راشد الغنوشي يحتفل بالذكرى الخامسة للقاء الشيخين بباريس: متمسكون بالرئيس وبالشاهد ….
نشر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة تدوينة فيسبوكية اقرب ما يكون إلى المانيفاست السياسي حدد فيه مواقف حركة النهضة التي يمسك بزمام الامور فيها رغم الأصوات المعارضة له(عبد اللطيف المكي، محمد بن سالم…) في تقدير بعض الامور، وإغتنم الغنوشي الذكرى الخامسة للقائه بالباجي قائد السبسي ليذكر بتضحيات النهضة من أجل استقرار تونس ونجاح انتقالها الديمقراطي، ولكن الأهم هو تأكيد زعيم النهضة انه “شادد صحيح” في التوافق مادام قائد السبسي رئيسا للبلاد وبأن حكم تونس لا يكون فقط بنتائج الصندوق بل تحتاج المرحلة الى توازنات وتوافقات وغمز الغنوشي إلى يوسف الشاهد وحكومته بصرف النظر عن موعد 2019 لأن مهمة الشاهد الاساسية هي إدارة شؤون البلاد اليوم
لم يقلها صريحة مثل صراحته في التمسك بالتوافق والتمسك بالشاهد وحكومته ضد الرغبة الرئاسية الدفينة في الإطاحة برجل القصبة الذي إشتد ساعده سريعا في مواجهة من علمه الرماية، ولكنه غمز للشاهد وللرئيس ولكل الطبقة السياسية أن دعم النهضة للشاهد لن يمتد إلى موعد الانتخابات في العام القادم
تضمنت التدوينة أكثر من رسالة خطية و قالت الصورة المنتقاة مع البيان ما لم يقله النص”الباجي والغنوشي معا اليد في اليد إلى 2019 وربما إلى ما بعد ذلك التاريخ” ولعل مصلحة النهضة ورئيسها في استمرار قائد السبسي وتواصل سياسته
في ما يلي النص الكامل للمانيفاست السياسي لراشد الغنوشي في إحيائه لذكرى لقاء باريس
“حل اليوم 15 أوت 2018 الذكرى الخامسة للقاء باريس الذي جمعني بفخامة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي زعيم جبهة الإنقاذ وقتها، والذي كان منطلقا لمسار حمى البلاد بفضل الله سبحانه وتعالى من الفتنة والانقسام، وهيأ للثورة التونسية سبل النجاح لتواصل شق طريقها لطي صفحة الاستبداد والدكتاتورية بعد انهيار اغلب تجارب الربيع العربي.
كانت الأمور تسير نحو الفوضى التي لم يكن يفصلنا عنها سوى سلك رفيع يحول بين جمهور المعارضة المحتشد في ساحة البرلمان المعطل {اعتصام الرحيل}واعتصام {الشرعية} في نفس الساحة. وكان التحريض على أشده حتى تلحق تونس بركب الثورات المجهضة، وكانت التوقعات ان تحاول النهضةـ العمودي الفقري للترويكاـ استغلال الدولة لمصادمة معارضيها، وان يندفع النداء ـالقوة الاساسية في جبهة الإنقاذـ الى تأجيج الشارع لاستنساخ السيناريو المصري.
رغم ان كل أطياف المعارضة يميناً ويسارا قد تداعت على التسليم بسي الباجي زعيما لجبهة الإنقاذ رغم اختلافاتها الراديكالية معه، إلا أن سي الباجي أطل من شاشات التلفزة في مثل هذا الشهر من سنة 2013 مادا يده للحوار،فلم تتأخر استجابتي، وحتى من لامني وقتها على الذهاب الى باريس للقائه ، اجبته لو كان الذهاب الى قواتيمالا مفيدا لتونس في درء الفتنة المخيم شبحها على البلاد ما ترددت ، المهم المضمون لا الشكل، ان مصلحة الوطن مقدمة عندنا على كل مصلحة اخرى.
لم تكن المهمة سهلة بالنسبة للطرفين ، رغم أني كنت قبل اقل من أسبوعين قد خطبت في ساحة القصبة يوم 3 أوت 2013 في تلك الجموع الهادرة {قدرت بأكثر من ربع مليونا}كان المنتظر ربما من رئيس حركة النهضة خطابا حماسيا يرد على خطاب الكراهية والتحريض من الطرف الاخر ، وليس الدعوة الى الوحدة الوطنية والمصالحة بين التونسيين.
