرجل قال: لست إلا ابن امرأة تمشي في الأسواق وتأكل القديد، أنا إنسان بسيط، أنا إنسان عادي ولا معجزات لي….وقال له ربي سبحانه وتعالي: “وما نرسل بالآيات إلا تخويفا” بمعنى أنه وقت الذي كان سيدنا موسى يلقي بالعصا فتصبح حنشا، ثعبان، وكان سيدنا عيسى يبرئ الأبرص والأعمى ويحيي الموتى، كانت معجزة سيدنا محمد الوحيدة هي الخطاب…إذن كيف نقدم للناس هذا الشخص الذي أسس وجود الأنبياء داخل التاريخ؟

كل الأنبياء الآخرين أكلتهم الأسطورة، إلا هو بقي وكأنه بيننا…تذكر يا أستاذ بوغلاب أن كل واحد منا حين يمرض أو يصاب بشيء ما يقول:” يا حبيبي يا محمد” في كل مكان وفي كل بلد إسلامي وكل بلد عربي ، يرفع الواحد رأسه إلى السماء و يقول يا حبيبي يا محمد كأنه قريب و كأننا فارقناه البارحة….كيف نقدم هذا الشخص للناس؟

لمّا طرحنا هذا السؤال باشرنا العمل، قلنا أولا، أن السيرة النبوية ملك للجميع من الصين الإسلامي إلى السينغال، طبعا مرورا بالبلدان العربية، يعرفونه، يعرفون ما هو ” ألم نشرح لك صدرك” وما هي زيجاته، وكيف تزوج من خديجة وكيف كان تاجرا في قوافلها الخ…..هذه أشياء يعرفها الجميع بما في ذلك الصبيان الصغار الذين يتعلمون ذلك من لدن أهاليهم، ولذلك قلنا لنسلّم السيرة للبشر وللشعب البسيط، وبعد ذلك قلنا أن الشعب البسيط الذي يعرف السيرة لا بد أن تكون عنده أخطاء، وهنا على الإسلام الرسمي، إسلام المؤسسات، أن يتدخل لتصحيح السيرة مما يشوبها شعبيا، ويقيم صورة الرسول من وجهة النظر الرسمية، وكنا ندرك أننا نتجه بعملنا للأوروبيين ولأناس يحكمون العقل فيما يعرض عليهم، والرسول إنسان تاريخي، لذلك اتجهنا إلى الجامعيين وأكثرهم من المستشرقين والعرب، وقلنا لهم كيف بقيت أسئلة حول هذا الرجل التاريخي، حول معاركه وغزواته وعن شخصيته الخ….و بذلك اكتمل النصاب بين هذه الطوابق الثلاث، الطابق الشعبي وطابق الإسلام المؤسساتي وطابق الإسلام الذي هو حوزة الإنسانية كاملة من جامعيين وباحثين، وهنا ألفت انتباه المهتمين أن بداية التصوير التلفزي كانت في تونس، لأنه لم يكن ممكنا الذهاب إلى الحجاز، فالمدينة و مكة، كما تعرف، لم يكن مسموحا بدخول غير المسلمين إليها، وفريقنا التلفزي كان فيه مسلمون وغير مسلمين، لذلك عوضت نخيل الحجاز وصحرائه و ناسه، بنخيل تونس وصحراء وناس و جمالها……

ـ محمد بوغلاب: وصار الأذان ينطلق من جامع الزيتونة في حلقاتك التلفزية….

ـ يوسف الصديق: نعم، أصررنا، لمّا كُلّف بلال بالأذان في عملي التلفزي، أن يطلع مؤذن جامع الزيتونة، الذي أحييه من هنا، وهو يرتدي جبته في تلك المدارج الملتوية الحلزونية الجميلة، خطوة خطوة، وأقام الأذان على تونس كاملة، وقد تردّد ذلك الأذان في كل منارات العالم الإسلامي.

