المهندس الذي رفض ان يكون وزيرا
نشر كاتب الدولة السابق للموارد المائية عبد الله الرابحي نصا يعدد فيه خصال رجل سخر حياته لقضية الماء وهو كاتب الدولة السابق عامر الحرشاني اطال الله عمره
يقول عبد الله الرابحي الذي لم تر حكومة الصدق والوضوح مكانا له بينها:
من غير المقبول ان لا اتناول سيرة رجل اعطى الكثير لقطاع المياه بتونس :عامر الحرشاني
سخر حياته كلها يتنقل بين الاودية والشعاب ليلا نهارا بحثا عن المكان الانسب لمشروع سد او للاطلاع على جيولولوجيا المكان. عدا سدود ملاق بيريرا وبني مطير ، كل السدود التي انجزت او التي هي بصدد الانجاز وعددها اربعون كان لديه فيها نصيب كبير .
ولد في بلاد ابن شباط بالجريد، تخرج من مدرسة المهندسين بقرونوبل بفرنسا وكان لسعد بن عصمان رحمه الله قائدا اختاره ليكون ضمن النواة الاولى لقطاع المياه.
تخرج على يديه سواء كمدرس بالجامعة او كمدير عام للسدود او ككاتب دولة جيل كامل من الاطارات السامية.
سمي في خطة كاتب دولة مكلفا بالمياه في 12 افريل 1988 في حكومة الهادي البكوش الثانية .اشتغل في هذا المنصب لمدة سبعة عشر سنة محطما بذلك رقما قياسيا لعضو حكومة قبل وبعد الثورة رغم انه كان غير منتم سياسيا .استغل مع ثمانية وزراء فلاحة وهم لسعد بن عصمان ، صلاح الدين بن مبارك ، النوري الزرقاطي رحمهم الله، المولدي الزواوي، امحمد بن رجب، مبروك البحري، الصادق رابح والحبيب الحداد.
ولولا الخصال العالية لهذا الرجل لما امكن له الصمود طيلة هذه الفترة، ولقد كان لجيلي استاذا وقائدا وابا . قساوته حلاوة واصراره على النجاح في خدمةالمصلحة العامة جلبت له التقدير وطنيا وعالميا الى غاية اليوم.كانت زيارته الميدانية حين كنت اشتغل كرئيس دايرة بقفصة اواخر الثمانينات اولى المحطات في طريق طويل قادتني الى عديد الولايات تمكنت من الاستفادة من نصائحه التي لا يبخل بها .استدعاه رئيس الدولة ليقترح عليه خطة وزير ، فاعتذر بكل لطف راجيا ان يعفيه ليتفرغ اكثر لقطاع المياه قائلا بكل ديبلوماسية
” سيدي الرئيس انا كالسمكة ان خرجت من الماء اموت” .لقد بقي الى يومنا هذا مسديا للنصائح ، مشاركا في كل الاستشارات بدون مقابل.
حين كنت على راس كتابة الدولة لا يمر اسبوع دون ان يهاتفني موجها او ناصحا او مستفسرا.الى جانب خبرته في الميدان والتي جلبت له الاحترام فهو رجل دولة مثالي ورجل افتقدت تونس امثاله في هذا الزمان ليسندها حتى تخرج من الكرينتي. انجازاته في قطاع المياه لا تحصى ولا يتسع المقام لذكرها ويمكن ان اذكر ان سي عامر الحرشاني هو من كان على اللجنة التي اوصت بانجاز ملعب رادس في المكان الحالي.
تحية لاطلس المياه وصانع المخططات المديرية والدراسات الاستراتيجية وهو من اشرف على حماية تونس من الفياضنات. كم اتمنى ان يحضى علماؤنا امثال سي عامر باكثر اهتمام من وسائل الاعلام في وقت اصبحت التفاهات تتصدر المشاهد.سي عامر خلق اجيالا وعلمها وهي الان تشتغل كخبراء في افريقيا والخليج والمغرب والجزائر. المشرف على المياه بافريقيا في افق 2050 هو من تلامذة سي عامر ، المستشارون في عديد الدول للوزراء هم ابناء سي عامر ، الخبراء في البنك العالمي والافريقي هم خريجي مدرسة سي عامر .انا اعرفهم بالاسم ولا اريدذكرهم خوفا من نسيان احدهم. اكاد اجزم ان لسي عامر مساهمة في كل قطرة ماء تنزل من الحنفية . ان شاء يحفظلنا سي عامر ويجازيه على كل ما قام به لهذا البلد وان شاء كل منا لا يضيع ما ضحى من اجله هذا الجيل.
معذرة سي عامر لاني اعرف انك لا تريد الاضواء واعتبر ذلك كلمة حق من تلميذ في حق استاذه بعد ان اتممت عملي وكانت اخر محطة فيها هي جلوسي على نفس الكرسي الذي جلست عليه طيلة 17 سنة وفي نفس المكتب ، لم اشعر خلالها باني قمت ولو بواحد في الالف مما قمت به انت.اللهم يرزقك الصحة وطول العمر.