في منتصف جويلية الماضي، وقعت مناوشات بين فرقاطة فرنسية وسفينة تركية تهرب أسلحة إلى ليبيا، منتهكة بذلك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وكاد أن يتطور الأمر إلى اشتباك مسلح بين الطرفين، لولا انسحاب الفرقاطة الفرنسية، هذه المواجهة لم تكن بين خصوم ولكن حليفين في الناتو، أقسما على حماية بعضهما البعض، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
لم تكن هذه المواجهة الوحيدة بين تركيا وعضو في الناتو، فقبل أسبوعين، وقعت مواجهة معادية مماثلة بين تركيا واليونان، عندما حلقت الطائرات الحربية التركية فوق منطقة قريبة من جزيرة رودس اليونانية، كما حاولت السفن التركية التنقيب عن الغاز في المياه اليونانية.
ويرى دبلوماسيون أوروبيون أن تحركات تركيا الواضحة للجميع، أصبحت مثل “الفيل في الغرفة” (مثل أنكليزي للدلالة على مشكلة تتفاقم بسبب عدم معالجتها) بالنسبة للناتو، لكنها مسألة لا يريد سوى عدد قليل من الأعضاء مناقشتها، ويشير المسؤولون إلى أن تركيا عضو كبير في الناتو منذ عام 1952، ودولة قوية واستراتيجية بالنسبة لهم فهي مفترق طرق بين أوروبا وآسيا.
ورفضت تركيا أي انتقاد لسلوكها ووصفه بأنه غير مبرر، لكن بعض سفراء الناتو يعتقدون أن تركيا تمثل الآن تحديًا مفتوحًا لقيم التحالف الديمقراطية ودفاعها الجماعي.
معضلة كبيرة
وأكدت الصحيفة أن تركيا الأكثر عدوانية تتعارض بشكل متزايد مع حلفائها الغربيين حول ليبيا وسوريا والعراق وروسيا وموارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أن استبداد إردوغان بالحكم يسبب القلق لدى الأعضاء الآخرين.
من جانبه، قال فيليب غوردون، مستشار السياسة الأميركية الخارجية ومساعد وزير الخارجية السابق الذي تعامل مع تركيا خلال إدارة الرئيس باراك أوباما: “من الصعب وصف تركيا بأنها حليف للولايات المتحدة”.
وأضاف: “لا يمكنك تحديد السياسة الأميركية تجاه تركيا، ولا يمكنك حتى رؤية مكان الرئيس دونالد ترامب. إنها معضلة كبيرة لسياسة الولايات المتحدة، حيث يبدو أننا نختلف استراتيجيًا حول كل قضية تقريبًا.”
هذه الانقسامات الاستراتيجية في تزايد، وهي تشمل دعم تركيا لمختلف الجماعات المسلحة في سوريا، وشرائها لمنظومة الدفاع الروسية إس -400 رغم اعتراض أميركا وأعضاء الناتو، وانتهاكها لحظر الأسلحة في ليبيا، والتنقيب عن البترول في شرق البحر المتوسط.
وقال نيكولاس بيرنز، سفير الناتو السابق في هارفارد، إن التحركات التركية تعطل سياسة التحالف، فقد وقفت شراكات التحالف مع إسرائيل والإمارات ومصر وأرمينيا بسبب خلافها معهم.
وأشار إلى أن الأخطر من ذلك أن تركيا منعت لعدة أشهر خطة الناتو للدفاع عن بولندا ودول البلطيق، كما تريد تركيا من حلف الناتو أن يضع مختلف الجماعات الكردية المسلحة، التي حاربت من أجل استقلالها، كمجموعات إرهابية ، على الرغم من كونها أفضل حليف لواشنطن في محاربة داعش في سوريا والعراق.
كان من المفترض أن يتم التوصل إلى صفقة في اجتماع قمة الناتو الأخير في ديسمبر في لندن حول شراء أنقرة منظومة الدفاع الرئيسية من روسيا، لكن تركيا خلقت تعقيدات بيروقراطية، ويخشى أعضاء الناتو أن المنظومة ستضع المهندسين الروس داخل نظام الدفاع الجوي لحلف الناتو، مما يمنحهم فرصة لرؤية نقاط قوة الحلف.
الموت الدماغي
وصرح دبلوماسي أوروبي، للصحيفة الأميركية: “في كل مرة نناقش فيها ملف روسيا في الناتو، يفكر الجميع في منظومة S-400 ولا أحد يقول أي شيء. إن هذا الموضوع يشكل خرقا كبيرا في منظومة الدفاع الجوي للناتو، ولم يتم حتى مناقشته”.
أما عن تحركاتها في ليبيا، أفادت أماندا سلوات، نائب مساعد وزير الخارجية السابق الذي تعامل مع تركيا في وزارة الخارجية الأميركية باراك أوباما وكتبت مقالة أخيرة مع غوردون، أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ليس لديهما سياسة واضحة بشأن هذه التحركات.
وبالرغم من كل هذه الانتقادات واصلت تركيا تحركاتها للدفاع عن مصالحها الخاصة في شمال سوريا حيث لديها الآن أكثر من 10 آلاف جندي هناك، وفي ليبيا، ساعد دعمها العسكري لحكومة الوفاق في تحويل اتجاه الحرب مقابل الحصول على حصة في موارد الطاقة هناك.
بدوره، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات سابقة، حلف الناتو بأنه يمر بحالة “موت دماغي” بسبب عدم قدرتها على كبح جماع تركيا أو التصرف بطريق سياسية منسقة.