ـ محمد بو غلاب: اسمح لي، أن أقول لك أننا عرفناك أول ما عرفناك مشتغلا بالصحافة لسنوات طويلة….هل طلّقت الصحافة؟

ـ يوسف الصديق: لا، الصحافة لا تُطَلّق، لأنها كالزوجة المسيحية إن طلقتها عليك لعنة البابا….لم أطلق الصحافة ولكنني صرت في وضع غدت فيه الصحافة هي التي تتناولنى، وهكذا أصبحت في تلك المفارقة التي لا يستطيع فيها الإنسان أن يكون حاكما ومحكوما في ذات الحين….وأعود الآن إلى مسالة النص الديني لأحكى لك حكاية حكيتها لمجلة تونسية أوروبية. منذ سنة 1967 انشغلت بالفلسفة وقدمت عملا عن سبينوزا في الصوربون، في ذلك الوقت وبعد يوم أو يومين من النكسة في شهر جوان من تلك السنة استهزأ منى أستاذ فرنسي عظيم توفي، ولا حاجة لذكر اسمه، استهزأ منى لأني كنت ألبس قميصا كاكيا اشتريته من الفريب، الألبسة المستعملة، وكان لون القميص له إيحاء حربي، وقد اشتريته لظروفي المادية التي لم تكن تسمح لي بغيره مثل جلّ أبناء جيلي الذين كانوا يلبسون من الفريب، استهزأ مني رابطا بين قميصي و الهزيمة العربية على أساس أن الهزيمة وقعت وأنا مازلت ألبس لباسا عسكريا…من ذلك الوقت جاءتني فكرة، كأنها جزؤ من الوحي ، وكما تعلم فان النبي يقول إن الحلم هو جزؤ من أربعين من النبوة، وفحوى الفكرة أنني تساءلت  كيف أصرف وقتي في الاعتناء بفلاسفة غربيين، هم عظماء بلا شك، وعلينا أن نعرف فكرهم بالضرورة، وكان عليّ من ذلك الحين أن أفكر في مسالة نعلو بها إلى مصاف الفكر العالمي، ولم أجد، حقّا، سوى القرآن، وعكفت عليه منذ 1967 إلى حد هذه  الساعة. هو وتراثنا الديني، طبعا بطريقة غير دينية، بل فلسفية ….و هكذا أحيانا أواجه بشيء من النقد من طرف شيوخنا الذين أحبهم كثيرا وأقدّرهم….وأنا أعتبر أن علمائنا الكبار من أمثال الطبري وأبو حنيفة و ابن قيم الجوزية وغيرهم كثير هم من أسسوا طريقة العلم الصحيح وهم على رأسنا…

ـ محمد بو غلاب:” اسمح لي أستاذ يوسف أن أقاطعك …كل ما صدر لك، واهتمامك بالنص القرآني ، لم يكن دائما محل إجماع…..و انطباعي الشخصي أن ما نشرته لم يجعل منك اسما رنانا إعلاميا…أنت ترجمت للقاضي التنوخي ونثره الفني في القرن الرابع الهجري، ونعرف خصوصية الكتابة في ذلك القرن، ولقد جازفت بترجمة ذلك النص إلى الفرنسية في أجزائه الثمانية، ومع ذلك لم يكن لعملك الصدى الذي يستحقه فأين الخلل؟

ـ يوسف الصديق: الخلل أولا فيّ، أنا لا أريد أن اكتسب شهرة بمسائل التراث، خاصةوان التراث فيه الكثيرون … هنا في فرنسا كثير من الناس يُسمّونهم بالفرنسية عرب الخدمات، أو إسلاميو الخدمات، وهم لا يجيبون إلا حين يطالبون من طرف العدو، العدوّ الفكري، ولا أتكلم عن العدو السياسي أو الحربي او غيرهما، تلك أصناف بسيطة، أما العدو الذي من أوائل الدهر وهو يصدّنا عن الكونية من وقت الحروب الصليبية، وقبلها من أيام هولاكو، يأتي إلى مكتبة بغداد و يرمي بها في الفرات أو في دجلة ويعمل منها قنطرة حتى يصير الماء بلون الحبر…هذا العدو الكوني الذي ليس مشخّصًا في دولة ولا في حزب ولا في تيار، إذا سألك وأجبت وبعت روحك له وتغدو نجما عنده فهذا ما لا أقبل به ، ومن هذه الناحية حاولت أن لا يكون حضوري المعرفي نجوميا على حساب الإسلام وعلى حساب العروبة وعلى حساب تراثنا أو حتى على حساب بلادي… أنا أقول أننى لا أكتب على بلادي إلا في بلادي، هذا واضح وبسيط، وفي بلادي أنا مستعدٌّ لمواجهة من يختلف معي في الرأي بصفته ابن بلدي وأخي في الوطن….

