قطار التطبيع يدهس الجميع، ماذا بقي امام الفلسطينيين؟
بوادر تقارب في واشنطن وعنف عسكري بين اسرائيل وقطاع غزة. وفي الوقت الذي وقع فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مع وزيري خارجية الامارات العربية المتحدة والبحرين على اتفاقية التطبيع، تم إطلاق 15 صاروخا من قطاع غزة على الارض الاسرائيلية. وقد رد سلاح الجو الاسرائيلي بهجمات على مواقع إطلاقها.
وفي الضفة الغربية بدا الفلسطينيون مترددين، كما يفيد ستيفن هوفنر، مدير مكتب مؤسسة كونراد أدناور في الاراضي الفلسطينية. فالوضع في الأيام الأخيرة كان هادئا بشكل مدهش. وفي رام الله حصلت احتجاجات صغيرة، حيث تجمع هناك في مهرجان خطابي حوالي 150 شخصا. “غالبية الناس توقعت الاتفاق. ويرون أن الانطباع تأكد بأن العالم العربي يهتم قليلا بالفلسطينيين”.
في هذا السياق لم تتمكن الدول الأعضاء في الجامعة العربية خلال اجتماعها الأخير من الاتفاق على شجب التقارب بين اسرائيل والامارات العربية المتحدة. ومطلب الفلسطينيين الداعي إلى فعل ذلك رفضته اللجنة. “وحتى هذا ساهم في تنامي شعور العزلة لدى الفلسطينيين”، كما يقول هوفنر.
وقد شجب الرئيس الايراني حسن روحاني بقوة اتفاقية التطبيع. “أين هي عروبتكم أين هو قلقكم من الجرائم (الاسرائيلية) في فلسطين وأين هي مشاعركم تجاه الإخوة الفلسطينيين؟”، يتساءل في صيغة بلاغية. وهذه النداءات تصل فقط إلى شرائح ضيقة داخل المجتمع الفلسطيني. “في الضفة الغربية تجد التصريحات من ايران اهتماما قليلا”، يقول ستيفن هوفنر. “صدى أكبر تجده في قطاع غزة حيث يتصور أشخاص من محيط حماس مثل الجهاد الاسلامي تحالفا أو على الأقل تقاربا مع ايران”. والشكوك السائدة في الضفة الغربية تقوم على التفكير القائل بأن ايران معزولة في أجزاء واسعة من العالم العربي وأنها تقع تحت نظام العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية. فكل تقارب مع الحكومة في طهران قد يجلب معه ضغطا مباشرا أو غير مباشر من واشنطن. وحتى في عواصم الاتحاد الأوروبي لن تلقى الاتصالات الفلسطينية الايرانية ترحيبا، ولاسيما المانيا سترد إذا ما توحد الفلسطينيون والايرانيون لتشكيل تحالف ضد اسرائيل.
وبدوره وجد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كلمات واضحة تجاه تقارب البحرين واسرائيل: “هذا القرار سيشجع اسرائيل على مواصلة نهجها غير القانوني ضد الفلسطينيين”. وكان اردوغان قد انتقد في وقت سابق قرار الامارات العربية المتحدة بالقول هذا “السلوك المنافق” لن “ينساه أبدا” سكان المنطقة. والتصريحات من أنقرة يكون لها صدى أفضل في أراضي الحكم الذاتي من تلك القادمة من طهران. “سلسلة من الفلسطينيين تعلق آمالها على تركيا”، يقول ستيفن هوفنر. “يرون فيها دولة لها ما يكفي من الثقل السياسي وتمثيل المصالح الفلسطينية بجدية”. لكن تركيا من ناحية السياسة الخارجية ملتزمة حاليا في كثير من الجبهات. ففي شمال سوريا تحارب المنظمات الكردية وفي البحر المتوسط يجمعها نزاع مع اليونان بسبب استغلال احتياطات الغاز وفي ليبيا تساند عسكريا رئيس حكومة الوحدة الوطنية، فائز السراج. وبالتالي يبقى مفتوحا إلى أي مدى هي تتوفر على موارد للالتزام إضافة إلى ذلك من أجل الفلسطينيين. كما أنه سيُنظر بعين الريبة داخل الاتحاد الأوروبي تجاه تقارب فلسطيني تركي. فالكثير من دول الاتحاد الأوروبي تبتعد عن أنقرة. والسبب في ذلك هو الخلاف مع اليونان وسياسة السماح للاجئين بالعبور عبر المتوسط وجعل أوروبا بهذه الطريقة تحت الضغط.
