أثارت تقارير متضاربة لصحيفة “إسرائيل اليوم” جدلا داخل الأوساط الفلسطينية السياسية والشعبية بعدما نقلت عن السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، قوله إن واشنطن تفكر في استبدال الرئيس الفلسطيني، بالقيادي المفصول من فتح محمد دحلان. الصحيفة الإسرائيلية عادت بعد نحو 9 ساعات، وعدّلت التصريح.
ففي البداية، نقلت الصحيفة أمس الخميس (17 سبتمبر/ )عن فريدمان، قوله إن واشنطن تدرس إمكانية تعيين دحلان المقيم في الإمارات، كزعيم فلسطيني بدلا من الرئيس عباس وأكد “نحن نفكر في ذلك، لكن ليست لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية”. ثم عدّلت الصحيفة الحوار، وجعلته ينفي وجود نية لواشنطن بتغيير القيادة الفلسطينية.
وبالرغم من هذا التعديل إلا أن العديد من الخبراء والمراقبين الفلسطينيين، أكدوا على خطورة هذا التصريحات، بالرغم من تعديلها لاحقا، معتبرين أنها بالون اختبار من أجل فحص القبول الشعبي لهذا التغيير.
وفي حديث مع DW عربية أكد الباحث في الشأن الفلسطيني والمقيم في ألمانيا حكم عبد الهادي من خطورة تقليل هذه التصريحات، وقال:”علينا ألا نستهتر بالمشروع الأمريكي-الإسرائيلي-الخليجي جزئيا فهو لا يصبو فقط إلى ابتلاع القضية الفلسطينية وإنما إلى السيطرة على الشرق الأوسط كله عسكريا بقوة إسرائيل وبدعم مالي خاصة من الإمارات والسعودية”. وتابع” من الواضح أن أمريكا لا تريد أن تضحي بعساكرها في هذه المنطقة التي سنشهد فيها حروبا كثيرة بالوكالة كما هو الحال في ليبيا”. وحذر عبد الهادي من أن أية محاولة لفرض دحلان من الخارج، ستؤدي إلى ثورة أو حرب داخل الساحة الفلسطينية، مؤكداً أنه يعتبر “جثة سياسية” داخل الضفة الغربية وغزة، بمعنى عدم قبوله شعبيا.
“الشعب يختار الرئيس”
الرئاسة الفلسطينية ندّدت، بتصريحات ديفيد فريدمان، وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، إن “سياسة التهديد والضغوط المستمرة ومحاولات الابتزاز الأمريكية للرئيس والقيادة، سيكون مصيرها الفشل”. وأكد على أن الشعب الفلسطيني وحده من يقرر قيادته وفق الأسس الديموقراطية، وليس عبر التهديد والوعيد. وقال “السلام لن يكون بأي ثمن، والتطبيع والضم الإسرائيلي لأراض في الضفة الغربية مرفوض تماماً”.
كما أعلنت حركة “حماس”، رفضها تصريحات فريدمان، مؤكدة في بيان تناقلته وسائل إعلام محلية رفضها استبدال القيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان بالرئيس محمود عباس. وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم لوكالة الأناضول إن “هذه التصريحات مرفوضة، وتؤشر على المنطق العنجهي الذي يحكم السياسة والموقف الأمريكي بمختلف القضايا”.
مدير مركز مسارات للأبحاث السياسية في رام الله هاني المصري أكد في حوار هاتفي مع DW عربية أن الولايات المتحدة تقصد بهذه التسريبات “الضغط على أبو مازن من أجل تعديل موقفه من صفقة القرن، ودفعه إلى جراء تغييرات على موقفه الرافض من الصفقة الأمريكية”. واستبعد المصري قدرة دحلان على فرض نفسه سياسيا مؤكدا أن دحلان حاليا خارج الجسم السياسي الفلسطيني، لذلك فإن محاولة إعادة انتخابه أو فرضه غير قابلة للتنفيذ حاليا.
