المنذر بلحاج علي ليوسف الشاهد: التحوير الوزاري ليس من صلاحياتك
توجّه عضو مجلس نوّاب الشعب المنذر الحاج علي برسالة إلى رئيس الحكومة يدعوه فيها إلى احترام أحكام دستور 27 جانفي 2014 فيما يخصّ التحوير الوزاري المزمع إجراؤه، منبّها إلى عدد من الإخلالات التي يتعيّن تفاديها.
واعتبر المنذر الحاج علي وهو أستاذ في القانون الدستوري ما ورد في الرسالة مساهمة متواضعة منه في “تقويم الأوضاع وإصلاحها وفي النّأي ببلادنا عن الأزمة السياسية والمغامرات غير محمودة العواقب وفي إرجاع تونس إلى سالف بريقها“.
السيد يوسف الشاهد،
رئيس الحكومة،
دام حرصه،
رئاسة الحكومة، قصر القصبة، تونس،
السيد رئيس الحكومة،
سلاما واحتراما،
يطيب لي أن أتقدم إليكم بأخلص التهاني بمناسبة افتتاح أشغال الدورة النيابية الخامسة للمدّة النيابية الأولى لمجلس نوّاب الشعب متمنيا لكم ولباقي الزميلات والزملاء والسيّدات والسّادة أعضاء الحكومة التوفيق في مهامّنا جميعا راجيا من الله عزّ وجلّ أن تكون هذه الدّورة سنة تجاوز تونس لأزمتها السياسية وإنهاء انتقالها الديمقراطي وبداية إقلاعها التنموي ورفاهها الاجتماعي.
وفي تقديري لن تبلغ بلادنا تلك المراتب وتجسّد تلك الآمال والأحلام دون تعاون إيجابي وهادف بين السلط لا على باب التنافر مثلما يحصل هذه الأيّام. تلك إحدى الشروط الضرورية لذلك الإنجاز.
السيد رئيس الحكومة،
نحن لا زلنا في بدايات المسيرة الدستورية الجديدة التي انطلقت يوم 27 جانفي 2014 باعتماد رابع دستور في تاريخ بلادنا، القديم منها والحديث على حدّ السواء.
إنّ دستور 27 جانفي 2014 ولد من رحم الثورة ومن أحلام شبابها ونسائها وجهاتها كنتيجة تاريخية لتراكم أزمات دستور غرّة جوان 1959 وتعطّل آليّاته في استيعاب عديد الأزمات السياسية من جهة والتّوق نحو الأرحب من جهة أخرى. وعلينا تفادي نفس المآل في الجهة الأولى والكدّ من أجل تحقيق الثانية.
إنّنا لا زلنا في بداية تجربة فهم واستيعاب الدستور وعلينا جميعا ودون استثناء احترام ضوابطه.
لن يكون بالإمكان بناء الديمقراطية وترسيخ الجمهورية الثانية دون إثبات القدرة الفائقة على احترام للدستور وللمؤسّسات التي أنشأها وترك ما نقوم به رصيدا للأجيال القادمة ونبراسا ينير لهم السبيل أسوة بما أنجزته أعتى الديمقراطيّات وأكثرها استقرارا لصالح شعوبها ورقيّها.
ومن حق شعبنا التونسي أن يرنو إلى كلّ ذلك.
علينا تطبيق الدستور بحذر ورجاحة ونجاعة بطريقة تؤدّي إلى استقرار التأوّل الدستوري وبتجنيب بلادنا الدخول في متاهات نحن والأجيال القادمة في غنى عنها. هكذا تبنى الدّول.
السيد رئيس الحكومة،
أكتب إليكم، من أجل ما سبق الإلماح إليه وما سيأتي بيانه، في يوم تبليغنا من حكومتكم مشروع قانون المالية لسنة 2019 والذي يوافق الذكرى الخالدة للجلاء.
تعيش دولتنا، ونحن على أعتاب دورة نيابية جديدة، ضائقة مالية تدوم منذ بضع سنوات تكشفها معانات العودة للتوازنات المالية وانفلات مؤشّرات الدين العمومي وصعوبة تمويل الميزانية العامة للدّولة في ظروف طيّبة وانهيار سعر صرف عملتنا الوطنية وتدحرج تصنيفنا لدى وكالات التصنيف السيادي.
وتتحمّل أيضا بلادنا انكماشا اقتصاديا يؤكّده انكفاء الاستثمار وتقلّص قدرتنا الوطنية على خلق مواطن شغل وموارد رزق لأبنائنا وبناتنا في كلّ جهات الجمهورية.
كما يصابر شعبنا في الأثناء على تراجع اجتماعي يفضحه غلوّ المعيشة ويفشيه انحسار الطبقة الوسطى ويجاهر به تعاظم الفقر عبر مؤشّراته الجديّة.
كما أدّى هذا الوضع وتعقيداته و ضغوطاته إلى توتّر غير محمود في العلاقات الاجتماعية يُذَكِّرُ، لا محالة، بأزمات سابقة ووخيمة العواقب بالنّظر إلى تاريخ بلادنا الحديث.
