تونس .. عندما يشرّحُ البرلمان أزمة الحكم تحت شعار “عَايِرني بْعارك، يا مْبارك”
*بقلم الصحفي نصر الدين اللواتي
لم يكتفي عددٌ من النواب بإجهاد أنفسهم لإظهار الحماس أمام رئيس الحكومة – في الواقع كانوا يجهدون أنفسهم أمام كاميرات البث المباشر – وهم “يكشفون” عن فشل الحكومة في تحقيق وعودها، وإخفاق رئيسها و وزرائها في إدارة المؤسسات، بل بلغت بهم الفصاحة حدّ معايرة يوسف الشاهد بأن التونسيين في عهده افتقدوا الدواء، وانقطع عنهم الماء والكهرباء، وبعض النواب تحمس أكثر فزاد “للائحة العار” سِجلّ البطالة ومشاريع التنمية المبدّدة وآلاف الأصفار في الامتحانات الوطنية.
ورغم أن هذا العار ثابتٌ ماثلٌ للعيان في ساحات السياسة التونسية وشوارعها الخلفية ومستنقعاتها، و رغم أن الفشل يوميٌ وحقيقيّ كمطرقة تنهال كل لحظة على الرؤوس، إلاّ أن القصة لا يمكن أن تستقيم على هذا النحو.
إنّ العارَ مسارٌ وليس لحظةً تنبعُ فجأة، ومن حولوا السياسة في هذه السنوات التونسية إلى مجموعة من الفخاخ المنصوبة لبعضهم البعض – في كنف الدستور- هنا وهناك بين الوزارات والإدارات والمصالح العمومية من الصحة للتعليم فالتجهيز والعقار ، ومن ابتكروا حيلاً تلو الحيل وقفزوا من فضيحة لأخرى عبر السمسرة بالمناصب والمواقع وتصفية حساباتهم أو تبادل المنافع ومن حطموا بطمعهم وانتهازيتهم أضلاع القانون والقيم والسيادة..
أولئك الذين جعلوا أولويتهم اختطاف أي شيئ قابل للاختطاف في هذا البلد وحوّلوا أحزابهم طيلة سنوات لطاولات بوكر سياسيّ، يقامرون عليها بالمصائر والمناصب وهم يسخرون في سرّهم من مجرّد فكرة الوطن..
و الذين استثمروا في ابتذال السياسة فمنحوا غطاءً للمافيات ولاعبوا الفساد بمختلف أشكاله: أولائك هم الذين يقفون اليوم ليُعايروا يوسف الشاهد بالفشل، في حين هم أنفسهم من يستحقون لقب عرّابي العار العمومي.
مهما كان الشاهد وحكومته مُدانين بعارِ اختفاء عشرات الأدوية من الصيدليات والمستشفيات ومخاطر انهيار الصناديق الاجتماعية وتعثر المشاريع وتردي الخدمات والمرافق وانتشار الرداءة .. فكل تلك الإخفاقات إنما تحمل في أصلها بصمات طبقة سياسية كاملة وتهافتها طيلة سنوات، وشهوتها للفشل، وربما كان يكفي أن يختصر رئيس الحكومة ردّه على بعض النواب بقوله على لسان المثل الشعبي “عيّرني بعارك يا مبارك” .
وبمناسبة التدنّي العامّ في الخطاب السياسي ودلالاته فلم أر حرجا من استخدام هذا المثل، و لا أعتقد أن مبارك – الذي لا يعرفه أحد ، وقد خلّدته الأمثال الشعبية كنموذج للعار- هو أقل قيمةً وأدنى مستوى من سياسيين يعرفهم الجميع وتغرفُ وسائل الإعلام يوميّا من عارهم الذي لم يتحول لا بطولة ولا أمثولةً شعبية بل عنواناً لسيرةٍ يَجِبُ أن نتضرع للآلهة ونصلي لكي تختفي يومًا ما كأنها لم تكن فيبتلعها التاريخ أو القدر أو الصدفة أو النسيان فلم يعُد ربما من خلاص إلا في النسيان.