ويرى الباحث من رام الله أن الأمكانية الوحيدة لدحلان هي موت الرئيس الفلسطيني، وحدوث صراع سياسي بعده، ما قد يمكن من طرح اسمه مستقبلا، بيد أن الباحث أكد أنها فرصة ضعيفة جدا وذلك لوجود آليات إيجاد بديل لعباس ضمن فتح وضمن السلطة الفلسطينية. وأوضح “الآليات لإيجاد بديل لعباس معروفة، وداخل فتح سيتم إيجاد بديل له من داخل اللجنة التنفيذية لحين حدوث انتخابات داخل الحركة”، وتابع: “بالنسبة للسلطة ونظرا لحل المجلس التشريعي الفلسطيني وهو بمثابة البرلمان، فمن المفترض أن يتدخل المجلس المركزي الفلسطيني والذي يمثل تجمع أعضاء اللجنة التنفيذية لفصائل منظمة التحرير لتحديد خليفة لعباس لحين حصول انتخابات رئاسية جديدة”.
محمد دحلان يندد
وكان محمد دحلان قد ندد على حسابة الرسمي بالخطة الأمريكية، داعيا إلى عدم الإنجرار إلى هذا “الخداع”، وقال: “إذا كان ما نسب للسفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال صحيحا، فذلك لا يزيد عن كونه تكتيكا مخادعا هدفه إرهاب البعض وزعزعة الجبهة الداخلية وأتمنى من الجميع أن لا نقع في شرك مثل هذه التكتيكات المهندسة بدقة”. وتابع “من لاينتخبه شعبه لن يستطيع القيادة وتحقيق الإستقلال الوطني وأنا محمد دحلان كلي إيمان بأن فلسطين بحاجة ماسة الى تجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة وذلك لن يتحقق إلا عبر إنتخابات وطنية شاملة وشفافة ولم يولد بعد من يستطيع فرض إرادته علينا”.
معضلة تجديد القيادة الفلسطينية
الباحث والكاتب الفلسطيني حكم عبد الهادي، قال إن السلطة الفلسطينية يقع على عاتقها أيضا جريرة ما حصل من إرباك في الشارع الفلسطين، مؤكدا أن عدم وجود نائب لعباس وقيادات منتخبة حقيقية تمثل الشعب الفلسطيني؛ جعل لهذه الدعوات الأمريكية صدى واسعا. وقال: “الشعب الفلسطيني من حقه إيجاد قيادة شعبية جديدة شابة، تحمل مشاكله، خاصة مع تبين فشل الخطة السياسية الفلسطينية والتي فشلت في إيقاف تطبيع دول عربية مع إسرائيل، وبدا واضحا عجزها عن فرض مناقشة هذا الأمر داخل أروقة الجامعة العربية”.
وكان مجلس الجامعة العربية في دورته العادية 154 علي مستوى وزراء الخارجية الأربعاء (التاسع من سبتمبر) قد اختتم فعالياته وسط خلافات عربية حول إدانة الاتفاق الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي بناء علي طلب فلسطين. ولم يتوصل وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الافتراضي بالدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية، إلى مشروع قرار بشأن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وسط مطالب فلسطينية برفض الاتفاق.
بيد أن الباحث هاني المصري يرى أن عباس “يتعمد حاليا عدم وضع خليفة له وذلك من أجل الضغط على أمريكا وإسرائيل سياسيا”، وقال المصري: “القيادة الأمريكية تدرك أن من سيأتي حاليا خليفة للرئيس الفلسطيني محمود عباس سيكون موقفه السياسي أضعف من عباس، وذلك لأمور كثيرة، أهمها عدم وجود قيادات وأحزاب قوية قادرة على فرض أجندتها داخل المجتمع الفلسطيني”. وتابع المصري: “مروان البرغوثي مثلا له شعبية لكنه معتقل لدى إسرائيل”. وأوضح: أمريكا لا تريد فرض قيادة جديدة حاليا ولا كانت طالبت ذلك بشكل صريح، هي لا تريد “أنطوان لحد” جديدا في المنطقة، بل تريد رئيسا له شعبية، ويكون قادرا على فرض أجندته من أجل الموافقة على الخطة الأمريكية، المتمثلة بصفقة القرن، وهذا غير متوفر حاليا”.
dw
علاء جمعة