في أعقاب حكم محكمة دولية مختصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ارتفعت مطالب لبنانية وإقليمية بتنفيذ العدالة، وتحديداً بمعاقبة منظمة حزب الله، التي أدانت المحكمة أحد أعضائها بمسؤوليته عن التفجير.
دعا رئيس وزراء لبنان السابق، سعد الحريري، الثلاثاء (18اوت 2020) إلى ضرورة “تنفيذ العدالة” بعد أن أدانت المحكمة الخاصة بلبنان المدعومة من الأمم المتحدة عضواً من جماعة حزب الله في اغتيال والده عام 2005، قائلاً إن الجماعة التي تساندها إيران يجب أن “تضحي”.
وفي وسط بيروت، وقف أفراد أسرة الحريري وأنصاره أمام قبره في انتظار ابنه سعد ليتحدث عن حكم المحكمة التي انعقدت في لاهاي بهولندا. وقال الحريري: “للمرة الأولى بتاريخ الاغتيالات السياسية العديدة التي شهدها لبنان، عرف اللبنانيون الحقيقة”.
وأضاف: “أهمية هذه اللحظة التاريخية هي رسالة لمن ارتكب هذه الجريمة الإرهابية وللمخططين الذين وراءهم بأن زمن استخدام الجريمة في السياسة من دون عقاب ومن دون ثمن انتهى“.
وفي إشارة إلى تصريحات زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قبل المحاكمة أشار فيها إلى أن جماعته ليست معنية بقرارات المحكمة، قال الحريري: “كل اللبنانيين .. معنيون”.
وبعد الإدانة، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وهما حليفان لحزب الله، إلى الوحدة.
من جانبه، أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن أمله فى أن يشكل حكم المحكمة معبراً لإحقاق العدالة “وإرساء الاستقرار، كما كان يحلم الرئيس الشهيد، ليخرج الوطن من هذه المحنة قوياً ومتماسكاً بوحدته الوطنية وسلمه الأهلي وعيشه الواحد”، حسب ما جاء في بيان الثلاثاء.
هذا ودعت السعودية الثلاثاء إلى “معاقبة حزب الله وعناصره الإرهابية” بعد صدور قرار الإدانة. وذكرت وزارة الخارجية السعودية في بيان أن المملكة ترى في الحكم القضائي “ظهوراً للحقيقة وبداية لتحقيق العدالة بملاحقة المتورطين وضبطهم ومعاقبتهم”، داعية “لتحقيق العدالة ومعاقبة حزب الله وعناصره الإرهابية”.
وأضافت أن السعودية تتطلع “إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين بدون استثناء”.
كما عقبت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الحكم الصادر في قضية الحريري بالقول إن حزب الله “ارتهن مستقبل الشعب اللبناني”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان: “حكم المحكمة التي حققت في مقتل رئيس الوزراء الحريري والذي تم الإعلان عنه اليوم واضح لا لبس فيه. إن جماعة حزب الله الإرهابية وأفرادها متورطون في جريمة القتل وعرقلة التحقيق”.
وفي بريطانيا، ذكر وزير الدولة للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي الثلاثاء أن إدانة عضو في جماعة حزب الله اللبنانية بالتآمر لقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في تفجير عام 2005 خطوة نحو تحقيق العدالة.
وكتب كليفرلي على “تويتر”: “بينما تصدر المحكمة الخاصة بلبنان حكمها، فإن قلوبنا مع المتضررين من هجوم بيروت 2005، وهو حدث مؤلم آخر في تاريخ لبنان”.
وأضاف: “حكم اليوم خطوة نحو العدالة. لا بد من محاسبة من يرتكبون مثل هذه الفظائع”.
المحكمة: لا دليل على تورط سوريا وقيادة حزب الله في اغتيال الحريري
خلال جلسة النطق بالحكم في قضية اغتيال الحريري، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنه “ليس هناك دليل” على تورط سوريا وحزب الله في الاغتيال، كما أفادت بـ”عدم كفاية الأدلة” ضد ثلاثة متهمين من أصل أربعة.
بدأت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اليوم الثلاثاء (18 اوت) جلسة النطق بالحكم بحق المتهمين الأربعة في قضية التفجير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و21 آخرين في عام 2005. ويحضر رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري جلسة النطق بالحكم في قضية اغتيال والده، والتي بدأت الساعة 11,00 (9,00 ت غ). وبسبب وباء كوفيد-19، أعلنت المحكمة أن الحكم “سيتلى من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت”.
