هل حشر الرئيس التونسي الأحزاب بالزاوية.. اقبلوا بمرشحي لرئاسة الحكومة أو اخسروا مقاعدكم النيابية
ربما يكون مصير إلياس الفخفاخ المكلف بتشكيل الحكومة التونسية أفضل من سابقه الحبيب الجملي، الذي استنزف مدته الدستورية لتشكيل الحكومة دون نجاح.
فبعد تكليفه من قِبل الرئيس التونسي قيس سعيد، انطلق إلياس الفخفاخ في مشاورات تشكيل الحكومة، على أمل أن يكون مصيرها مغايراً لحكومة الجملي، التي فشلت في نيل ثقة البرلمان.
المشاورات التي انطلقت منذ يوم التكليف (20 جانفي 2020) تفرض على رئيس الحكومة المكلف تشكيل فريقه الحكومي في أجل لا يتعدى الشهر، قبل تقديمها للبرلمان لنيل الثقة، وإلا ستذهب البلاد إلى انتخابات نيابية مبكرة.
ولإضفاء مزيد من «الشفافية» على المشاورات، قدم رئيس الحكومة المكلف استقالته من حزب التكتل، معتبراً أن هذا القرار ينبع من: «شعوره بمسؤولية تكوين الحكومة وفقاً لمقتضيات الدستور، واعتباراً لجسامة المهمة الملقاة على عاتقي، وانسجاماً مع متطلبات التكليف وخصائصه، ودفعاً لكل لبس أو كل ما من شأنه إرباك مسار تشكيل الحكومة».
ورغم أن كل الأنظار كانت تتجه إلى تكليف مرشحين آخرين يحظون بدعم أحزاب وكتل برلمانية وازِنة، على غرار الفاضل عبدالكافي (حركة النهضة وحزب قلب تونس)، وحكيم حمودة (حركة النهضة وتحيا تونس)، فإن تكليف الرئيس قيس سعيد لإلياس الفخفاخ (مرشح حزب تحيا تونس فقط الذي يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد) بتشكيل الحكومة، رأى فيه البعض تكراراً لحكومة الحبيب الجملي الفاشلة نفسها.
إلا أن مواقف الأحزاب والكتل البرلمانية تبدو مشجعة ومطمئِنة إلى حدٍّ كبير.
النهضة لا تحفظات لديها رغم أنه ليس مرشحها
أكد القيادي في حركة النهضة عماد الحمامي لـ «عربي بوست»، أن حركة النهضة ليس لديها أي تحفظات على تكليف رئيس الجمهورية لإلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة، وأنها تنتظر البرنامج الحكومي الذي سيطرحه، وتشكيلته الحكومية، للتفاعل معه إيجابياً، للخروج من حالة الفراغ الحكومي الذي استمر طويلاً.
وعلى غرار النهضة، قال أمين حركة الشعب زهير المغزاوي لـ «عربي بوست»: «لا تحفظات أو احترازات على تكليف الفخفاخ بتشكيل الحكومة».
وأضاف أن «حركة الشعب ستتعامل بكل إيجابية مع رئيس حكومة كلفه رئيس الجمهورية، لأن هذا الخيار كان مطلباً، ودعوة أطلقتها الحركة منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، لاستغلال الدعم الشعبي الذي يحظى به الرئيس قيس سعيد».
وأضاف المغزاوي: «ننتظر التشكيلة الحكومية التي سيقدمها إلياس الفخفاخ، وكذلك برنامجه الحكومي، للتفاعل معه وتحديد موقفنا من التصويت له من عدمه، نرجو أن تكون هذه الحكومة حكومة سياسية، لتتحمل الأحزاب مسؤولياتها في الحكم».
واليسار يراه اختياراً موفقاً، أما قلب تونس فغاضب من طريقة تكليفه
في سياق متصل، اعتبر القيادي محمد الحامدي، في حزب التيار الديمقراطي (يسار وسط)، في تصريح لـ «عربي بوست»، أن اختيار رئيس الجمهورية قيس سعيد لإلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة الجديدة «اختيار مناسب وموفّق، ويعبّر عن توجهات تونس الجديدة».
وأضاف أن إلياس الفخفاخ كان من بين الأسماء المقترحة داخل الحزب لتولي رئاسة الحكومة.
من جهته عبَّر حزب قلب تونس في بيان له، عن عدم ارتياحه للطريقة التي اعتمدها رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة المكلف، والتي كانت غير مباشرة، لكنه أكد أيضاً: «عدم وجود احترازات مبدئيّة أو شخصيّة من اختيار السيّد إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة».
ودعا رئيس الحكومة المكلّف «إلى الانفتاح على كلّ القوى الحيّة والأحزاب السياسيّة دون إقصاء، والتشاور معها حول شكل الحكومة، ووضع البرنامج الملائم حتّى يضمن الدعم السياسي والبرلماني للتغلّب على التحدّيات وتحقيق الأهداف المرجوّة».