آن الأوان للتفكير الجدّي في تجاوز العقد الاجتماعي الحالي إلى إطار أرحب ونحت معالم علاقات اجتماعية مختلفة تؤمّن تقشّع السحب نهائيا على بلادنا بعد تلبّدها والانصراف الكلي إلى العمل.
ومن الطبيعي أن يتصدّر هذا المشهد الجدل الحاصل حول الأوضاع السيّئة والنتائج السلبية ما ولّد شعورا بالأزمة السياسية وتلاسنا حول تسبّب حكومة “الوحدة الوطنية” في ذلك.
السيد رئيس الحكومة،
ولدت حكومة “الوحدة الوطنية” من رحم الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية وأدّى إلى وثيقة قرطاج الأولى التي بلغ الانضمام إليها في نهاية الأمر تسعة أحزاب سياسية وأربعة منظمات وطنية. وكان ذلك، في مرحلة ما بعد الانتخابات، بمثابة الشرعية السياسية الجديدة التي أكسبت حكومة 26 أوت 2016 حزاما سياسيّا لا يستهان به وتأسيسا على ذلك دعما برلمانيا مرموقا.
ونتيجة للسياسات المتّبعة، المتواصل منها والمتراكم على حدّ السّواء والمستحدث منها بالأساس، فقدت حكومة “الوحدة الوطنية” مساندة أغلب الأحزاب والمنظمات التي عملت ووافقت على تكوينها بعد اقتراح رئيس الجمهورية المتعلق برئاستها.
علينا أن نعاين اليوم أنّ، أغلب الأحزاب انسحبت، بطريقة أو بأخرى، من الحوار كإطار سياسي أنتج وثيقة قرطاج 1 والحوار الناتج عنها في إطار محطات مختلفة و تعقيدات لافتة انتهت بتعليق رئيس الجمهورية للشوط الثاني من الحوار الذي عرف بقرطاج 2.
لقد غادر الحزب الجمهوري وحركة آفاق تونس وحركة مشروع تونس وحركة الشعب و الاتحاد الوطني الحرّ.
كما اتخذ حزب المسار موقفا سلبيّا من مساندة حكومة “الوحدة الوطنية” بعد إبعاد أمينه العام عن قيادة الحزب نظرا لوضعه الحكومي ولم يتبقى لحزب المبادرة في الأثناء من مُمَثِّلٍ في مجلس نوّاب الشعب.
وأخيرا سحبت حركة نداء تونس، بتشكيلتها قبل الأخيرة، مساندتها لحكومة “الوحدة الوطنية”.ولم يبق، في نهاية الأمر، من مساند حزبي لحكومة “الوحدة الوطنية” سوى حركة النهضة.
وللعلم فإنّ أطرافا سياسية أخرى كالجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي، ذكرا لا حصرا، لم تشارك أصلا في الحوار بمرحلتيه.
كما فقدت حكومة “الوحدة الوطنية” مساندة الاتحاد العام التونسي للشغل وأضحى موقف الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة والصناعات التقليدية غير متحمّس لها وارتفعت في الأثناء وتيرة التنسيق الإيجابي بين المنظمتين.
كما أصبح موقف اتحاد المرأة غير داعم لحكومة “الوحدة الوطنية” ولم يعد اتحاد الفلاحين يجاهر بمساندته لها. وتلاشى أيضا، نتيجة لهذه الوضعية، تصوّر الوحدة الوطنية كسند لمقترح رئيس الجمهورية المتعلق برئاسة الحكومة في صائفة 2016.
هكذا انفضّت العروة الوثقى حول حكومة “الوحدة الوطنية”، كما رسمتها وثيقة قرطاج، وتأكّد تأسيسا على ذلك فقدانها الشرعية السياسية.
لقد أنتجت السياسات التي أدّت إلى هذا الوضع، المعقّد أصلا، أزمة سياسية خانقة لا موجب لها خاصة في بلاد مطالبة بالإصلاحات المصيرية والذي يفترض أن تكون متعدّدة الأوجه ومحلّ اتفاق أغلبي في الساحة السياسية والمجتمع إذ بدا جليّا خلال هذه الفترة أنّ التوافق غير قادر على إنجاح البلاد في مجال الإصلاحات وإخراجها من الوضع الذي تردّت فيه.
فالتوافق لم يكن يوما وصفة سحرية بقدر ما كان اجتهادا. ومهما يكن من أمر، فالتوافق لم يعد يستجيب اليوم للمقتضيات والتحدّيات الوطنية. وأوّلها الإنقاذ الوطني.
إنّ مغادرة حركة النهضة التوافق بمحض إرادتها أفقده ما تبقّى من حجة تبدو موضوعيّة فتجلّى ثبوت وهنها ما رسّخ الضرورة السياسية القصوى للاستغناء عنه.
ومن نافلة القول أنّه ليس بالهين الاتفاق مع شركاء تونس الماليين والاقتصاديين في مثل هذه الظروف كما لا يتسنّى في إطارها تحديث المالية العمومية وتَعْسُرُ العودة إلى التوازنات المالية وطبعا لا تتيسّر كذلك الاستجابة للمطالب المشروعة وللأحلام التي راودت التونسيات والتونسيين وبصفة أخصّ الشباب والنساء والجهات زمن الثورة.
