في حوار مع ليدرز: رئيس الحكومة المكلف:انا مستقل واراهن على النجاح
قبل أسابيع قليلة كان الحبيب الجملي اسما نكرة عند غالبيّة التّونسيّين، ثمّ نجم فجأة في السّاحة السّياسيّة دون سابق إنذار في وقت كانت الأنظار متّجهة إلى الشّخصيّات السّياسيّة المعروفة وكانت المفاجأة كليّة: الحبيب ثمّ ماذا؟ فقد حُرّف لقبه العائليّ أهو الجُمليّ؟ أم الجَملي؟ بل هو الجِملي. وتفجّرت التّعاليق المازحة السّاخرة من هنا وهناك. تصوّروا إذن كاتب دولة سابق قادم من ضيعة فلاحيّة من تلك الضّياع البعيدة في سهول القيروان الشّاسعة سيحاول تشكيل الحكومة الجديدة، بعبارة أخرى يُحاول أمرا ممتنعا لا يُرام.
وليته يُوفّق إلى ذلك، وعلى كلّ حال فهو مقرّ العزم على تشكيل هذه الحكومة رغم نقاط ضعفه مثل قربه الحقيقيّ أو المفترض من حركة النّهضة، ونقص تجربته… أمّا الأمر الأوّل فهو يُفنّده بسهولة، فإذا كان قد اختير لتولّي منصب كاتب دولة للفلاحة في حكومة النّهضة الأولى فبصفته تكنوقراط، وأمّا التّجربة فقد اكتسبها في مختلف المواقع التّي شغلها في الإدارة وفي القطاع الخاصّ.
وعلى امتداد ساعتين باح رئيس الحكومة المكلَّف بطيب خاطر – وكما لم يفعل ذلك من قبل – بجوانب عن حياته الشّخصيّة، عن والديه، عن عائلته، وكشف لنا المنهجيّة التّي سيتوخّاها في تشكيل الحكومة وشرح رؤيته لتونس.
وهو يُقرّ بأنّ المهمّة عسيرة ولكنّها ليست مستحيلة. ومهما يكن من أمر فإنّه سيحاول أن يثأر لنفسه من كلّ الإشاعات المغرضة ومن الصّورة الكاريكاتوريّة التّي حاول البعض إلصاقها به.
والمحصّل أنّنا – سواء اتّفقنا مع الرّجل أم لم نتّفق – منبهرون بهذا الإصرار الذّي يرشح عنه وقوّة الإقناع التّي تصدر منه. ولم يَبْدُ في أيّة لحظة مستسلما للصّعوبات التّي يُواجهها . فهل هو الإيحاء الذّاتيّ لكي يمنح نفسه الثّقة ؟ لكنّه يُجيب بأنّه ” تفاؤل الإرادة والعقل في الآن نفسه”.
هل كنتم تنتظرون تسميتكم رئيسا للحكومة؟
كانت تسميتي مفاجأة حقيقيّة، لم أكن أنا نفسي أتوقّعها، ولكنّ السّاحة السّياسيّة والبرلمانيّة اشترطت تعيين رئيس حكومة محايد، وكانت حركة النّهضة قد فكّرت في تسع شخصيّات من الكفاءات الوطنيّة وظهر اسمي آخر الأمر استنادا إلى مبدإ عدم الانتماء الحزبيّ.
وهل كان ذلك مفاجأة بالنّسبة إليكم؟
سأقول إنّها مفاجأة سارّة في معنى أنّي شُرّفتُ بأن أُتيحت لي فرصة خدمة بلدي ومساعدته على تجاوز هذه المرحلة.
وماذا كان موقف العائلة؟
عائلتي فخورة بهذا التّعيين، وأنا مبتهج لدرجة التّفهّم والنّضج وروح المسؤوليّة التّي أبداها الجميع، ذلك أنّي أنا والعائلة وضعنا خدمة الوطن فوق كلّ الاعتبارات الأخرى.
من أعلمكم بهذه التّسمية؟
في إطار عملي الذّي كنتُ أُؤدّيه في سيدي بوزيد هاتفني صديق لي من حركة النّهضة احتفظ باسمه ليُعلمني بأنّ السيّد راشد الغنّوشي يرغب في مقابلتي بشكل مستعجل، وأخبرني بأنّ مجلس شورى الحركة كان مجتمعا وأنّ اتّجاه التّصويت على اختيار رئيس الحكومة المكلّف سار نحو تعييني لهذه المهمّة، وهو أمر فاجأني كلّ المفاجأة.
ومع ذلك أخذت طريقي نحو مجلس نوّاب الشّعب، وهناك أكّد لي راشد الغنّوشي نتائج التّصويت في مجلس الشّورى، فعبّرت له عن مفاجأتي، وكنت أيضا متردّدا بسبب التزاماتي المهنيّة. ورغم ذلك أعلمته أنّ الأولويّة في نظري للقيام بالواجب مادمت مقتنعا بأنّ البلاد في حاجة إلى رجل غير متحزّب، يتموقع خارج المنظومة السّياسيّة حتّى يستطيع أن يضطلع بمسؤوليّة بالغة الأهميّة كهذه، فالمواطن بمثابة الجنديّ وعليه أن يُحبّ وطنه، وليس لي أن أتوانى عن القيام بالواجب الذّي تقتضيه روح المواطنة. فالمرء قد يتردّد إزاء عرض حزبيّ أو سياسيّ، ولكنّه لا يتردّد إذا تعلّق الأمر بنداء الوطن، وقد اعتبرت تكليفي واجبا وطنيّا. وهكذا دعاني إلى أن أتهيّأ بما أنّ موكب التّكليف الرّسميّ سيلتئم يوم الغد بحضور رئيس الجمهوريّة.
