سروال السلطة التشريعيّة: قراءة صامتة
اِستيقظت يوم الأربعاء متأخّرا، وفي شاشة تلفازي الصامت منذ أيّام لعطب في جهازه الصوتي نائب طبيب بالبرلمان، فهمت من علامات وجهه وتوتّره البادي من حركاته أنّ الأمر مستعجل خطِر، حاولت أن أفهم ما يجري وكورونا يهدّد الأخضر واليابس، فإذا بالسيّد النائب يرفع سروالا أسود ممزّقا يريه للعالم على المباشر، فهمت، وأنا الباحث في اللغة السيميائيّات، من حركاته واستعراضه للسروال الأسود الممزّق أنّ الكورونا يهاجم السروال الأسود وينخره كما يهجم السوس على الخشب، قفزت لثقتي في السادة النوّاب والأطبّاء من فراشي هلِعا، وسارعت بوضع قفازات تفقّدت بها سراويلي السوداء وحتى الرماديّة، فإذا هي سالمة لم ينخرها الكورونا، فسارعت بوضعها في آلة الغسيل وقد زدت في مسحوق الغسيل وسرّعت في اشتغال الآلة.
سارعت الخطى أجدّد المشاهدة لأرى التهاني بالاكتشاف التاريخيّ وأذني على الشارع لأنصت إلى مزامير السيارات وزغردة النسوة وصياح فرح الأطفال، فإذا بالجلسة منقطعة ونوّاب يهرولون خارج القاعة يلامسون سراويلهم السوداء، عرفت بسليقتي أنّهم يسارعون بالخروج حياء من نزع سراويلهم على المباشر، “فالنائب أخلاق أو لا يكون”، وفهمت من إشارات نوّاب يمشون في زهوّ وافتخار مشيرين بأياديهم إلى أعلى أنّهم في حماية ربّانيّة، ورأيت آخر يلامس قميص زميلته الأسودَ، فهمت أنّه يدعوها للتخلّص منه، فما يصيب الرجال قد يصيب النساء. سارعت وقد تذكّرت قبّة البرلمان العزيزة الشامخة، بغلق التلفاز حتّى لا أرى السلطة التشريعيّة دون سروال يداري عورتها.
تبيّن لي بعد إعادة المشهد على اليوتيوب أنّ السلطة القضائيّة في هذه الحادثة يجب أن تكون ناصعة البياض تحقّق في كلّ ما هو أسود، وأنّ “قرايتي” وبحوثي السيميائيّة أطاحها هذا السروال في الماء، الشيء الوحيد الذي رفع معنوياتي أنّي تعلّمت، والعلم نور، أنّ الأصل في اسم كورونا هو كورينا أو كُرْنا.
- بقلم الدكتور توفيق العلوي، الاستاذ الجامعي والكاتب ، المدير العام السابق لمعهد تونس للترجمة