كان موقفي نابعا من من ان تلك الجماهير الهادرة في القصبة أو المتواجدة في ساحة باردو تنتظر من قادتها وزعمائها شيئا اخر غير لغة الحقد والتحريض، غير الاستسلام للأمر الواقع وقتها وهو الانجرار وراء الفتنة والانقسام وفض الخلاف بالقوة لا بالعقل والحوار.
جماهيرنا كانت تحتاج دعوة الى العيش المشترك ونكران الذات وتقديم مصلحة الوطن على الأحزاب والكيانات والافراد والتأسيس لقيم التصالح والسماحة والتوافق والوحدة الوطنية والقبول بالاخر وملاحقة فكر الاستئصال والاقصاء والتطرف الخطر الأعظم على الثورة بالامس واليوم وغدا
لقاء باريس الذي هيأ الظروف لمسار كامل من التوافق السياسي والمجتمعي فتح الأبواب امام الاستجابة الشاملة لدعوة منظمات المجتمع المدني الى الحوار الوطني وهيأ لحزبي النهضة والنداء سبل النجاح في قيادة الحياة السياسية نحو التهدئة بوجود حزبين كبيرين لهما قدرة على تأطير الشارع وإحلال التوازن الذي اختل بعد انتخابات أكتوبر 2011.
خرجنا والحمد لله من الأزمة بعد توافق، لم يكن صفقة انتهازية أو خيارا تكتيكيا أو مناورة ظرفية. النهضة خرجت من الحكم ولكنها لم تخرج من السياسة، لم تنقذ نفسها وحسب من محرقة كانت تعد بل انقذت بانسحابها من السلطة الثورة من الارتداد ، انقذت ما غدا يعرف بالنموذج التونسي والاستثناء التونسي : واحة للحرية والديمقراطية وسط فضاء عربي ضربه إعصار مدمر . لم يعد يسيرا بعدها ترداد: ان كانت كل الشعارات المرفوعة وقتها بأن الديمقراطية هي بالنسبة النهضويين مجرد سلم للوصول الى السلطة واحتكارها الى ما لا نهاية له.
اما النداء فقد أعطى بتلك الخطوة التاريخية من زعيمه ومؤسسه طابعا جديدا للمعارضة في عصر الديمقراطية وهي انها فعل بناء وإيجابي يرفض العدمية والتطرف والخيارات القصووية.
وإني أؤكد هاهنا :
أولا : الالتزام التام بخيار التوافق مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي واعتباره الإطار الأمثل للحوار حول كل القضايا للوصول الى حلول وبدائل وتوافقات ، بعيدا عن منطق الغلبة وفرض الرأي ، وهو المنهج الذي توافقنا عليه في باريس وتوقفنا بعون الله وحمده الى الحفاظ عليه.
ثانيا : ان التوافق أرضية خصبة لكل حوار جدي بين مكونات المجتمع وهو خيار استراتيجي لحركة النهضة وهو ما ظهر جليا في موقفنا من الدستور الذي راهنا على ان يكون موحدا لا مقسما أو مفرقا وكانت جلسة المصادقة عليه عرسا وطنيا خالدا والحمد لله . ومن المنطلق ذاته ندعو الى تبني نفس استراتيجية الحوار والبحث عن افق معالجة المستجدات والنأي بالمجموعة الوطنية عن كل ما من شأنه احلال الفرقة والتطاحن والتباغض. وفِي هذا السياق نؤكد اننا سنتفاعل مع مبادرة رئيس الدولة حول الإرث حين تقدم رسميا الى البرلمان، بما تقتضيه من الحوار والنقاش للوصول الى الصياغة التي تحقق المقصد من الاجتهاد وتجعل من تفاعل النص مع الواقع أداة نهوض وتجديد وتقدم لا جدلا مقيتا يفرق ولا يجمع، ويفوت على التونسيين والتونسيات المزيد من فرص التضامن والتآلف، وتساعدنا جميعا على المضي قدما في تحقيق ازدهار المرأة التونسية. وهذه مناسبة أنوه فيها بانتخاب الأخت سعاد عبد الرحيم أول رئيسة لبلدية تونس كما أهنئ كل من حظين بهذا الشرف في البلديات الاخرى سواء من المترشحات على قائمات النهضة{اكثر من أربعين سيدة}أو القائمات الاخرى.
