حفل جوليا بطرس وكل هذا الابتذال
مقال لربيع عيد من موقع غرب48
الأمر الطبيعي هو أن من يرغب بحضور حفل لجوليا بطرس أن يذهب ويشاهدها، هذا حقه، لكن دون أن يحمّلنا معها شعارات عن التواصل مع العالم العربي والمقاومة، وكل هذ الابتذال في الكلام والشعارات.
الاحتفاء بأن الآلاف من الفلسطينيين في أراضي الـ48 سافروا يوم الجمعة الأخير إلى عمّان لحضور حفلة جوليا بطرس، جلّهم من جيل الشباب، لا يقول أن هذا أمر مُبشّر بأمل جديد في هذا الجيل في مواجهة الأسرلة كما يرى البعض. ليست المشاركة الواسعة في حفل غنائي لبطرس معيارًا لقياس ذلك، خصوصًا عندما يبدأ توصيفها بسيّدة الغناء المقاوم وغيرها من الشعارات، التي تفتح قضايا وأسئلة لا يمكن السكوت عنها أو التسامح معها في الظروف السياسيّة الراهنة.
مثّلت جوليا بطرس وغيرها من فنانين عرب، حالة متميّزة عند جيل كامل من الشباب العربي، خصوصًا لما تقدّمه من أغنية سياسيّة. فإلى جانب تقديمها الأغاني التي تتناول العلاقات العاطفيّة بطريقة مخلتفة عن الأغنية العاطفيّة الاستهلاكيّة السائدة، أدمجت فيها مسائل اجتماعيّة؛ قدّمت بطرس الأغنية السياسيّة التي ألهبت مشاعر الملايين عندما سألت “الشعب العربي وين؟”، وغيرها من الأغاني عن الصمود والمقاومة والحريّة.
كان ذلك قبل العام 2011 في مرحلة بحث فيها جيل كامل من المحيط للخليج عن أحلامه في أي شيء من ضمنها الأغنية السياسيّة؛ وعندما انفجر هذا الجيل وخرج وقال “نحن الثورة والغضب” ونزل إلى الميادين في مظاهرات شعبيّة لتغيير واقع الاستبداد الذي يحكمه، تنكّر له العديد من المثقفين والفنانين منهم جوليا بطرس، التي تحوّلت إحدى تصريحاتها المشككة بالثورات العرييّة “وين هو الربيع العربي…؟” إلى بوق دعائي تستعمله قناة “الميادين” كفاصل بين برامجها الإخباريّة، وقالت في مقابلة أخرى مع القناة نفسها أنه “اخترعولنا الربيع العربي ليلهونا عن القضية الفلسطينيّة”.
تُحيي جوليا بطرس فلسطين والفلسطينيين في حفلاتها ويُصفّق الجمهور. يتحوّل الفلسطيني إلى “فيتش” صنمي يُستعمل للتحية والبكاء والغناء له وعن صموده ومقاومته. لكن عندما نفتش عن موقف لبطرس حول الفلسطيني اللاجئ في سورية والمحاصر والمعتقل لدى النظام السوري، فلا نجد أن هناك أي ذكر للفلسطينيين؛ هم بنظرها فقط من يموتون بقصف الطائرات الصهيونيّة في غزّة والصامدون في أرضهم في الناصرة وحيفا. لا وجود، بحسب هذا المنطق والتحيّات والبكائيّات، لفلسطينيين صامدين في ظروف صعبة داخل المخيّمات اللجوء في بلدها لبنان، ولا يوجد تضامن معهم ضد ما تفرضه الدولة اللبنانيّة من قيود على التنقل أو المنع من مزاولة عشرات المهن لهم والعنصريّة بحقّهم. بحسب من اختار الوقوف مع ما يُسمى محور المقاومة؛ الفلسطيني هو من يصمد أو يقاوم في فلسطين؛ أمّا الفلسطيني في سورية النظام فهو إرهابي وفي لبنان سُنّي.
بعد كل الجدل الحاصل حول حفلتها لنقل الأمور بوضوح؛ لم يخرج الآلاف من الفلسطينيين في الداخل لحفل جوليا بطرس في عمّان من منطلقات ثوريّة وسياسيّة، كما يجري الآن إسقاط هذه الأجواء والتوصيفات على الحفل. معظم الناس ذهبوا للحفل بهدف الترفيه وليس انتصارًا لمحور ضد محور، وإنما لأن إمكانياتهم ووقتهم سمحت لهم بالسفر. لو أن الآلاف قطعوا الحدود ليستمعوا لـ”سيّدة الغناء المقاوم” من منطلقات ثوريّة كما يحاول البعض تحميل المشاركين، لرأينا هذه الألوف شاركت في مظاهرات غزّة الأخيرة في الداخل؛ لكن لم نرَ ذلك وهذا ما يستحق التفكير فيه.
هذا الكلام ليس عداءً لحق الناس بالفرح وأن تحضر حفلات غنائيّة لفنانين عرب؛ لكن ضد تحويل هذا الحق إلى مقولات سياسيّة ودعائية غير صحيحة وزج اسم فلسطين فيها، خصوصًا عند من يستخدم فلسطين كأيدولوجيا. الناس التي حضرت الحفل لا تعرف بمعظمها مواقف بطرس السياسيّة وكثير منها غير مسيّس. لذا لا يجوز تحميل مشاركتهم بالحفل أكثر مما يحتملون.
لا ننسى ذكر أن هذا التواصل مع العالم العربي و”سيّدة الغناء المقاوم” متاح للفلسطينيين في أراضي 48 بسبب اتّفاقيّة وادي عربة، أي أنك كفلسطيني تحمل المواطنة الإسرائيليّة لديك الإمكانيّة للذهاب لهذا الحفل وللسياحة بسبب اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، وهي إمكانية غير متاحة لكثير من الفلسطينيين، خصوصًا لمن يموتون بأيدي النظام السوري، والذي تُعتبر جوليا بطرس صديقة له وللمشاركين في جريمة قمع وقتل الشعب السوري، الذي يدفع ثمن خروجه عام 2011 قائلًا “أنا بتنفس حريّة” في المنافي والسجون والمقابر.