يزّي من منّي تقرع ، بقلم نادر الحمّامي
نعم، تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة منقوص، نعم هو مسبوق بكثير من التأصيل يبلغ حدّ اللاتاريخيّة، ونعم أيضا فيه الكثير من مواطن التوفيق التي تبلغ التلفيق، ونعم فيه تداخل مفهومي، وليكن أبضا تقريرا يلبّي رغبة سياسيّة، كلّ هذا وغيره مهمّ ولكنّه ليس الأهمّ، الأهمّ الآن هو ما جاء في فصوله من خطوات إيجابيّة ينبغي الدفاع عنها والسعي إلى إخراجها من حيّز التقرير إلى المصادقة القانونيّة وتفعيلها. هذا التقرير سيبقى حبرا على ورق ما لم يصادق عليه، والمصادقة تفرض موازين القوى السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة فرضا، معارضته الآن من أجل المعارضة، وانطلاقا من مقولة “منّي تقرع” لن تفيد شيئا بالنسبة إلى من يدعو إلى القيم الحداثيّة الكونيّة وسط هيمنة سياسيّة لإسلام سياسي وفي مجتمع محافظ. إلغاء عقوبة الإعدام دون قيد أو شرط هذا ليس أمرا هيّنا (الفصل17)، أن يكون الفصل 28 على هذا النحو: “كلّ إنسان حرّ في جسده” ليس أمرا بسيطا، كذلك الفصل 46 وما جاء فيه في ما يتعلّق بمعاملة الموقوف تحفّظيا أمر مهمّ جدّا، واقرؤوا الفصل 50 فهو أهمّ من الفصل السادس من الدستور: “حريّة المعتقد والضمير هي حريّة الإنسان في أن يدين بدين ما أو أن لا يدين، وحريّته في اعتناق أيّ دين أو معتقد يختاره، وحريّته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملإ أو على حدة” وهو فصل مسبوق بتحجير التكفير دون قيد أو شرط . وانظروا أيضا البابين 7 و8 وهما يتعلقان بالحياة الخاصّة والمعطيات الشخصيّة فذلك مما يجدر الانتباه إليه. الفصل 78 واضح مباشر يقتصر على لفظتين: “الفنون حرّة” وتفصل الحريّة في الفصل 79: “يحجّر على أيّ كان، أفرادا وجماعات، التعرّض لحريّة الفنون وتقييدها وتعطيلها وإبطالها بأيّ شكل وتحت أيّ عنوان سياسيّا كان أو إيديولوجيّا أو أخلاقيّا أو دينيّا”. أو ليس هذا ما ينبغي دعمه وبكل قوّة. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى البحث العلمي فهو حرّ ويحجّر في شأن ما تمّ تحجيره بالنسبة إلى الفنون وهذا في الفصل 84. وفي التقرير أيضا في جزئه الثاني المتعلّق بالمساواة وفي قسمه الأوّل إلغاء لكلّ أشكال التمييز في الجنسيّة بين الرجل والمرأة يلي ذلك قسم ثان يلغي كلّ أشكال التمييز في العلاقات الأسريّة، ويختم التقرير بالمساواة في المواريث بعد حذف الفصل 152 البائس من مجلة الأحوال الشخصيّة.
وعلى هذا وغيره، ينبغي أن نعي أنّنا سندخل فترة حاسمة على المؤمنين بقيمة الإنسان وحقوقه وحريّاته الفرديّة أن نضغط لدخول فصول التقرير مرحلة المصادقة القانونيّة عوضا عن “منّي تقرع” و”أنا الكلّ” و”الكلّ أو لا شيء” و”تقرير خاضع لرغبة سياسيّة”، وليكن منسوبا إلى الباجي أو غيره، فليكن كذلك وأكثر، وليكن بابا لدخول التاريخ أما أعضاء لجنته فيحقق بعض رغباتهم الشخصيّة، ولتكن كل أنوات العالم فيه، المهمّ أنّه يمهّد طريقا إلى الحريّة الفرديّة لأبنائنا، ولنكن متأكدين أنه سيجد من المعارضة الشرسة من القوى، المحافظة في الداخل والخارج، ما لا قبل لنا به، فلا فائدة في الانضمام بـ “صحّة الراس” إلى القوى المحافظة دون أن نشعر.