طريق مفتوح أمام إلياس الفخفاخ
مواقف الأحزاب والكتل البرلمانية الكبرى والوازنة ذهبت حتى الآن في اتجاه موافقة مبدئية على منح الثقة لحكومة الفخفاخ، التي لم تتشكل بعد.
يشير المحلل السياسي علي القاسمي، إلى أن «اسم رئيس الحكومة الجديد إلياس الفخفاخ لم يتعرض لانتقادات وموجة الرفض التي تعرّض لها الوزير المكلف السابق الحبيب الجملي، حيث تَعتبِر حركة النهضة الفخفاخ صديقاً قديماً، ليس لديها أي مآخذ حوله، باعتبار أنها سبق لها العمل معه في عهد الترويكا، وتحديداً في حكومة علي العريض، حيث كان يتولى حقيبة وزارة المالية.
كما أن قلب تونس، صاحب الكتلة الثالثة في البرلمان، أكد أنه لا يرى مانعاً عن التعاطي الإيجابي مع الفخفاخ.
وأضاف القاسمي: «ومن الدعم السياسي المنتظر أيضاً للوزير الجديد دعم حركة تحيا تونس، التي رشّحته لهذه المهمة، كذلك الكتلة الديمقراطية التي اعتبرته اختياراً صائباً من قِبل رئيس الجمهورية».
في المجمل، يبدو أن حكومة الفخفاخ ستكون في طريق مفتوح لنيل الثقة، لتبقى المشاورات مع الأحزاب هي المحدد للحجم الحقيقي للتأييد السياسي الذي ستحصل عليه.
وفي انتظار تشكيل حكومة الفخفاخ، سيلعب شبح الانتخابات التشريعية المبكرة دوراً حاسماً في دفع الأحزاب والكتل البرلمانية لمنح الثقة لهذه الحكومة، لأن تكرار سيناريو حكومة الجملي سيضع الجميع أمام خيار فقدان الحصيلة الانتخابية التي حققوها في الانتخابات التشريعية، حيث ينص الدستور على دعوة رئيس الجمهورية لانتخابات تشريعية مبكرة، في حال عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ.
هل هناك اتفاق خفيّ بين سعيد والشاهد؟
تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد شخصيةً لا تحظى بإجماع الأحزاب والكتل البرلمانية، ولم يقترحها سوى حزب وحيد، وهو حزب تحيا تونس الذي يترأسه رئيس الحكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، فتح باب التأويلات على مصراعيه حول عدد من الفرضيات، أبرزها وجود توافق أو اتفاق خفي بين سعيد والشاهد.
لكن المحلل السياسي بسام حمدي يرى أن «ترشيح حركة تحيا تونس لشخصية (إلياس الفخفاخ)، الذي لا يشترك معها في أي توجه أو خيار، لم يكن من باب تماهي الرؤى بين قيس سعيد ويوسف الشاهد، وإنما هو ناجم عن علم رئيس حكومة تصريف الأعمال بتوجهات رئيس الجمهورية فيما يخص الشخصية التي يراها أقدر على تشكيل حكومة؛ لذلك أراد الشاهد أن يحقق مكسباً سياسياً بترشيحه للشخصية المفضلة لدى قيس سعيد».
وأضاف حمدي أن «حزب التيار الديمقراطي أعلن عدم اعتراضه على تكليف الفخفاخ، ليس من منطلق قبول مرشح حركة تحيا تونس، وإنما لعلمه بأن رأي قيس سعيد استقر على الفخفاخ».
واعتبر أن «المشاورات المكتوبة التي أجراها قيس سعيد مجرد لافتة دستورية يفرضها عليه الفصل 89 من الدستور، باعتبار أنه حدد خياره قبل الاطلاع على مقترحات الأحزاب»
مَن يتحمَّل مسؤولية الفشل؟
اختيار رئيس الجمهورية قيس سعيد للشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة يفتح باباً آخرَ للتأويل والجدل، حول الطرف الذي سيتحمل المسؤولية السياسية لفشل الحكومة.
فرغم سعي سعيد إلى رمي الكرة في ملعب الأحزاب، وتأكيده وفقاً لبيان التكليف، أن الحكومة التي سيشكلها الفخفاخ «لن تكون حكومة رئيس الجمهورية، بل من سيمنحها مجلس نواب الشعب الثقة، فعدد غير قليل من أعضاء المجلس النيابي هم الذين اقترحوا اسم رئيس الحكومة، والكلمة الفصل هي للمجلس وحده، عند عرض الحكومة بكامل أعضائها على الجلسة العامة».
إلا أن الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، يؤكد أن «نجاح حكومة الفخفاخ سيكون نجاحاً لكل الأطراف، وخاصة رئيس الجمهورية، الذي سيتحمل جزءاً من المسؤولية السياسية في حال فشل الحكومة، لأنه هو من اختار الشخصية المكلفة بتكوينها واختيار وزرائها».
المصدر:عربي بوست