الفاسد في ثياب الوَرِع .. بديلا لمن سبقه ؟؟؟
بقلم : رشيد الكرّاي
مادام يستمر الفاسدون والانتهازيون والمنافقون، من الصعب الحديث عن الأمل والتغيير. وحتى لا نكون مثاليين، فإن السياس عمومًا بطبيعتها تتحمل المناورة والكذب أحيانًا والازدواجية، لكن الموضوع عندنا كبير ، وزاد عن حدّه ، وتخطّى كل المسموح به عالميًا ومحليًا، وكأن شبابا لم يخرج إلى الشوارع ولم يَثُرْ ولم يمت ، ولا نقصد هنا عودة فلول من هنا أو هناك، فطبيعي أننا لا نمسك للناس مقصلة أو نحاكم النوايا، لكن الحقيقة أن هناك فاسدين بإجماع الآراء ، وانتهازيين باتفاق الأدلة ، يتسللون ويقدمون أنفسهم في ثياب الناصحين، بل إن بعضهم أصبح يقدم نظريات في السياسة، ويطالب بالتطهير والمكاشفة ويتحدث عن فشل الحكومات المتعاقبة ، بينما أول مكاشفة تعني أن يُحاكم، وفى حال فوز هؤلاء ووصولهم إلى مناصب تنفيذية، أو تشريعية يعني أن فيروس الفساد يسكن قلب تونس ، وأن المنافقين الذين عبروا من التجمع لإخوان النهضة وأحزاب أخرى كثيرة ، ومازالوا مستمرين، يعنى ضياع أي إمكانية للتغيير.
في عالم السياسة من الصعب أن تعثر على سياسي يقول الحقيقة ، إلاّ لو كان سابقًا.. ستجد الوزير أو المسؤول أو الفاسد السابق يتحدث مثل ملاك بأجنحة، وينتقد الفساد، ويقدم رؤى عميقة للمشكلات، وحلولًا عبقرية، بينما وهو في موقع المسؤولية يكون بليدًا وعاجزًا، وربما متورطًا في كل ما ينتقده بعد مغادرة منصبه.
وطبيعة السياسة أن ما هو مطروح في العلن من كلمات ضخمة، وحديث عن المبادئ والقيم العليا شيء ، وما هو واقع وحادث من هذا الزعيم أو ذاك أمر آخر.. لن تجد فاسدًا يبرر الفساد، ولا لصًا يجادل في كون السرقة أمرًا مستهجنًا، ولا انتهازيًا يمدح الانتهازية، ولا متهرّبا من الجباية يشجّع على التهرب الضريبي ، بل إن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة أحيانًا على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير.
لماذا نقول هذا؟ لأن عددا من محترفي الفساد في كل العصور، باتوا يتحدثون عن الطهارة والشرف، ولديهم نظريات في الحديث عن الفساد والدعوة لمواجهته ، كأنهم من كبار رجالات أجهزة الرقابة . والقاعدة تقول : احذر الفاسد الذي يتحدث كثيرًا عن مواجهة الفساد، فالكثير من المعارك التي نراها اليوم على الشاشات ، أو مواقع التواصل الاجتماعي ، ظاهرها الحرص على الوطن، وباطنها المنافسة للبحث عن مكان بجوار السلطة.
هناك منافقون عابرون لكل الأنظمة، يمتلكون قدرات على البقاء والفوز، والعيب ليس عيبهم، لكنه عيب النظام السياسي والاجتماعي الذي مازال يسمح لهؤلاء الفاسدين بالفوز، والوصول إلى مواقع التنفيذ والتشريع، عندها سوف يتأكد الناس أن الحديث عن التغيير هو مجرد كلام للاستهلاك السياسي.. لا يكفي أن نتحدث عن مواجهة الفساد، بل الأهم هو اختراع وسنّ كل القوانين التي تمنع الفساد من الحصول على هدايا التغيير ، فالشيء الوحيد الذي يجب أن يظهر في بلادنا عام 2020 هو القانون، والذي يجب أن يختفي هو حزب “فسادُقراط”
قال العلامة ابن خلدون عن الفساد : انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش ، وبدايةً لشرخ يؤدي إلى انهيار الدولة.
ويقول بسمارك السياسي الألماني الشهير : يكثر الكذب عادة قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد …