رحيل الشاذلي القليبي:لم يكن مغامرا سياسيا ولكنه حمى المبدعين والمثقفين
توفي فجر اليوم الشاذلي القليبي المؤسس الفعلي لوزارة الثقافة والتي اشرف عليها في ثلاث مناسبات ، من 1961 الى 1970 ثم من عام 1971 الى سنة 1973 ومن عام 1976 الى 1978
وعلى يديه تاسست ايام قرطاج السينمائية بادارة الطاهر شريعة عام 1966، وكان مبرمجا ان تكرم الايام هذا العام الشاذلي القليبي
وما لا يعرفه كثيرون ان الشاذلي القليبي حضر عرض فيلم حكاية بسيطة كهذه لعبد اللطيف بن عمار في المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1971 بل وشارك في نقاش الفيلم مع الصحافة العالمية
ويشهد بن عمار أن أحد الصحافيين سأل الشاذلي القليبي على هامش فيلم”حكاية بسيطة كهذه” احدى الشخصيات تقول في الفيلم “لا توجد حريات في هذه البلاد ” فما هو رأيكم؟
اجاب القليبي” ردي واضح،أنا حاضر بينكم، و لقد اتيناإليكم بفيلم يقول مخرجه لا توجد حريات في بلده، ألا يكفي ذلك ؟
فصفق الحاضرون
وعلى الرغم من نصائح المستشارين الرافضة لافلام عبد اللطيف بن عمار “سجنان” و”حكاية بسيطة كهذه” و”عزيزة” فإن الشاذلي القليبي كان في كل مرة يأمر بدعم الفيلم ايمانا منه بقيمة عبد اللطيف بن عمار كسينمائي
ويضيف عبد اللطيف بن عمار انه اضطر الى مغادرة البلاد هو ولطفي العيوني –مدير تصوير حكاية بسيطة كهذه- بعد فيلم”حكاية بسيطة كهذه” الى كندا بعد ان ضيق عليهما الرئيس المدير العام للساتباك وقتها توفيق الترجمان –زوج بنت وسيلة بورقيبة- ولكن الشاذلي القليبي استغل فرصة زيارة له الى كندا عام 1972 وطلب منها العودة الى تونس من باب الواجب ورد الجميل الى تونس قائلالبن عمار “ارجع لتونس ونوريك داري وينّ، كسر باب الدار اذا ما نجاوبكش”
وقال عبد اللطيف بن عمارباكيا” يا توانسة اقبلوا العزاء في بوكم”
واضاف بتأثر”لقد حضر عرض آخر افلامي النخيل الجريح في قمرت وطلب مني ان ادعو منى نور الدين ”
صحيح ان الشاذلي القليبي لم يكن مغامرا ولم تعرف له مواقف حادة وصريحة في الدفاع عن الحريات ولكنه حمى الفنانين والمثقفين وفتح لهم الابواب عندما كانت”ساقيه في الركاب”
وهو من اختار تلميذه في معهد كارنو حمادي الصيد رئيسا مديرا عاما للساتباك ثم الحقه بالجامعة العربية مديرا لمكتبها بباريس
ولعل تجربة بورقيبة-القليبي استعادة بشكل من الأشكال للثنائي ديغول –مالرو فقد كان مالرو يقدم مقترحات خطب الرئيس الفرنسي كما فعل القليبي مع بورقيبة في عدد من المناسبات ذلك ان بورقيبة لم يكن يرتاح للخطب المكتوبة وكان يعول على ارتجاله وصوته وقدراته التعبيرية لاقناع جمهوره
وبانتقال جامعة الدول العربية الى تونس عام 1979 تم اختيار الشاذلي القليبي اميناعاما لها، وكان يحظى في السنوات الاولى من عهدته بالترحاب حيثما حل باعتبار دعم بورقيبة له ، ومكانة تونس الاقليمية والدولية في تلك الحقبة
احد الشهود على تلك المرحلة يخبرنا بان بعض حكام الخليج باتوا يتعاملون ببرود مع الشاذلي القليبي نهاية الثمانينات، ثم كانت اللحظة الحاسمة في القمة العربية الطارئة التي دعت اليها مصر وانتظمت يومي9-10اوت1990
اجتمع الزعماء العرب للنظر في غزو العراق للكويت-2اوت1990- قمة تغيب عنها صدام حسين ونابه طه ياسين رمضان وطارق عزيز،
كان من الواضح ان القرارات كانت جاهزة فلم ينتظم اجتماع وزراء الخارجية كما جرت العادة، وخلافا لميثاق الجامعة الذي ينض على اتحاذ القرارات بالاجماع ، فرض رئيس القمة حسني مبارك على المشاركين المرور الى التصويت لينقسم القادة العرب، فقدصوتت 12دولة مع ادانة الغزو العراقي في ما تحفظت او امتنعت 8دول من بينها تونس والجزائر وليبيا واليمن والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية
الزعيم الليبي معمر القذافي عبر عن سخطه على الامين العام للجامعة قائلا له بغلظة”يا سي الشاذلي لماذا لم تقل للرئيس مبارك ان قرارات الجامعة تتخذ بالاجماع ؟ “ثم نهره قائلا” امشي” وكررها اكثر من مرة
ويرى مراقبون ان تلك القمة بررت العدوان الأمريكي على العراق
وغداة القمة المشؤومة استقال الشاذلي القليبي واختار الابتعاد عن اي نشاط سياسي رسمي
ولكنه قبل دعوات الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذين كان يستشيره في سنوات حكمه الاولى دون صفة رسمية هو واخرين من ابرزهم وزير خارجية بورقيبة الهادي المبروك ومنصور معلى في عدد من الملفات
واحد ممن عرفوا الراحل يشهد لنا بأن سي الشاذلي كان كتوما ومتحفظا ولذلك بقيت عدة مواقف يتبناها بعيدة عن التداول فهو مثلا من انصار سياسة احمد بن صالح في التعاضد وظل مؤمنا بها حتى وفاته
كما انه من دعاة فكر اسلامي معتدل ولكنه كان حذرا فللحيطان آذان واخبار الناس عند الناس وخاصة في بلاد مثل بلادنا
*محمد بوغلاّب