هل وضعتم شروطا؟
لن أستعمل كلمة “شروط “، ولكنّني بالفعل أبديت له رؤيتي لهذه المهمّة خلال اللّقاء الثّاني الذّي جمعنا.
ما هي العوامل التّي ستمكّنكم من الاضطلاع بمهمّتكم على أحسن وجه؟
لقد كنت شديد الوضوح مع السّيّد راشد الغنّوشي رئيس مجلس نوّاب الشّعب وقُلت له إنّي لن أتردّد في الاضطلاع بهذه المهمّة العسيرة على أفضل الوجوه، غير أنّني أرى ( حتّى لا أقول أشترط) أنّه ينبغي القيام بهذه المهمّة في استقلاليّة تامّة إن شئنا ، لا يُحرّكني في ذلك إلّا مصلحة تونس ، وأعتقد جازما أنّ نجاح تونس يعني نجاح الطّبقة السّياسيّة كلّها.
كما قلت للسّيّد راشد الغنّوشي بأنّه سيكون أوّل مستفيد من هذا النّجاح. ولا شكّ عندي في أنّه سيواصل رعاية هذا الاتّفاق والإيفاء بهذا الشّرط المتمثّل في عدم تدخّل أيّ من الأحزاب السّياسيّة.
من هي الشّخصيّة الأولى التّي خاطبتموها عندما أعلمكم صديقكم بقرار حركة النّهضة؟
لقد خاطبت زوجتي في المقام الأوّل ويبدو لي هذا أمرا طبيعيّا وبعدها خاطبت أخي.
لم تكن لكم نيّة العودة إلى الحياة السّياسيّة؟
لا لم أكن أنوي ذلك ، فقد سلكت سبيلا أخرى. ولو كنت أريد البقاء في عالم السّياسة لكنت انضممت إلى حزب سياسيّ أو لعرفت كيف أندمج بطريقة أو بأخرى في السّاحة السّياسيّة. لا أعتقد أنّ جميع النّاس يجب أن يُمارسوا السّياسة، بل إنّني على يقين من أنّ القائمين على المؤسّسات الاقتصاديّة قادرون على المساهمة بشكل كبير في تنمية تونس.
ما هو المنهج الذّي ستعتمدونه في عمل الحكومة القادمة؟
لقد أرسينا لجانا للتّفكير وصغنا استراتيجيّات عمل لمواجهة المشاكل العديدة للتّصرّف في كلّ قطاع وقمنا بمبادرات أوّليّة لم تقع متابعتها فيما بعد للأسف. لقد كانت تجربة مثرية مكّنتني أن أعرف جيّدا آليّات عمل الإدارة، وبقي في ذهني أنّ كلّ رجل دولة ينبغي أن يُعطي الأولويّة للمصلحة الوطنيّة ولكنّ تونس عرفت مرحلة سوء فهم لتحدّيات الوضع ورهاناته.
إنّ مبدأ تواصل الدّولة مفقود، ومن المؤسف أنّ الشّغل الشّاغل لكلّ وزير يتولّى المسؤوليّة هو أن يُلغي كلّ الإجراءات التّي اتّخذها سَلَفُهُ. وهذا الوضع يتسبّب في أزمات خطيرة.
ونحن نطمح في الحكومة إلى قلب هذه المقاربة وإدراج مقاربتنا ضمن مبدإ تواصل الدّولة التّي هي فوق كلّ الأحزاب السّياسيّة، وسنُرسي كذلك نظاما مستقلّا للمتابعة ومراقبة النّتائج. وستتمّ تسمية الوزراء بالاستناد إلى برامج واضحة وإلى طرق في الحوكمة دقيقة بدءا برئيس الحكومة نفسه. وسيُحمل الوزراء على الإبقاء على المسؤولين في مواقعهم دون اللّجوء إلى تحويرات تقع على أساس إيديولوجيّ.
ونحن مطالبون أيضا باتّخاذ سلسلة من الإجراءات لمواجهة مختلف مشاكل قطاع الفلاحة وهي متنوّعة، فتهرّم النّاشطين في القطاع حقيقة واقعة، ولا بدّ من إيجاد الوسائل الكفيلة باجتذاب الشّباب لهذا القطاع ووضع حدّ لتجزئة الأراضي الفلاحيّة من أجل إطلاق نموّ حقيقيّ في هذا القطاع. إننّا واعون على وجه خاصّ بالتّحديّات التّي يواجهها هذا القطاع . ولهذا أعددنا ما يلزم لإصلاحه، وهو مخطّط كامل يضبط التّوجّهات الكبرى لتنمية القطاع الفلاحيّ سنقدّمه لوزير الفلاحة المرتقب.