ثالثا : أن دعوتنا الى الاستقرار الحكومي لم تكن متعارضة مع خيار التوافق مع رئيس الجمهورية أو بحثا عن أُطر بديلة عنه بل تقديرا للمصلحة الوطنية . فلم يكن من الممكن تغيير حكومة في ذروة الانتخابات البلدية وقبل ان تستلم المجالس المنتخبة مسؤوليتها، ولا في ذروة الحوار مع المؤسسات الدولية المانحة، ولا في ذروة الموسم السياحي في ظل تهديدات ارهابية لا مجال لمواجهتها بحكومة تصريف اعمال، ولا قبل فترة قصيرة من الأجل الدستوري لإيداع قانون المالية القادم في مجلس نواب الشعب.
ومن هذا المنطلق فإننا نجدد دعوة كل الأطراف الى معالجة الاختلافات حول هذا الموضوع في إطار الحوار والبحث عن الحلول المعقولة سياسيا والمقبولة دستوريا في كنف الاحترام الكامل للمؤسسات، والنأي بوطننا عن كل ما من شأنه ان يعيق مسار انتقاله الديمقراطي ونحن على مشارف سنة انتخابية هامة، وفِي ظل وضع اجتماعي واقتصادي يحتاج حوكمة رشيدة وعادلة ومستقرة وناجعة في معالجة مشاكل الناس قبل تحولها إلى أزمات مستفحلة، وفِي مواجهة ارهاب متربص يرى تونس باعتبارها نموذجا للتعايش بين الاسلام والديمقراطية خطرا على استراتيجيته التكفيرية الاجرامية الشريرة. الذي نؤكده انفتاحنا على كل الحلول عبر الحوار الجاد بحثا عن التوافقات الضرورية
رابعا : أن التنافس الحر هو من صميم الديمقراطية وان الطموح الشخصي للوصول الى الحكم عبر الصندوق حق دستوري لا يمكن المساس به أو إدانته، ولكن وكما قلنا سابقا فان الديمقراطية الناشئة لها مقتضياتها .فتونس لا يمكن ان تُحكم في تقديرنا بمنطق الأغلبية والأقلية وأن نتيجة الصندوق لا يجب ان تتنافى مع ضرورة الحفاظ على إمكانية التوافق على منظومة حكم مستقرة. ولنا في النموذج الألماني خير مثال وحافز. ومن منطلق خصوصية التجربة فإننا نجدد التأكيد على أن مواجهة تحديات المرحلة القادمة تقتضي تفرغ الحكومة لمهمتها في التنمية ومحاربة الفساد بعيدا عن التجاذبات الانتخابية والحزبية
خامسا : إدانة حملات التشويه التي تدار بطريقة منهجية عبر ترويج الاكاذيب وبث الفتن والتحريض على الشخصيات السياسية والأحزاب ورموز الدولة وإطاراتها بما قد يعكس لدى البعض رغبة في العودة الى اجواء الاحتقان والتشنج. وإننا اذ ندين بكل شدة ما تعرض له بالخصوص رئيس الدولة من ثلب وتهجم فإننا ندعو أجهزة الدولة الى التحرك ضمن القانون لضرب العابثين بالشبكات الاجتماعية، كما ندعو وسائل الإعلام الى الانخراط في ميثاق وطني ضد العنف اللفظي وثقافة التشويه ونشر الأخبار الزائفة حتى تبقى حرية التعبير التي أهدتها الثورة لتونس عنوانا من عناوين الحرية والديمقراطية لا سببا للفوضى والتشرذم.
سادسا : أن التوافق السياسي لا ينفصل عن التوافق الاجتماعي والمجتمعي وأننا نجدد الدعوة الى اعادة الاعتبار لثقافة العمل والإنتاج والمبادرة باعتباره السبيل لتنمية الثروة الوطنية والتقليص من الحاجة الى التداين . وإذ نعبر عن دعمنا الكامل لكل ما من شانه تحسين المقدرة الشرائية للإجراء في تناسب مع إمكانيات الدولة والقطاع الخاص، فإننا ندعو كل الأطراف الى دعم المؤسسة الاقتصادية وبذل الحوافز للمستثمرين التونسيين والأجانب لتشجيعهم على احداث المشاريع وخلق مواطن الشغل وخاصة للشباب وأبناء المناطق الداخلية وازالة كل معوقات الاستثمار، ولا سيما ما يتصل بمنظومة التشريع وخاصة في مجال حرية الصرف وإزاحة القيود والعراقيل التي تكبل العملاق التونسي المتحفز للانطلاق