ـ محمد بوغلاب: أستاذ يوسف الصدّيق من خلال حديثي معك أعطيتني انطباعا وإحساسا شخصيا أن انتمائك إلى تونس، رغم هذا الفاصل الجغرافي، ورغم طول إقامتك في فرنسا، يأتي في المرتبة الأولى؟

ـ يوسف الصديق: ربي يستر يا أخي، أنا والدي علمني شيئا، قال لي : الوطن يطالبك بكل شيء وهو لا يطالب بشيء… الوطن أعطاك كل شيء بما في ذلك الحياة والشخصية، وعندما تقول أنا تونسي تقولها باعتزاز، هو يطالبك بكل شيء وما عليك سوى الإذعان وتُعطي ، هذا إحساسي لمعنى تونسي.

محمد بو غلاب: أستاذ يوسف الصديق ترجمت أيضا لروائي لبناني هو حسن داود، هذا يعني أن هناك في فرنسا اهتماما كبيرا بالأدب اللبناني، وربما كان الروائي المعروف أمين معلوف هو من شرّع الأبواب أمام هذا الأدب… ماذا يمكننا أن نعرف عن تجربة الترجمة هذه؟

يوسف الصديق: قبل كل شيء فان الترجمة بالنسبة إلي هي في الحقيقة مسألة معيشية… لقد درّسْتُ في جامعات فرنسا خمس سنوات فقط ولم اعد أدرّسُ، ولما يعرض عليّ نَصْ أطّلع عليه، إذا أعجبني أوافق على ترجمته حتى أصَوِّرَ الخبزة… بكل بساطة.

لذلك فان كتابتي الشخصية كنت أقوم بتأجيلها باستمرار لان ضرورات العيش تحتّم عليك الاشتغال بالترجمة مثل ترجمتي لموطأ مالك، ترجمتًه ونُشر في تونس، وكذلك التنوخي  وأيضا أحاديث الرسول ترجمتها لحساب دار “أكت سود”  ونهج  البلاغة لعلي ابن أبي طالب، تلك كلها أعمال عرضت عليّ من قبل ناشرين…..أما بالنسبة إلى  القصص لم أكن أتصور أن أقوم بترجمة الرواية، وفي يوم من الأيام عُرضت عليّ رواية ” بناية ماتيلد” لحسن داود وطُلب مني قراءتها.

وهذا الروائي اللبناني جديد و يكتب كتابة خاصة، وأظن أن مثقفينا وروائيينا في تونس صاروا يعرفونه لان كتبه تباع في تونس، وقد سبق له ان كتب كتابا ترجم  إلى الفرنسية اسمه ” أيام زائدة” وهو كتاب يقتل بالضحك …. وقد أعجبت برواية “بناية ماتيلد” التي تحكي على حرب لبنان والتسامح بين أفراد عائلات في حي واحد فيهم الشيعة والأرمن والمسيحيين وسنة ومارونيين وأناس بلا دين،  وهي رواية عايشت الحرب في لبنان  التي عرفت حربا أهلية، وغزوا إسرائيليا. وقد أعجبت خصوصا بتلك الرقة حين يحكي عن التسامح رغم أن البناية وقعت فرقعتها….ومثلما قلت لك أنا لا ارغب في تضييع وقتي في الترجمة ذات التكاليف الباهظة، و الكتاب يستغرق من الوقت سنة وأكثر، وعائده المالي بسيط ولا يساوي سوى راتب شهرين فقط.

وقد ترجمت أخيرا كتاب أخينا العظيم الذي كان معجزة في الكتابة، أقول ذلك حقيقة، أقصد حسن بن عثمان وروايته المعجزة “بورموسبور”، حين عرضت عليّ الرواية من قبل الناشر الفرنسي للترجمة  قلت لهم مهلا عليّ بقراءة الرواية أولا، حين فرغت من قراءة الكتاب وجدت فيه  شيئا مهما جدّا هو الخصلة لكلّ الروايات الكبيرة، فالرواية تترك قارئها حائرا في العقدة والعقيدة ومسيرة الشخصيات دون خاتمة نهائية، وبانتهاء القراءة تبدأ الخواتم تتنازعك…. هل يا ترى الكتاب ضدّ المرأة أم أن المرآة هي نوع من المرآة، وكذلك الشأن مع الجنس والعلاقات المريبة والشرعية في مجتمع الرواية وما تتركه من حيرة لا تقدّم إجابات… لقد أثار الكاتب مشاكل لا تخص فقط المجتمع التونسي ولا المغاربي ولا العربي أو الإسلامي، بل هي مشاكل الإنسان… ولذلك قلت لدار النشر الفرنسية التي عرضت عليّ الرواية وهي دار نشر فرنسية اسمها “روح أشباه الجزيرة/ L’Esprit des péninsules ” أنني مستعدّ لترجمة هذه الرواية، وقد أنهيت ترجمتي لها، وسلمتهم المخطوط، وإن شاء الله يبرمج نشرها في شهر ماي أو جوان سنة 2002 …..