هذه مجالات التعبئة الحقيقية التي تنتظر الاستجابة لها منذ سنوات. إن الإجابة على أسئلة التوق الاجتماعي تمثّل سياديّا وسياسيا ومجتمعيّا المهمّة الأجلّ.
نحن اليوم بعيدون كلّ البعد عن تصوّر عصري للمالية العمومية وعن رؤية تنموية بديلة وعن عقد اجتماعي مغاير. واستعصت تأسيسا على كلّ ذلك أغلب جهود مكافحة الآفات التي تنخر مجتمعنا.
ساد التوتّر السياسي والاجتماعي في بلادنا في ضلّ الضغوط المالية المتزايدة وانفضّت العروة الوثقى حول الحكومة ما أبرز أزمة سياسية خانقة لم يعد ينكرها عاقل وإشكالا للشرعية يكاد يكون وجوديّا.
وأضحى عدم الاستقرار في ظلّ هذه الأزمة السّمة الأساسية للتركيبة الحكومية وللساحة السياسية في ظلّ تفشّي ظاهرة عدم الاحترام للدستور وغياب تفعيل هادف لآليّاته.
وتجلى كلّ ذلك بوضوح، في الآونة الأخيرة، عبر تَغَيُّرِالخرائط والتحالفات الحزبية بشكل مستمر والكتل والجبهات البرلمانية بطريقة لافتة.
إنّ الأساسي والمحدّد في المجال هو الخروج من هذه الأزمة الخانقة بسلام وترك الظواهر، التي ليس لها ما يبرّرها، جانبا.
لن يكون ذلك ممكنا دون الرجوع للآليات الدستورية التي تمثّل مخارجا للأزمات السياسية.
لقد برزت كل هذه الظواهر وغيرها، في الآونة الأخيرة، على خلفية إمكانية طرح رئيس الحكومة تجديد الثقة في حكومته عبر التصويت بالأغلبية المطلقة للنوّاب طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 98 من الدستور أو حصول الحكومة على تجديد الثقة بالأغلبية المطلقة أيضا بناء على طلب من رئيس الجمهورية على أساس الفصل 99 من ذات الدستور.
إنّ أقلّ ما يقال في تلك الظواهر إنّها لا تحترم الدستور في جوّ ألقت الأزمة السياسية بضلالها عليه وساد التوتّر فأضحى الالتزام بالضوابط الدستورية مسألة لا نعيرها ما يكفي من التركيز.
إنّ المسألة الدستورية راسخة في تراثنا السياسي. ولنا في ذلك دروسٌ وعبرٌ علينا الانتباه لها والاستئناس بها ولا بأس من العودة للماضي للاستقراء والاستيعاب.
عرفت بلادنا في القدم دستور قرطاج الذي أشاد به أرسطو في كتابه “السياسة” واعتبره دستورا متوازنا. وانتفى هذا الدستور طبيعيا، على ما يبدو، إثر الهزيمة المأسوية لقرطاج في نهاية الحرب البونيقية الثالثة.
كما عرفت تونس بعد ذلك تجربة دستورية ثانية بسنّ أوّل دستور عربي سنة 1861. وتعطّلت آليّاته الأساسية نتيجة للخلاف بين “الوزارة” و”المجلس الأكبر” حول مضاعفة ضريبة “المجبى” وخطورة استسهال اللجوء إلى الاقتراض الدولي ما أدّى إلى ثورة علي بن غذاهم وما بعدها.
عُلِّقَ دستور 1861 بعد ثلاث سنوات من اعتماده وانتهى العمل به عمليّا إبّان انتصاب نظام الحماية الفرنسية سنة 1881 واعتبرته الحركة الوطنية مرجعها الأساسي.
وانتهى دستور 1861 قانونيّا غداة الاستقلال على أساس الأمر العلي المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 المحدث لمجلس قومي تأسيسي لصياغة دستور جديد وبصفة أدقّ يوم افتتاح أشغاله قي 8 أفريل 1956 بعد انتخابه قبل أسبوعين كأوّل تمثيل شعبي في تاريخ بلادنا على أساس الانتخاب.
وفي غرّة جوان 1959 أتمّ المجلس القومي التأسيسي رسم الدستور. فكان بمثابة تاج الاستقلال على رأس الدولة الفتية بعد وشاح إعلان الجمهورية على صدرها.
واعترضت دولة الاستقلال مشاكل وخلافات سياسية لا تحصى ولا تعدّ بين التوّاقين للحكم والمتبوّبين للخلافة.
وتعطّلت أغلب الآليّات الدستورية الفاعلة للخروج من الأزمات السياسية المتواترة واستحال الإصلاح وتعاقب تحوير الدستور التفافا في أغلب الأحيان على التزامات رئيسية وحقوق أساسية ما أدّى إلى انحرافات متتالية ليست الرئاسة مدى الحياة وتلاحق المدد الرئاسية دون موجب من أقلّها. كلّ ذلك على خلفية المصادرة المقنّنة للحريّات. فتعمّق تراكم الأزمات وساءت أوضاع النّاس.
