بعد تكليف هشام المشيشي.. اتهامات لقيس سعيّد بـ”انكار الدستور”
جاء تكليف هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة في تونس خارج مقترحات الأحزاب السياسية المشاركة في السلطة، بيد أن الرئيس سعيّد رأى فيها “عودة للشرعية” والمعارضون “إنكاراً للدستور”.
فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء السبت (26 جويلية 2020) جميع الأحزاب السياسية وخاصة حزب النهضة بتعيينه هشام المشيشي لتشكيل حكومة جديدة الذي لم يكن ضمن الأسماء المقترحة من قبل الأحزاب التونسيّة الموجودة في السلطة.
غير أن اختيار سعيّد وقع على رجل القانون وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، في مهمّة يتعيّن عليه إنجازها خلال شهر في مناخ سياسي متوتّر. وفي كلمته إلى المشيشي، بحسب شريط فيديو نشره الموقع الرسمي لرئاسة الجمهوريّة، يقول الرئيس سعيّد إنّه “بعد النّظر والتعمّق وقراءة كلّ الأوضاع، كلّفتكُم هذا اليوم طبقاً للفصل الـ 89 من الدستور، وبعد إجراءات المشاورات كما نصّ على ذلك الفصل المذكور، (..) بتشكيل الحكومة”.
وفي أولى التعليقات الصادرة عن الأحزاب التونسية على قرار الرئيس، عبّر رئيس كتلة إئتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، عن امتعاضه من أن “مصير الاستشارات الورقية بخصوص رئيس الحكومة كان سلة مهملات القصر، مشدداً على أنّ رئيس الجمهورية “تحوّل إلى عبء حقيقي على الانتقال الديمقراطي في تونس وينكر فعلياً الدستور والنواب والأحزاب”، وفق ما نقل موقع قناة “نسمة” التونسية عن مخلوف. لكن مواقع تونسية أخرى أشارت إلى أن قيس سعيد تعمد تجنب الأسماء المقترحة خاصة من قبل حزب النهضة، واعتمد على وجه الخصوص على أسماء تحظى بثقته شخصياً.
“حان الوقت للعودة إلى الشرعية”
عند تكليفه المشيشي كان سعيّد قد شدد على أن الوقت حان لمراجعة “الشرعية” في البلاد، في إشارة إلى النظام السياسي القائم. وقال الرئيس التونسي: “الشرعية نحترمها، لكن آن الأوان حتى تكون تعبيراً صادقاً عن إرادة الأغلبية”.
ويقصد الرئيس ضمنياً نسبة انتخابه التي فاقت 70 بالمئة في انتخابات الرئاسة 2019 وبعدد أصوات فاق أصوات الأحزاب مجتمعة في الانتخابات التشريعية في العام ذاته.
ومن بين المقترحات التي ناقشها سعيد في حملته الانتخابية مراجعة النظام السياسي من أجل الذهاب إلى نظام رئاسي لتعزيز صلاحيات الرئيس والحد من تشتت السلطات بين البرلمان والحكومة والرئاسة.
ويمنح النظام السياسي في تونس الذي يمزج بين الرئاسي والبرلماني، حزب الأغلبية في البرلمان اختيار مرشحه لتشكيل الحكومة، وهو ما حصل مع حزب “حركة النهضة الإسلامية” الفائزة بانتخابات 2019.
وفشل مرشح النهضة الحبيب جملي في نيل ثقة البرلمان في جانفي الماضي بعد استنفاد الآجال القصوى في الدستور، وجرى نقل المبادرة السياسية إلى الرئيس بحسب الدستور، الذي اختار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ ليتولى مهامه في فيفري الماضي.
ويمنح الدستور رئيس الجمهورية صلاحية اختيار “الشخصية الأقدر” في هذه الحالة بغض النظر عن ترتيب الأحزاب في البرلمان.
من هو هشام المشيشي؟
يخلف المشيشي، المحامي البالغ من العمر 46 عاماً، في هذا المنصب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي استقال في وقت سابق من الشهر الحالي. وقبيل منصبه كوزير للداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، شغل المشيشي أيضاً منصب المستشار الأوّل للرئيس سعيّد للشؤون القانونيّة.
كما كان رئيساً للديوان في وزارات النقل والشؤون الاجتماعيّة والصحّة. وبعد تشكيل الحكومة المنتظرة، يتعيّن المشيشي الحصول على ثقة البرلمان بالأغلبيّة المطلقة، وإذا فشل في ذلك، يمكن لرئيس الدولة حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر.
وخلال الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في أكتوبر، حلّ حزب النهضة الاسلامي أوّلاً، لكنّه فشل في الحصول على الغالبيّة، إذ حصد 54 مقعداً من أصل 217، ووافق في نهاية المطاف على الانضمام إلى حكومة ائتلافيّة.
وتزامن تكليف المشيشي أمس السبت بالذكرى الثالثة والستّين لإعلان الجمهوريّة التونسية الذي تمّ فيه إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري سنة 1957.
كما صادف التكليف الذكرى السنويّة الأولى لوفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، أوّل رئيس تونسي منتخب بالاقتراع العام المباشر عام 2014 والذي توفّي قبل أشهر من انتهاء ولايته عن عمر ناهز 92 عاماً.
وضع اقتصادي خانق
ووسط الاحتقان السياسي الراهن، نشرت الرابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان أول أمس الجمعة بياناً اعتبرت فيه أنّ الحكومات المتعاقبة لم تنجح في وضع سياسة إنمائيّة قادرة على التخفيف من البطالة والاختلالات بين المناطق والتضخّم المالي والعجز التجاري.
وتواجه تونس بفعل تدابير جذريّة لاحتواء فيروس كورونا المستجدّ، التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لإغلاق حدودها، إذ باتت آلاف الوظائف على المحكّ، بينما يتفاقم الغضب الشعبي بسبب غياب الآفاق ومعدل بطالة يفوق 30 بالمئة في بعض المناطق. وكانت مناطق في جنوب البلاد قد شهدت في الأسابيع الأخيرة، احتجادات قوية ضد ما وصفت بسياسات التهميش.