ـ محمد بو غلاب: ما هو العنوان المقترح لهذه الترجمة؟

ـ يوسف الصديق: لقد فكّرت في عنوان:Le Pari de la foid ، و انا بصدد مناقشة هذا العنوان مع مدير السلسـة الذي هو عراقي، وقد زار تونس أكثر من مرة وهو الكاتب جبار ياسين ، اختيار  العنوان مازال وقتيا، وكما تعرف فإن العناوين مرتبطة” بالفترينة” التي تكون تقديراتها النهائية من مشمولات المدير الفرنسي لدار النشر، ولحد الآن يظل عنوان الكتاب المترجم لرواية “بروموسبور” لحسن بن عثمان هو Le Pari de la foie  ، وها إنك أول واحد تعرف هذا العنوان…

ـ محمد بوغلاب: هذه المرّة الأولى التي تترجم  كتابا لمؤلف تونسي؟

ـ يوسف الصديق: هذه أول مرّة أترجم كتابا لمؤلف تونسي، وبي رغبة للعودة إلى النظريات ومنها ترجمة بعض فصولمهمة لابن خلدون…. آه، ترجمت مرة تفسير الأحلام لابن سيرين الذي كنت أحبّه  كثيرا، وكانت النساء التونسيات يقرأنه مع ألف ليلة و ليلة وشجرة الدرّ. تجتمع النسوة اللواتي كنّ يعرفن القراءة مع غيرهن من صويحباتهن في سقائف الديار العربي ويفسرن أحلامهن وفق كتاب ابن سيرين الذي يتكون من حوالي 600 صفحة وترجمته في سنة 1995 ….

ـ محمد بوغلاب: سي يوسف هل تكتب أنت الرواية؟

ـ يوسف الصديق: لا، لا، أنا لا أدعي الأدب الإبداعي…. ثمة أناس في مرتبة الذين يوحى إليهم بهذه الأشياء وأنا لست منهم، أنا إنسان نظري وتكويني فلسفي قبل كل شيء، أنا فيلسوف ولا اعتقد أنني أستطيع أن أتجاوز العقلانية إلى شيء آخر.

***

انتهى الحوار الذي تم في أواخر سنة 2001 بين الصحفي محمد بوغلاب والفيلسوف يوسف الصديق، في ذلك الوقت من الزمن الذي كان يكتب فيه الشاعر أولاد أحمد مقدمته لكتاب توفيق بن بريك “بن بريك في القصر” ويتساءل فيها: “هل أن كل ما تخشاه تونس هو أن يصبح لها كاتب بارز بعد أن عملت كل ما في وسعها من أجل أن ينتحر الكاتب قبل البدء بالكتابة؟!”.

إنّ قضية حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التكفير وحرية الرواية وحرية الإبداع قضية كبيرة، من الوزن الثقيل، فيما شهدته البلاد التونسية من ثقافة وسياسة وفلسفة وألغاز، تتفاقم بعد “ثورة الياسمين”، وسيادة الطراطير والإعلام الجاهل، ونشر المزيد من الجهل وتعميمه بين الخاصة والعامة، في تحالف الفساد السابق بالفساد اللاحق، وسيادة فلسفة الدفن دون جنازة، وشهوة “التفكير والتعبير” من جهة، و”التكفير” وإبادة الكافرين من الجهة الأخرى، في مصير جماعي حائر وكئيب، يَكْذُب ويتعذّب مثلما يتنفّس، ولا حكمة فيه ولا ثقة في تفكيره ولا في إعلام تكفيره المُشْتَهَى، وشهوة النجومية للمُفَكّرين والمُكَفِّرِين الجدد، والأثرياء الجدد، والبلاد أسيرة بينهم، بلا “مستقبل”، يستقبل انحطاطنا المُعلن، وحالاتنا الحليلة…

علما أن الترجمة المذكورة أمضيت عقدها مع صاحب دار النشر الفرنسية   Éric Naulleau في سنة 2001، ولا أدري ما هي الصفقة التونسية الفرنسية في دفن ترجمة “بروموسبور” وحرمان القرّاء منها، خصوصا وقد وصفها يوسف الصديق بـ”العظيمة”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.