وفُقِدَتْ إثر ذلك القدرة على الاستقرار والسيطرة على الأوضاع. فلا مخالفة الدستور أجدت نفعا ولا الالتفاف عليه.
وغداة الثورة عُلّق دستور غرّة جوان 1959 بمقتضى المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
وانتهى العمل بدستور 1959، بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وذلك بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 27 من القانون التأسيسي عدد 6/2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
تعطّل دستور الدولة التونسية في ثوبها الملكي. وتعطّل أيضا دستورها مرّة أخرى ولكن في ثوب الجمهورية والاستقلال.
وفي المرّتين، تعطّلت الآليّات الدستورية ولم تسمح بالخروج بسلام من الأزمات السياسية .وفي المرّتين حصل ما لا تحمد عقباه. والبعض يرفض أن يستوعب.
إنّ من الثابت تاريخيّا أنّ تعطّل الآليّات الدستورية الأساسية للخروج من الأزمات السياسية خطير لا محالة على بلادنا.
في ظلّ دستور 27 جانفي 2014 وما تلاه من انتخابات تشريعية ورئاسية أبهرت القاصي والدّاني أصبحت بلادنا تعيش أزمة سياسية خانقة تكاد تقضي على الأمل بعد إشاعته خاصة لدى النّاشئة.
تتعطّل اليوم الآليّات الدستورية كمخارج للأزمة، منذ ما لا يقلّ عن ستة أشهر، ما أصبح يهدّد استقرار البلاد و إصلاحاتها ومستقبلها.
لذا، والحالة على ما هي عليه، أرى من الضروري توضيح المسألة في بعض أوجهها وتداعيّاتها الدستورية الحالية.
السيد رئيس الحكومة،
بادئ ذي بدء، من المتعارف عليه أنّ الدساتير الحديثة تشترك في ضمان الحقوق والحريات التي تكفلها للمواطنين كإطار قانوني أسمى لعلاقة الحاكم بالمحكوم.
وتشترك أيضا في الفصل بين السلط وبتوزيع خصوصي ومحكم للاختصاصات فيما بينها. كما تشترك أيضا في توزيع الاختصاصات داخل السلط ذاتها خاصة عندما يتعلق الأمر بثنائية السلطة التنفيذية كما هو الحال بالنسبة للوضع الذي أرساه دستور 27 جانفي 2014.
لكن الدساتير تتميّز عن بعضها البعض بصفة حاسمة خاصة بنجاعة المخارج الدستورية للأزمات السياسية وروح المسؤولية العالية للقائمين على الأوضاع والقدرة الفائقة للجوء إلى تلك المخارج حفاظا على الاستقرار السياسي والدستوري احتراما لتراث أجدادنا وتحضيرا لمستقبل أبنائنا.
وأودّ في ذات الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أوّلا : فيما يتعلّق بثقة مجلس نوّاب الشعب في الحكومة
إنّ مصطلح الثقة مصطلح مركزي في دستور 27 جانفي 2014. فالحكومة لا ولادة لها ولا وجود شرعي بالمعنى الدستوري دون الحصول على الثقة من مجلس نوّاب الشعب.كما لا يمكن للحكومة البقاء في الحكم بدون ثقة المجلس.
إنّ الثقة التي يمنحها مجلس نوّاب الشعب للحكومة، أو يسحبها منها، تمثّل العمود الفقري الأساسي، وليس الأوحد، لمراقبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية.
وبين منح الثقة ونهايتها أرسى المشرع اختصاصات تناوبيّة لتجديدالثقة دعما للاستقرار وترسيخا للثقة في المؤسسات و نأيا بالبلاد عن سجالات لا طائل من ورائها ومغامرات غير محمودة العواقب.
غداة الانتخابات التشريعية تُمنح الثقة للحكومة من مجلس نوّاب الشعب بعد تكليف من رئيس الجمهورية لرئيسها على أساس اقتراح يقدّم له من الطرف الفائز في الانتخابات التشريعية، حزبا كان أو ائتلافا.
وتمنح هذه الثقة، مبدئيا على الأقل، للمدة النيابية التشريعية بأكملها احتراما لثقة الناخبين مجسّدة في الطرف السياسي الذي صوّتت لفائدته أغلبيتهم.
ولو كانت الثقة لا تمنح للحكومة مبدئيّا على الأقل لكامل المدّة النيابية لكرّس المشرّع إمكانية انتخابات سابقة لأوانها في حالات تغيّر الاعتبارات والتحالفات السياسية.
إنّ المشرع لم يجز تلك الانتخابات المبكرة إلا في حالات التعطّل القصوى على غرار بقاء البلاد دون حكومة طيلة أربعة أشهر.
ولكن تطرأ خلال المدّة النيابية أحداث سياسية تتفاوت خطورتها وتؤثر بالضرورة على الوضعيات الدستورية و الحكومية بصفة أخصّ ويمثّل بعضها أزمة سياسية لا مجال لتجاهلها. وعلينا التعامل معها طبقا للآليات الدستورية ذات الصّلة.
