محمد بوغلاّب يكتب: أمير كوستوريكا في مهرجان الحمامات الدولي: هل هو فنان استثنائي أو مجرم حرب؟
إنتشرت على صفحات الفيسبوك دعوة وزارة الثقافة إلى إلغاء برمجة الفنان الصربي أمير كوستوريكا في مهرجان الحمامات الدولي حيث يفترض ان يقدم حفلين موسيقيين ، وتناقلت التدوينات على اختلافها اتهام كوستوريكا بأنه كان مجرم حرب خلال الحرب العرقية التي عصفت بيوغسلافيا مطلع التسعينات والتي أباد فيها الصرب الاف المسلمين البوسنة .
بطبيعة الحال، كل التوابل الضرورية لقصة تصنع الحدث متوفرة ، لا ينقص سوى شيء من الشطح والردح ، قليل من الحطب، وصلة من الشحن واللعب على العواطف وابتزاز المشاعر وتغييب لأداة منحها لنا الله هي العقل لنفكر ونفهم .
لنضع أرجلنا على الارض ونحاول فهم القصة إذن ، من هو أمير كوستوريكا ؟
هو من مواليد سراييفو، ينتمي إلى دائرة ضيقة من المخرجين الذين فازوا بجائزة السعفة الذهبية -وهي أكبر جوائز مهرجان كان – عن أفضل فيلم مرتين, عن “حينما ذهب والدي للعمل” عام 1985 و”تحت الأرض” عام 1995، وكان قد سبق له عام 1981 , ان مر بالبندقية مرورا عابرا لاستلام الاسد الذهبي عن فيلمه ” هل تذكر دوللي بيل ؟” Do You Remember Dolly Bell وفي عام 1988 حصل على جائزة أفضل اخراج من مهرجان كان عن فيلمه (زمن الغجر) Time of the Gypsies وقد رشح الفيلم ايضاً لجائزة السيزار الفرنسية, وفي عام 1993 حصل على جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين السينمائي عن فيلمه (حلم اريزونا) Arizona Dreams وفي عام 1995 حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه (تحت الأرض) Underground, وفي عام 1998 حصل على الاسد الفضي كأفضل مخرج من مهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلم (قط أسود قط أبيض) .
لنعد إلى مهرجان الحمامات فقد برمج أمير كوستوركا في حفل أول بتاريخ 1 أوت2009 أي قبل تسع سنوات، الحقيقة لا أذكر أني قرأت سطرا واحدا أيامها يتهم كوستوريكا بأنه مجرم حرب، حتى الذين انتصبوا اليوم مدافعين عن الدم المسلم المراق لم ينطقوا بحرف، بعضهم كان في مواقع القرار ….كيف لهم ان ينتبهوا إلى كوستوريكا وضريبة البقاء في مواقعهم هي”سكر فمك وغمض عينيك”
حين تبحث على صفحات النات لن تجد ما يدين أمير كوستوريكا ، فللزمن فعله حتى على النات والذاكرة أنتقائية ، ولكن بقليل من البحث نجد ما يلي:
اولا: السيد مولود في البوسنة لكنه عندما خير انحاز لديانته بإعتباره اورتودكسيا وتجنس بالجنسية الصربية
ثانيا: خلال الحرب العرقية وحكم مجرم الحرب ميلوزيفيتش لم يصدر عن امير كوستوركا وقد كان في قمة مجده السينمائي اي تصريح يدين الجرائم المقترفة في البوسنة والهرسك
ثالثا: فيلمه الشهير”تحت الارض” ممول جزئيا من التلفزيون الصربي واستخدم بعض الاسلحة الصربية في التصوير ، ووقتها قال البعض أن الفيلم برأ الصرب من جرائم الحرب ، وجهة نظر فيها وعليها
الخلاصة: كنا كعرب ومسلمين نتمنى لو أختار كوستوريكا الجنسية البوسنية وربما كنا أحببناه أكثر لو هاجم ميلوزيفيتش ، ولو صرح بأنه يحب فلسطين وحج إلى البقاع المقدسة لكنا نصبنا له الولائم ولكنه لم يفعل ، فعلام نحاسبه ؟
هل نحاسبه على قتل أو اغتصاب؟
هل أنجز أفلاما دعائية لفائدة مجرمي الحرب ؟
لا نحن نحاسبه على ما لم يقم به وكنا نتمنى أن يفعله
نحاسبه لانه لم يفعل اشياء كنا نحب ان يفعلها؟
وماذا فعلنا نحن لنصرة المسلمين في البوسنة ؟
لاشيء…
اه تذكرت غنى لهم لطفي بوشناق اغنية”سراييفو”…
لنكف عن الكذب على انفسنا، نريد ثقافة حرة ومعها وزارة ستالينية تكتم انفاس المبرمجين ؟
مهرجان الحمامات برمج كوستوريكا فمن شاء حضر ومن لم يشأ فليتدبر أمره
لماذا هذا الشحن ؟ مرة على الفلسطيني الكبير محمد بكري واتهامه بالصهيونية عن جهل وقبله “هججنا” أيلي سليمان الذي أقسم أن لا يعود إلى هذه البلاد التي أتهتمته بالتطبيع، وقبل عام قامت الدنيا ولم تقعد على ميشال بوجناح وقبل أيام حملة على كاظم الساهر بسبب ارتفاع الكاشي وهذه المرة حملة ضد أمير كوستوركيكا
هل هذه هي تونس؟
فلنغلق البلد على انفسنا لا نغادره ولا نستقبل أحدا ، صدق حسين القهواجي رحمه الله في قوله”خربت القيروان بعد أن بتنا عربانا بمفردنا”
نحن اليوم على هذه الصورة، لا نحب أحدا ولا نطيق زائرا ونحكم على جميع الملل والنحل ونقيم الشعوب والثقافات ونحن حاشاكم في”الخرا للعنكوش”
فلنواصل على هذا الدرب إذن …
لم يدع كوستوريكا يوما أنه بطل أو انه الام تيريزا …. هو فنان استثنائي ، ليس أكثر ولكننا مصرون على الحفر ، بلغنا القاع ومازلنا نحفر …اخشى ان ندفن انفسنا دون وعي منا ….فلن نجد حتى غريبا يقرأ علينا الفاتحة فحتى نبيل معلول أنتدبه بلده الثاني بعد أن استخار المولى عز وجل …