الوالي السابق الطاهر بوسمة يكتب عن الهادي البكوش
الهادي البكوش الذي عرفته
نشر الاستاذ الطاهر بوسمة المحامي والوالي السابق ورجل الفكر نصا عن الوزير الاول السابق الهادي البكوش الذي سيوارى جثمانه الثرى اليوم الاربعاء في مقبرة مسقط رأسه حمام سوسة بعد صلاة العصر
وهذا ما جاء في شهادة الاستاذ بوسمة اطال الله عمره
فجعت تونس في أحد رجالها المرحوم الهادي البكوش رحمه الله، عرفته منذ ستين سنة أو يزيد بقليل، لما كنا تلتقي ونحن طلبة، هو بفرنسا وأنا بتونس، تجمعنا لقاءات صيفية تنظم وقتها في إطار نشاط الطلبة الدستوريين، وكان دائما يشارك فيها مع امثاله ومنهم أتذكر الصادق بن جمعة عليه رحمة الله والهادي بن عياد وإبراهيم حيدر، وقد تزوج من أخت هذا الأخير، السيدة الفاضلة، التي أقدم لها تعازي الخالصة فيه، واطلب من الله ان يرزقها الصبر والسلوان.
كنت أشارك دائما في تلك الرحلات وأنا أزاول دراستي العالية، وكنا نزور فيها أنحاء من الجمهورية بواسطة حافلة مخصصة، لنطلع خلالها على احوال البلاد ونتحادث مع المسؤولين المحليين الذين اختارهم الحزب إثر الاستقلال كولاة ومعتمدين ومندوبين لحزب الدستور.
كان المرحوم وقتها من البارزين، بشوشا ومتواضعًا يجعلك كلما تقترب منه تحسبه صديقًا حميم.
كنت بعدها اسمع بنشاطه المكثف في مندوبية الحزب بولاية سوسة قبل ان تتجزأ لتخرج منها لاحقا المهدية والمنستير.
كان وقتها مساعدا لمندوب الحزب بالجهة الدكتور عبد المجيد رزق الله عليه رحمة الله وعلى جميع المسلمين.
ثم أصبح بعدها مسؤولا عن الشباب في إدارة الحزب قبل ان يعين وال على بنزرت، ثم ينتقل إلى صفاقس بنفس الخطة في زمن التعاضد الذي تحمس له بإفراط شديد، وتعرض بسببه للنقلة إلى قابس التي منها أقيل، وبعد وقفة التأمل أدخل للسجن مع مجموعة الوزير الأقوى السيد أحمد بن صالح الذي حمَّل وزر تلك التجربة التي اقرها مؤتمر الحزب المنعقد بنزرت في خريف 1964.
تجاوز تلك المحنة بصبر وتفكير ليعود للحياة السياسية من جديد، وليصبح مستشارا لدى الوزير الأول الهادي نويرة إلى حين، ويقوم خلالها صحبة المرحوم عبد الله فرحات بتنظيم مؤتمر الحزب سنة 1979، ليخرجا منه متهمين بإدخال العسكر في تنظيمه ويقال الوزير ويبعد هو قنصلا عاما بليون ليكلف بعدها بسفارة تونس بجنيف والفاتيكان قبل ان يعين بالجزائر سفيرا لسنين. ليعود منها في زمن وزارة محمد مزالي للحزب مديرا إلى حين.
تقلد بعدها وزارة الشؤون الاجتماعية وشارك فيما كان يسمى بالتحول الذي جرى ليلة السابع من نوفمبر 1987 بقيادة زين العابدين بن علي. وكان المدبر السياسي له، وكاتب بيانه الشهير الذي طمأن التونسيين وقبلوا به بإجماع مريب.
تولى بعدها الوزارة الأولى في زمن الحكم الجديد لأقل من سنتين ليدخل بعدها ضمن المنسيين إلى تأسيس مجلس المستشارين، أين تم تعيينه عضوا فيه وينتهي دوره في السياسة بقيام ثورة الحرية والكرامة التي حاول التأثير فيها من بعيد.
أعده من السياسيين البارزين الذين شاركوا في النضال وفي الحكم وفي التشريد والصبر على المكاره الى حد كبير.
دون مسيرته تلك في كتاب نشره اخيرا تحت عنون*بكل صراحة* صدر بالفرنسية سنة 2018 كمًا قدم شهادته في جلسات عدة على منبر مؤسسة التميمي وسجل حلقات كشاهد على العصر بقناة الجزيرة محفوظة بموقع (يو توب) مفتوح للعموم.
لذا في هذا اليوم الحزين الذي يوارى فيه التراب، لا يسعني الا الترحم عليه وأتقدم بتعازي الخالصة لابنه الكريم وأرملته الفاضلة وكل أفراد أسرته بدون تحديد، وجميع أصدقائه، وللعائلة الدستورية المتبقي من أفرادها على قيد الحياة، وأطلب من الله أن يتقبله أحسن قبول ويجازيه عما قدم لتونس من أعمال، وإنا لله وإنا اليه راجعون.