يمنح مجلس نوّاب الشعب الثقة للحكومة بالأغلبية المطلقة من النوّاب.وتوازيا للأشكال علينا التسليم بأنّ من يمنح الثقة هو الذي يسحبها وهو الوحيد الذي يملك هذا الاختصاص الحصري فالحكومة مسؤولة أمامه دون سواه طبقا لمنطوق الفصل 95 من الدستور.
إنّ المرور بمجلس نوّاب الشعب في ما يتعلق بالثقة في الحكومة وجوبي مبادرة أو معاينة أو تجديدا كان. وفي كل حالة يتعيّن علينا اللجوء إلى آلية محدّدة أرساها المشرّع كترجمة لمسؤولية الحكومة أمام مجلس نوّاب الشعب.
ويبقى تصويت النوّاب بالأغلبية المطلقة حاسما وفيصلا في كلّ الحالات.
بعد وضع مبدإ مسؤولية الحكومة أمام مجلس نوّاب الشعب في الفصل 95، أرسى المشرّع تراتبية دستورية من الفصل 97 إلى 99 هي بمثابة أفضلية في اللّجوء إلى الآليات.
فالأصل في الأشياء لائحة اللّوم ضدّ الحكومة برمّتها وهي المخرج الدستوري من الأزمة السياسية في حالة عدم الرضا عليها وهو مناط الفصل 97 من الدستور.
ولكن وبقطع النّظر عن مقتضيات وشروط لائحة اللوم فهي غير ممكنة في الوضع الحالي في ظلّ حالة الطوارئ السارية المفعول كمجموعة تدابير استثنائية كما نصّت على ذلك الجملة الأخيرة من الفقرة الثانية من الفصل 80 من الدستور و التي أقرّت أنه “لا يجوز في هذه الحالة تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة”.
إنّ لائحة اللّوم معطّلة لما سبق بيانه وذلك إلى حدود تاريخ سريان حالة الطوارئ يوم 7 نوفمبر 2018 ولا يمكن اللجوء إليها في وضعيّتنا الحالية كمخرج دستوري أساسي للأزمة السياسية ترجمه المشرع في الفصل 97 من الدستور.
تعذّر اللجوء إلى لائحة اللّوم إذا وعلى الأقلّ إلى حدود 7 نوفمبر القادم.
إنّ الآلية التي تليها هي استقالة رئيس الحكومة أو طرحه على مجلس نوّاب الشعب التصويت على تجديد الثقة في حكومته طبقا لمقتضيات الفصل 98 في فقرتيه الأولى والثانية، فإن تعذّر كلّ ذلك فاللّجوء إلى طلب التصويت على تجديد الثقة من المجلس بطلب من رئيس الجمهورية كما ينصّ على ذلك الفصل 99.
من الثابت دستوريا أنّ هناك تراتبية مقتضيات دستورية للخروج من الأزمات السياسية ينتج عنها أولوية في الآليات ذات الصّلة يقع اللجوء إليها تباعا في حالات التعذّر.
والتعذّر في المجال موضوعي وليس اختياريا.
إنّ التعذّر يتعلق أساسا بوضعيّات وليس إراديّا.
وتأسيسا عليه فإنّ لرئيس الحكومة الحقّ في أن يختار بين الآليّات التي أرساها الفصل 98 ولكن لا يمكنه أن لا يختار بينها.
الأصل إذا في الأشياء سحب النوّاب الثقة من الحكومة عبر لائحة لوم ضدّها إن اجتمعت شروط نفاذها وهو اختصاص أصلي لمجلس نوّاب الشعب.
ويؤدّي تعطل الاختصاص الأصلي إلى ممارسة اختصاص تناوبي لرئيس الحكومة وذلك عبر الاستقالة أو طرح التصويت على تجديد الثقة.
فإن تعذّر يمكن لرئيس الجمهورية ممارسة اختصاص تناوبي ثان عبر طلب التصويت على تجديد الثقة للحكومة من عدمه.
ويبقى الاختصاص حصريا لمجلس نوّاب الشعب في كلّ الحالات مجسّدا في التصويت سواء على سحب الثقة بمبادرة منه أو عبر طرحها من رئيس الحكومة أو طلب التصويت عليها من رئيس الجمهورية.
على خلاف ما يتبادر للذهن ولتصرّف الأطراف السياسية الأساسية في هذه الأزمة فإنّ دستور 27 جانفي 2014 لا يعفي قطعا من اللّجوء إلى آليّاته كمخارج للأزمات السياسية.
ثانيا: فيما يتعلق بالتحوير الوزاري المزمع إجراؤه وبروز طيف مخالفته للفقرتين الأولى والثانية للفصل 92 من الدستور
من الملاحظ في المجال أنّ دستور غرّة جوان 1959 تميّز بإطلاقية صلاحيّات رئيس الجمهورية في مجال التركيبة الحكومية تكوينا وتغييرا. إذ ينصّ الفصل 43 لدستور 1959 في صيغته الأصلية على أنّ “رئيس الجمهورية (…) هو الذي يختار أعضاء حكومته وهم مسؤولون لديه”.
