تكريم المخرج الراحل “الطيب الوحيشي” في أربعينيته: السينمائي لا يموت وإن غاب
“ما أحبّه في السّينما، هو أنها تمنح المجال للذهاب والإياب بين الواقع والخيال، تأخذنا إلى أقاصي الحلم، ثمّ تطرحنا أرضا، وكلّ هذا في متناول الجميع، خاصّة أولئك المتشبّثين بالحلم ممن تعنيني مخاطبتهم. أمّا أنا، فلم يمنعني وضعي الجسديّ من مواصلة الحياة وتحقيق جزء من أحلامي”.
هذا ما أكده المخرج “الطيب الوحيشي” في أحد حواراته قبل الرحيل (16 جوان 1948 _ 21 فيفري 2018)، عاشقا للسينما وللحياة، متمسكا بأحلامه حتى وهو يجد نفسه مقعدا بعد حادث مرور قاس
في أربعينيته،عشية السبت 31مارس2018 وبحضور الدكتور “محمد زين العابدين” وزير الشؤون الثقافية احتفت المكتبة السينمائية التونسية في الثالثة مساء بقاعة الطاهر شريعة بالمخرج “الطيب الوحيشي” الذي كان اسمه كافيا لجلب الكثير من أصدقائه السينمائيين: رفيق دربه لطفي العيوني الذي مازال على وفائه للمخرج الراحل ولصداقتهما الطويل جاء ليقدم واجبه الأخير تجاه “الطيب الوحيشي” مثقلا بوجع الرحيل، ونجيب عياد، محمد خالد البرصاوي، محمد الزرن، مابو كوياتي ابن الممثل الراحل سوتيغي كوياتي وبطل الفيلم قبل الأخير للطيب الوحيشي “طفل الشمس” إضافة إلى محبيه وعدد كبير من أفراد عائلته من بينهم زوجته وشقيقاته
تصدرت قاعة “الطاهر شريعة” صورتان الأولى للطيب الوحيشي والثانية معلقة فيلمه “طفل الشمس”، وقدم حفل التكريم “محمد شلوف” الذي قال إن الراحل كان مولعا بالعالم الإفريقي، شديد الارتباط بجنوب الصحراء، ولذلك سيعرض له فيلم “قوري، جزيرة جدي” الذي قدمه سنة 1987 وهو وثائقي حول جزيرة “قوري” التي تقع في السينغال وله فيها الكثير من الأصدقاء والذكريات ولهذه الجزيرة خصوصية فهي إحدى المناطق التي خرج منها “آلاف العبيد”، وقبل هذا الفيلم عرض فيلمه القصير الحائز على التانيت الذهبي من أيام قرطاج السينمائية (1972) “قريتي قرية بين القرى”، ثم استقبل عددا من المتدخلين الذين قدموا شهادات مؤثرة حول الطيب الوحيشي، وصدقه، وصلابته، وقدرته اللامحدودة على العطاء والحب
وبكت شقيقته “عائشة” وهي تقرأ كلمة كتبها زوجها وقريبها “محمد فتحي الوحيشي” وقالت إنها تحبه كثيرا كما أحب هو الجميع
أما “لطفي العيوني” رفيق درب المخرج الراحل فتحدث عن لقائهما الأول سنة 1975 في مهرجان الفيلم العربي بباريس، ومنذ ذلك الوقت لم ينفصلا على المستوى الإنساني والمهني وقال “لطفي العيوني”: “رافقت الطيب في جميع أفلامه وفي كل مراحل حياته، وعرفته دائما إنسانا صادقا، لطيفا، اجتماعيا، يملك قدرة لا حدود لها على العطاء والحب لجميع أصدقائه، وأعترف أنني أفتقده كثيرا بعد مرور أربعين يوما على رحيله”
وقال “مابو كوياتي” ابن الممثل الكبير الراحل “سوتيغي كوياتي” وبطل فيلم “طفل الشمس” إنه التقى الطيب الوحيشي بعد سنة من وفاة والده، وأنه نسي الإحساس باليتم في وجوده، وأضاف “بفضل الطيب الوحيشي أشعر اليوم أني تونسي واكتشفت تونس والتونسيين من خلاله”
كما تحدث “نجيب عياد” عن صداقته بالطيب الوحيشي التي تعود إلى أوائل السبعينات وقال إنه إنسان لا تستطيع إلا أن تحبه، وهو رمز للشجاعة، وأكد “خالد البرصاوي” أن الراحل كان مذهلا في طاقته، يقضي في البلاطو ما يزيد عن اثني عشرة سنة وهو على كرسي متحرك وأضاف “أعترف أني تعلمت الكثير من شجاعته”، واعتبر “الحبيب جغام” أن الراحل كان صادقا في ما يقدم وهذا أكثر ما كان يميزه
ليت “الطيب الوحيشي” كان بيننا لينصت إلى كل الكلام الذي قيل فيه، وليت قاعة “الطاهر شريعة” ازدحمت أكثر بصناع السينما وفاء له واحتفاء به
لحظات مؤثرة تواصلت بعرض فيلمه الوثائقي القصير “قريتي قرية بين القرى” الذي أخرجه وهو في الرابعة والعشرين من العمر، شابا وثيق الارتباط بمسقط رأسه “مارث”، مسكونا بهاجس شكل الحياة فيها ومفرداتها فقدم فيلما وثائقيا حولها أعادنا جميعا إلى تونس السبعينات والظروف الاقتصادية الصعبة التي دفعت شباب المنطقة إلى الهجرة بحثا عن آفاق أوسع، وبعد هذا الفيلم مباشرة عرض فيلم آخر هو “قوري، قرية جدي” عن القرية السينغالية “قوري” وأنتجه سنة 1987
*كوثر