“لا دليل على تورط سوريا وحزب الله”
وخلال جلسة النطق بالحكم، أفادت المحكمة بأنه لا يوجد دليل على تورط سوريا أو قيادة حركة حزب الله بصورة مباشرة في اغتيال الحريري. وأشارت المحكمة إلى أنها ترى أن سوريا وحزب الله ربما كان لديهما دوافع للتخلص من الحريري وبعض حلفائه السياسيين، إلا أنه “ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها أي دور في اغتيال السيد الحريري وليس هناك دليل مباشر على تورط سوري فيها”.
وقالت قاضية إن المتهم الرئيسي في قضية اغتيال الحريري كان عضواً في جماعة حزب الله واستخدم هاتفاً محمولاً يقول ممثلو الادعاء إنه كان محورياً في الهجوم.
وأضافت القاضية ميشلين بريدي وهي تقرأ ملخصاً للحكم الصادر في 2600 صفحة أن المحكمة الخاصة بلبنان “مطمئنة بدرجة لا تدع مجالاً لشك منطقي” إلى أن الأدلة تظهر أن سليم عياش استخدم الهاتف. وقالت: “أكدت الأدلة أيضاً أن السيد عياش كان ينتسب لحزب الله”. ويواجه عياش اتهامات بشن هجوم إرهابي وبالقتل واتهامات أخرى.
وفي حين لم يصدر القضاة بعد حكماً بشأن إدانة عياش أو تبرئة ساحته، أعلنت المحكمة “عدم كفاية الأدلة” ضد ثلاثة متهمين في قضية اغتيال الحريري.
وكانت المحكمة التي تتخذ من لايدشندام قرب لاهاي مقراً، أعلنت إرجاء إصدار حكمها الذي كان مقرراً صدوره في السابع مناوت “احتراماً للعدد الكبير من الضحايا” في انفجار بيروت الذي أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 177 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح.
وتستند المحكمة الى القانون الجنائي اللبناني، وهي “الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها”. وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءاً منها.
في 14 فيفري 2005، قتل الحريري مع 21 شخصاً وأصيب 226 آخرون بجروح في انفجار استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق في وسط بيروت.
وباستثناء مصطفى بدر الدين، القائد العسكري السابق لحزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيء عن مكان وجودهم.
وأسندت للمتهمين الأربعة سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا اتهامات عدة أبرزها “المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمداً، ومحاولة القتل عمداً”. وكان بدر الدين المتهم الرئيسي في القضية وكان يعتبر “العقل المدبر” للاغتيال، لكن المحكمة توقفت عن ملاحقته بعد تأكد مقتله.
وتتهم المحكمة عياش (56 عاماً)، الذي قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله، بقيادة الفريق المُنفّذ للعملية. ويحاكم كل من عنيسي (46 عاماً) وصبرا (43 عاماً) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدعي المسؤولية باسم جماعة وهمية. ووُجهت لمرعي (54 عاماً) اتهامات بالتورط في العملية.
ويواجه المتهمون، في حال تمت إدانتهم، احتمال السجن المؤبد. وسيُتلى حكم العقوبة في جلسة علنية منفصلة عن جلسة النطق بالحكم. وأوضح متحدث باسم المحكمة أنه “إذا كان الشخص المدان طليقاً وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة، تصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف بحقه”.
ويحق للادعاء والمدان استئناف الحكم أو العقوبة. وفي حال توقيف أحد المتهمين يجوز له أن يطلب إعادة محاكمته. ولا يعني النطق بالحكم او العقوبة انتهاء عمل المحكمة، كونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش في ثلاث اعتداءات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.
وخلال المحاكمة، قال الادعاء إن الحريري اغتيل لأنه كان يُشكل “تهديداً خطيراً” للنفوذ السوري في لبنان الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية وترتبط قواه السياسية بدول خارجية.
ويقر المدعون بأن القضية تعتمد على أدلة “ظرفية” لكنهم يجدونها مقنعة، وتعتمد أساساً على تسجيلات هواتف خلوية قالوا إنها تبين مراقبة المتهمين للحريري منذ استقالته وحتى الدقائق الأخيرة قبل التفجير.
وورد في القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة أنه يقوم على “الاستنتاج والاستدلال المنطقيين”، بحسب نص القرار بالعربية، وأبرزها “التلازم المكاني” لسلسلة طويلة من الاتصالات الهاتفية التي أجراها المتهمون من هواتف محمولة عدة.
ويأتي صدور الحكم في ظروف بالغة الصعوبة بعد انفجار العاصمة اللبنانية التي تسببت باستقالة الحكومة، وصعدت التحركات الاحتجاجية ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والإهمال في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان.
وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلاً وانقساماً في لبنان. وأكدّ سياسيون ومقربون من سعد الحريري خلال الساعات الأخيرة أن هذا الأخير طلب من أنصاره في لبنان التزام الهدوء مهما كان مضمون الحكم، مشدداً على أهمية حفظ الاستقرار الأمني في لبنان.