وتفيد هذه الصياغة أنّ رئيس الجمهورية علاوة على اختيار أعضاء حكومته له صلاحية تغييرهم متى استقرّ رأيه على ذلك باعتبارهم مسؤولون لديه وليس أمام مجلس الأمّة.
كما ينصّ الفصل 50 من نفس الدستور كما نقّح في 8 أفريل 1976 على أن “يعين رئيس الجمهورية الوزير الأول كما يعين بقية أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول .رئيس الجمهورية يرأس مجلس الوزراء”.
وينصّ الفصل 51 أيضا وخاصّة فيما يتعلق حصريّا بتغيير التركيبة الحكومية أنّ “رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من الوزير الأول”.
إنّ دستور غرّة جوان 1959، كما نقّح في 8 أفريل 1976، أرسى، كما سبق الإلماح إليه، إطلاقية تغيير التركيبة الحكومية من طرف رئيس الجمهورية الذي ليس مجبرا حتى بالرجوع إلى الوزير الأوّل لتغيير أعضاء الحكومة.
ومن نافلة القول أنّ مجلس الأمّة وفيما بعد مجلس النوّاب لا يتدخلان مطلقا في تغيير التركيبة الحكومية وذلك لغياب الثقة المسبّقة من مجلس نوّاب الشعب للحكومة لممارسة نشاطها ولغياب نصّ صريح في المجال.
إنّ الوضع الدستوري السّابق يختلف جذريّا مع ما ورد بالمطتين الأولى والثانية للفصل 92 من دستور 27 جانفي 2014 الذي ينصّ على أن “يختص رئيس الحكومة بـ
- إحداث وتعديل وحذف الوزارات أو كتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحيّاتها بعد مداولة مجلس الوزراء،
- إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته … “.
وضّح المشرّع إذا الاختصاصات الحصرية لرئيس الحكومة في مجال تغيير التركيبة الحكومية وأوردها وعدّدها على سبيل الحصر لا الذّكر في المطتين الأولى والثانية المذكورتان أعلاه ولا يمكن تأسيسا عليه تجاوزهما أو التوسّع فيهما.
واستنادا للمطّتين الأولى والثانية للفصل 92 لدستور 27 جانفي 2014 يمكن لرئيس الحكومة تغيير التركيبة الحكومية على أساس سدّ الشغور الإرادي من طرفه والناتج عن إقالة عضو أو أكثر من الحكومة أو عن إحداث وزارة أو كتابة دولة جديدة أو عن الفصل بين وزارتين أو عن سحب الثقة من وزير أو كاتب دولة بعينه من مجلس نوّاب الشعب.
كما يمكنه تغيير التركيبة الحكومية على أساس سدّ الشغور الخارج عن إرادته والناتج عن الوفاة أو العجز الدّائم أو الاستقالة لعضو من الحكومة أو أكثر وكلّ ذلك استنادا إلى مبدإ تواصل الدولة.
إنّ تغيير التركيبة الحكومية بتعويض بعض أعضاء الحكومة بعد منحها الثقة يبقى ممكنا. ولكن رئيس الحكومة لا يمارس صلاحيّة مطلقة في المجال.
لا يمكن تعويض أعضاء الحكومة إذًا بصفة مطلقة، أي بالطريقة التي دأبنا عليها لخمس عقود متتالية. ويمارس رئيس الحكومة صلاحيّة مقيّدة وذلك عن طريق ما ورد في النصّ الدستوري وسمح به وذلك بسدّ الشغور الحاصل في تركيبة الحكومة إراديّا أو بطريقة غير إراديّة. لا يملك رئيس الحكومة، في مجال تغيير التركيبة الحكومية، صلاحية لا يمنحها له الفصل 92 من الدستور في فقرتيه الأولى والثانية.
وتأسيسا على ما سبق بيانه، وجب توفّرٌ مسبّقٌ للشغور لكي يتمكّن رئيس الحكومة من تغيير تركيبة حكومته عبر اختيار مرشحين جدد لتعويضالمناصب الشاغرة في الطّاقم الحكومي.
لا وجود لإمكانية أخرى في تغيير التركيبة الحكومية في ظلّ دستور 27 جانفي 2014.
وتأسيسا عليه، لا يمكن لرئيس الحكومة تغيير تركيبة حكومته دون احترام الضوابط المذكورة والالتزام بها.
إنّ تغيير التركيبة الحكومية خارج الإطار الدستوري المومأ إليه أعلاه يصبح مشوبا بمخالفة الدستور صراحة.
فحذار فقد بدأ طيف مخالفة الدستور يطفو على السّطح.
إنّ الاختصاص المطلق لرئيس الجمهورية في تغيير التركيبة الحكومية في الدستور القديم لم ينتقل آليّا، كما يحلو للبعض أن يظنّ، إلى رئيس الحكومة في ظلّ الدستور الجديد.
غيّرت الثقة المفاهيم ولا يزال البعض ضمن تصوّرات أَفَلَتْ.