الأمل في روسيا وقطر
ونظرا للتغيرات السريعة في الشرق الأوسط يعلق الفلسطينيون آمالهم على دولتين إضافيتين وهما روسيا وقطر. فروسيا لها علاقات جيدة مع اسرائيل يمكن استغلالها، حسب الأمل في رام الله لخدمة المصالح الفلسطينية. واسرائيل بالنسبة إلى روسيا شريك هام في سوريا. فكلا البلدين ينشطان عسكريا في الأجواء السورية، وبالتالي فإن التنسيق الفني والاستراتيجي بين البلدين لا يمكن تجاوزه.
وحتى قطر التي دعمت قطاع غزة بملايين الدولارات، فعلت ذلك من خلال تنسيق وثيق مع اسرائيل. “هذا الالتزام يجعل الامارة في عيون الكثير من الفلسطينيين تظهر كوسيط في مفاوضات قادمة مع اسرائيل”، كما يقول هوفنر. لكن هذه الآمال لم تتحقق سياسيا إلى حد الآن.
تردد في الرياض
ولفترة طويلة اعتُبرت العربية السعودية في عيون الكثير من الفلسطينيين حليفا موثوقا، ولاسيما الملك سلمان الذي يُعتبر كمدافع شغوف عن المصالح الفلسطينية. وحقيقة أن يحتفظ ابنه، ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل القوي المقبل في المملكة بهذا التضامن، فهذا يبدو من المشكوك فيه. ففي العديد من المحادثات مع جاريد كوشنر، المندوب الخاص لحكومة ترامب للشرق الأوسط أبدى بن سلمان، حسب تقارير اعلامية تعاطفا مع الجهود الأمريكية الحالية لتطبيع العلاقة الاسرائيلية العربية. لكن ماتزال العربية السعودية تتجنب التحالف المفتوح مع اسرائيل. وعلى هذا الأساس ينظر الفلسطينيون بتحفظ في اتجاه الرياض. و80 في المائة من الفلسطينيين حسب استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية يعتقدون أن العربية السعودية أعطت الضوء الأخضر للأمارات من أجل تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وكذلك 82 في المائة يتوقعون أن تقوم المملكة السعودية في وقت منظور بنفس الخطوة مثل الامارات العربية المتحدة والبحرين.
انتقاذ ذاتي فلسطيني
وتبذل حركة فتح من جهة وحماس الحاكمة في قطاع غزة من جهة أخرى الجهود من أجل موقف مشترك يصب في قيادة مسؤولة عن جميع أراضي الحكم الذاتي. لكن إلى ذلك الحين الطريق ما يزال طويلا. كما أن هناك حاجة إلى اصلاحات مثل الانتخابات البرلمانية التي نُظمت آخر مرة في عام 2006 . وإذا أراد الفلسطينيون كسب تأثير أكبر في العالم العربي وجب عليهم تنفيذ اصلاحات داخل معسكرهم، كما كتبت صحيفة “الأيام” الصادرة في رام الله والمقربة من فتح. “فُرقتنا تشجع بعض البلدان على التراجع والوقوف ضد مصالح الشعب الفلسطيني”. وأوضحت الصحيفة أنه إذا أراد الفلسطينيون وقف هذا التطور، فوجب عليهم البدء داخل صفوفهم وإلا، وكما حذرت الصحيفة “سنخسر المزيد من التأثير وسنواجه عزلة أكبر”.