في ذكرى إغتيال شكري بلعيد
أبدا عهدا لن ننسى…
إلى الشهيد شكري بلعيد حيث هو…
بقلم: سيماء المزوغي
من كهوف الغيلان زحفت قطعان الموت وجحافل الظلامية، من أضغاث الخلافة هبّ أمراء السواد وبيادق التحجّر.. أرادوا تنصيب كهنوت الباطل تاج شوك على جسد وطن مبتهل للسماء، أرادوا تكميم الحناجر الحرّة بالرصاص والنار..
أرادوا طمس فسيفساء شعب لا يطأطئ رأسه تحت راية اللون الواحد، شعب ماقت للموت، مريد للحياة..
أرادوا أن ينحتوا من جسد وطننا قبرا يذيقونه فنون العذاب.. يقطّعون أوصاله من خلاف، يُجلّدونه، ويقيمون عليه حدّ الكفر، وما هو بكافر إلا بالجهل والعنف والسواد، وسمّ الكهنوت.. يريدون أن يجعلوا من مائة زهرة ذات مائة لون شوكة مرّة علقما تقتل كل اختلاف، كل إبداع، كل فكر حر، كل أمل لصباح جديد، كل أمل لوطن أكثر نقاء..
حملوا سيوفهم الصدئة، وأرادوا أن يضعونا في رقعة مربّعة يحاصرها العنف والدم، ويُحكمون سيطرتهم علينا بفتاوى شيوخ ضالة تُعلي قطع الرقاب وحرق الأرواح، وتوعدونا بفتح أرضنا، منارة المتوسط وأيقونة الزيتونة، لمعاقل الخراب والسراب حيث يحرقون الكتب، ويعدمون العلماء، لأنّ شيوخهم لا تقرأ و»علماءهم» عميان عقل وبصيرة، ويدمرون أثار أجدادنا لأنّ لا أثار لهم غير سفك دم الإنسان والإفساد في الأرض، فكيف نسجد لـ»فتوحاتهم» التي يتوعدون؟ ويطمسون منافذ الإبداع لأنّ «إبداعهم» الوحيد لا يتجلّى إلا في فنون التعذيب وإزهاق الأرواح..
الألوان تحرقهم كمصاصي الدماء.. والموسيقى تصمّ أذانهم التي لا تسمع، والعلم يعرّي جهلهم وخرافتهم… توعدونا بطمس معالم الحضارة ونحر كل إرادة حرّة.. توعدونا بحجارة رجم.. فأتتهم طيور الأبابيل دكا كعصف مأكول ونثرتهم وتنثرهم بعيدا بعيدا حيث طوباوية الخلافة في مجرّة خارجة عن التاريخ وعن الحضارة..
ووجدوا امرأة الطاهر الحداد، وإرادة الشابي، وحمّال ألوية التحرير والتنوير، وصنّاع الإبداع، و روّاد المدرسة الزيتونية والجامعة التونسية وجيوش الوطن ومريدي الحرية والديمقراطية، صفا صفا يدافعون عن وطن لا نرضى أن تعشّش فيه الغربان السوداء والخفافيش السوداء.. وهل يستوي صنّاع الفن والحياة بصنّاع الفتن والممات؟
أوصانا الشهيد الرمز شكري بلعيد خيرا بأنفسنا ووطننا «أريد أن أهدي كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» للطاهر الحداد إلى الشعب التونسي وأريد أن أقول ممن قدموا من هضبة نجد أن غيرنا عندما كانوا ملتحفين بالجهل، كان مثقفونا من الزيتونيين يدافعون عن التحرير والتنوير، هذا الكتاب زمرد يعمي عيون دُعاة الظلام ويفتح لهم بصيرتهم… تونس ليست ممرا تونس كانت مقرا للحضارة وصانعة للإبداع ولا يمكن أن تتبع أحدا».
«رفاقي رفيقاتي هذه صفحة من كتاب وهذه معركة من معارك».. أبدا لن ننسى كلماتك، يا شهيد الإبداع ويا مريد الدولة المدنية والقيم الجمهورية، أبدا أبدا لن يقدر علينا كهنة القرون الوسطى، ولن تنتصر تلك القوة المزعومة التي تشد إلى الوراء، التي شيّدت على جماجم المفكرين والمبدعين والأبرياء، تلك التي تشرّع للعنف وإلغاء الآخر.. وتزرع «اللون الواحد والرأي الواحد والحاكم الواحد والقراءة الواحدة للنص المقدّس، ونحن بشر مجالنا نسبي وتونس حديقة فيها مائة وردة بمائة لون»..
نعم أيها الشهيد الرمز «نحن نختلف ونتعدد داخل إطار مدني سلمي ديمقراطي» فلن يقدروا علينا ولن يُزرعوا في أرضنا مهما فعلوا.. تونس الجنّة لنا، واليوم والغد لنا.. شهداؤنا في الجنة، وقتلاهم في نارهم خارج التاريخ وخارج الحضارة وخارج الوطن..