وتأسيسا على ما سبق بيانه يتضح أنّ رئيس الحكومة لا يمكنه تغيير تركيبة حكومته عن طريق التحوير الوزاري بالمعنى المتعارف عليه لحوالي خمسة عقود متتالية علاوة على أنّ مصطلح التحوير الوزاري لا يوجد أصلا في نصّ الدستور الجديد.
كلّ ذلك إضافة بالطبع لعدم جواز الانحراف بتغيير التركيبة الحكومية إلى ثقة في الحكومة.
فالثقة في الحكومة مسألة وتغيير التركيبة الحكومية مسألة أخرى. حذار من الخلط.
ففي الأولى يعرض رئيس الحكومة المكلّف موجز برنامج عمل الحكومة المستقبلي وفي الثانية يعرض رئيس الحكومة الشرعي، الذي سبق و أن تحصّلت حكومته على الثقة من قبل، أسباب تغيير الطّاقم الحكومي.
فالاقتراع على الثقة للحكومة برمّتها هو اقتراع على برنامجها المستقبلي بالأساس وعلى تركيبتها في نفس الوقت. والاقتراع على تجديد الثقة هو اقتراع على مواصلة نفس التركيبة عملها لتنفيذ برنامجها.
أمّا الاقتراع الفردي على الثقة لعضو مقترح للتعويض في الطّاقم الحكومي هو اقتراع على سلامة إقالة سلفه وفي ذات الوقت على شخص و ليس على سياسة معيّنة إطلاقا.
كلّ ذلك علاوة على أنّ التصويت على الثقة الفردية إن كان سلبيا لا ينهي الوجود القانوني للحكومة حتى وإن أجهضها سياسيا في حين أنّ التصويت على الثقة للحكومة برمّتها يجعلها “تعتبر مستقيلة” في حال لم تتحصّل على الأغلبية المطلقة من أصوات النوّاب.
إنّ موضوع التصويت مختلف بين الحالتين.
فالثقة مسألة وتغيير التركيبة الحكومية مسألة أخرى حتى وإن تقاطعتا في بعض الإجراءات المتعلقة بالثقة. ولا مجال للخلط بين المسألتين.
إنّ المحاولة للإيهام بالثقة في الحكومة في جلسة منح الثقة لأعضاء جدد في الحكومة مغالطة متعمّدة ومخالفة للدستور صراحة وانحراف متأكّد بآليّاته.
فللثقة في الحكومة آليّاتها وإجراءاتها لا يمكن القبول بالالتواء عليها عبر منح الثقة لعضو جديد أو أكثر مقترح في الحكومة.
هناك ثوابت في الدولة وفي دستورها وعلى الجميع احترامها.
ومن نافلة القول أنّه لا توجد استثناءات في المجال إلاّ ما سمح به الدستور صراحة بالنظر إلى ورود اختصاصات رئيس الحكومة وتعدادهاحصرا لا ذكرا.
لا يمكن لرئيس الحكومة تغيير تركيبة الحكومة وكأنّنا لا زلنا في ظلّ الدستور المنتهي العمل به. عليه الالتزام بما ورد في دستورنا الجديد وممارسة صلاحيّاته الواردة به حصرا لا غير.
ثالثا : في عدم تطابق قرار دمج وزارتي الطاقة والمناجم مع وزارة الصناعة والمؤسّسات الصغرى والمتوسطة مع الفقرة الأولى للفصل 92 من الدستور
تنصّ المطّة الأولى من الفصل 92 من الدستور أن “يختص رئيس الحكومة بـ-
إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة ويضبط اختصاصاتها وصلاحيّاتها بعد مداولة في مجلس الوزراء”.
والملاحظ في المجال أنّ الشروط التي أوجبها المشرّع لدمج وزارتين غير متوفّرة.
إنّ اختصاصات وصلاحيات الوزارة الجديدة المكوّنة في الأصل من وزارتي الصناعة والمؤسّسات الصغرى والمتوسطة والطاقة والمناجم لم تضبط ونتساءل حول عدم نشرها والإعلام بها وتفسيرها إلى اليوم.
والملاحظ كذلك أنّ المسألة المتعلقة بدمج وزارة الطاقة والمناجم مع وزارة الصناعة والمؤسّسات الصغرى و المتوسطة لم تطرح للتداول في مجلس الوزراء إطلاقا كما اشترطت ذلك الفقرة الأولى من الفصل 92 من الدستور كما وقعت الإشارة إليه.
وإنّ عدم احترام ضبط الاختصاصات والصلاحيّات والتداول في مسألة دمج الوزارتين في مجلس الوزراء مجتمعا، وضمن جدول أعمالالمجلس، يجعل قرار رئيس الحكومة بدمج الوزارتين غير محترم للدستور.
رابعا: في الانحراف بالإجراءات الدستورية في الجلسة العامة للمجلس المتعلقة بمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد
إنّ الجلسة العامة للمجلس على أساس جدول أعمال يتعلّق بمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد والملتئمة يوم 28 جويلية 2018 بعد إقالة سلفه منذ أسابيع لم تكن سليمة من وجهة النّظر الدستورية.
تميّزت هذه الجلسة بإصرار رئيس الحكومة على تقديم تقييم لعمل حكومته في خطابه أمام الجلسة العامة لمجلس نوّاب الشعب وهو ما لا يمكن القبول به دستوريّا، حتى وإن كان له ما يبرّره سياسيا في فترة تتّسم بالتشكيك في حكومته من أطراف حزبية وغير حزبية عديدة.
لقد أرسى المشرع فرصا أخرى لتقييم العمل الحكومي وهي جلساتالمجلس للحوار مع الحكومة وجلساته المتعلقة بمنح الثقة للحكومة برمّتها وفي الأوجه المختلفة لتلك الثقة تجديدا أو سحبا.
إنّ جلسة منح الثقة لوزير بعينه تتطلّب من رئيس الحكومة تبيان الأسباب التي أدّت إلى تغيير الوزير المقال أو المستقيل أو التي أدّت إلى حذف أو إحداث وزارة أو كتابة دولة و غيرها من الحالات الواردة ضمن الفقرتين الأولى والثانية للفصل 92 من الدستور لا غير.
كما تتطلّب أيضا من رئيس الحكومة التعرّض لخصال المعوّض وما يُنْتَظَرُ منه في مهامه الجديدة.
إنّ جلسة منح الثقة في وزير مقترح لتعويض أحد أعضاء الحكومة ليست فرصة لتقييم العمل الحكومي من عدمه.
اتّسمت تلك الجلسة إذا بالانحراف البيّن بالإجراءات الدستورية علاوة على التناقض الصريح للخطاب المومأ إليه أعلاه إذ كيف يمكن لنا أن نقبل منطقيّا خطابا يؤسّس على أنّ الحكومة أحرزت على نجاحات منقطعة النظير في المجال الأمني وقرار إقالة الوزير المكلّف بذلك الملفّ !
خامسا: في عدم ملائمة تكوين كتلة نيابية بسعي من رئيس الحكومة للدستور
هناك سؤال لا يمكننا التغاضي عنه اليوم. وهو المتعلّق بحق رئيس الحكومة من عدمه في السعي لتكوين كتلة نيابية موالية.
لم يتعرّض النصّ الدستوري صراحة للمسألة وعليه وجب علينا استقراء الدستور نصّا وروحا خاصة، وذلك لاستبيان مدى ملائمة هذا التمشي مع الدستور.
ومن نافلة القول أنّه لا يمكن للتأويل أن يؤدّي إلى نتائج عبثية وغير معقولة و هذا من الأساسيّات.
وتأسيسا عليه فإنّه لو سلّمنا جدلا بملائمة تمشي رئيس الحكومة،فيما يتعلق بحقّه في تكوين كتلة موالية له، مع الدستور، لأصبح المجلس يمثّل، في نهاية التحليل، إرادة رئيس الحكومة والحال أنّ الحكومة في دستور 27 جانفي 2014 هي انبثاق لإرادة المجلس وليس العكس.
إضافة إلى أنّ الحكومة مسؤولة أمام مجلس نوّاب الشعب وليس العكس طبقا لمنطوق الفصل 95 من الدستور.
ومن جهة أخرى، فإنّنا لو سلّمنا جدلا أيضا بحقّ رئيس الحكومة فيالسّعي لتكوين كتلة نيابية موالية لوصلنا، في نهاية التحليل، لمجلس ليس سوى حجرة تسجيل لا غير وهو ما ينسف تماما المبادئ السامية الواردة في الفقرة الثالثة من توطئة الدستور التي يعتبرها الفصل 145 “جزء لا يتجزّأ منه”.
وتعدّ هذه الممارسة في ذات الوقت مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلط والتوازن بينها وضرورة مراقبتها لبعضها البعضالمؤسّس عليهما الدستور الحالي في أبوابه المختلفة علاوة على ما ورد في التوطئة.
إنّ بروز هذه الممارسة لا يتلائم إطلاقا مع الدستور مهما كانت المبرّرات وذلك لمساسه بالأساسيّات وكنه المبادئ الدستورية.
وأخيرا وليس آخرا، وجب التذكير بأنّ رئيس الجمهورية هو “السّاهر على احترام الدستور” طبق صريح الفصل 72 منه وأنّ رئيس الحكومة محمول على “احترامه للدستور” وأنّ جميع النوّاب “ملتزمون بأحكامه”. وأنّ الجميع أدّى اليمين على ذلك الالتزام الأسمى ما يحمّلنا مسؤوليّات جسام.
وعليكم وعلينا جميعا أن لا نسهو على تلك اليمين.
السيد رئيس الحكومة،
إنّي أتشرّف بأن أبلّغ لكم هذه المساهمة المتواضعة عسى أن تساهم في تقويم الأوضاع وإصلاحها وفي النّأي ببلادنا عن الأزمة السياسية والمغامرات غير محمودة العواقب وفي إرجاع تونس إلى سالف بريقها.
وفي الختام تفضّلوا، سيدي رئيس الحكومة، بقبول فائق احترامي.
نائب الشعب
الأستاذ المنذر بالحاج علي
15اكتوبر 2018
[metaslider id=2149]