تبادلت أرمينيا وأذربيجان الأحد (27 سبتمبر 2020) الاتهامات بالتسبب بمواجهات دامية وقعت بين الجانبين على خلفية نزاع حول إقليم ناغورني قره باغ، أوقعت 23 قتيلا، في تطوّر يهدد باستدراج روسيا وتركيا إلى ساحة الصراع. وزادت أسوأ اشتباكات منذ العام 2016 احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين الدولتين اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على الإقليم.
أذربيجان تتهم أرمينيا
وفيما حمّلت تركيا، حليفة أذربيجان، يريفان مسؤولية تصاعد التوتر وتعهّدت تقديم “كل الدعم” لباكو، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن القوات الأرمينية انتهكت وقف إطلاق النار. وقالت إنها أطلقت “عملية مضادة لكبح أنشطة القتال الأرمينية وضمان سلامة السكان” باستخدام الدبابات والصواريخ المدفعية والطيران العسكري والطائرات المسيّرة.
كما أعلنت أذربيجان الأحكام العرفية وحظر التجول في باكو ومدن أخرى عدة، وأكدت أنها سيطرت في قره باغ على جبل موروفداغ الذي يعتبر منطقة استراتيجية بين أرمينيا والمنطقة الانفصالية. وفي خطاب متلّفز وجّهه إلى الأمة، تعهّد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف “بالانتصار على القوات الأرمينية”.
دعوات أممية للتهدئة
وقد توالت الدعوات الدولية لوقف القتال والتحذير من اتساع رقعة المعارك بين الطرفين، حيث طالب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بالوقف الفوري للقتال بين أذربيجان وأرمينيا إثر تجدد الصراع بين الدولتين على إقليم ناغورني قره باغ. كما دعا أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى “وقف فوري للمعارك”. بدورها حضّت الولايات المتحدة على “وقف الأعمال العدائية فورا” في هذه المنطقة المتنازع عليها.
ودعت كل من روسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، فيما صلى البابا فرنسيس ليعم السلام. وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوتر العسكري مع باشينيان داعيا إلى “وضع حد للأعمال العدائية”. كما أعلن الكرملين أن “الجانب الروسي أعرب عن قلقه البالغ لتجدد المعارك على نطاق واسع”.
وفي التطورات الميدانية، أعلنت أذربيجان أن قواتها دخلت ست قرى خاضعة لسيطرة الأرمينيين خلال المواجهات العنيفة التي اندلعت عند خط التماس بين الطرفين في منطقة ناغورني قره باغ. من جانبها قالت وزارة الدفاع في إقليم ناغورني قره باغ إنها دمرت أربع طائرات هليكوبتر و15 طائرة مسيرة و10 دبابات لأذربيجان خلال اشتباكات اندلعت في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد.
وقال مراقبون سياسيون إن على القوى العالمية تكثيف المحادثات لوقف تطور النزاع. وأفادت اوليسيا فارتانيان من مجموعة الأزمات الدولية وكالة فرانس برس “نحن على بعد خطوة من حرب واسعة النطاق”. وأضافت أن “أحد الأسباب الرئيسية للتصعيد الحالي هو عدم وجود أي وساطة دولية استباقية بين الجانبين لأسابيع”.
دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال اليوم الأحد (27 سبتمبر/ 2020) لوقف القتال بين الجيش الأذربيجاني والانفصاليين الأرمينيين في منطقة ناغورني قره باغ و”العودة فوراً إلى المفاوضات دون شروط”. وقال ميشال على تويتر “على التحرّكات العسكرية أن تتوقف بشكل عاجل لمنع مزيد من التصعيد”.
وزادت أسوأ اشتباكات منذ عام 2016 احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين أذربيجان وأرمينيا اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورني قره باغ. وفي خطاب متلّفز للأمة، تعهّد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالانتصار على القوات الأرمينية. وقال إن “قضيتنا عادلة وسننتصر”، مكرراً اقتباساً شهيراً نُقل عن خطاب الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية وقال إن “الجيش الأذربيجاني يقاتل على أرضه”.
وأعلنت كل من أرمينيا ومنطقة ناغورني قره باغ الأحكام العرفية والتعبئة العامة. وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان “استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدّسة”. وأوضح رئيس قره باغ أرايك هاروتيونيان خلال جلسة طارئة للبرلمان في ستيباناكرت (خانكندي بحسب تسميته الأذربيجانية) “أعلنت الأحكام العرفية” وتعبئة جميع الأفراد القادرين على الخدمة العسكرية والذين تبلغ أعمارهم أكثر من 18 عاماً.
وأفادت وسائل إعلام في أرمينيا الأحد أن قوات أذربيجان هاجمت مناطق مدنية في ناغورني قره باغ بما في ذلك عاصمة المنطقة ستيباناكرت، في عملية أسفرت عن مقتل امرأة وطفل. بدورها، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية أنها أطلقت “عملية مضادة لكبح أنشطة القتال الأرمينية وضمان سلامة السكان” باستخدام الدبابات والصواريخ المدفعية والطيران العسكري والطائرات المسيّرة.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة الأذربيجانية حكمت حاجييف في بيان “وجود تقارير عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين”. بدوره، أشار أمين المظالم في قره باغ أرتاك بغلاريان إلى سقوط “ضحايا مدنيين” من سكان المنطقة.
ونشرت وزارة الدفاع الأرمينية على موقعها الرسمي مقطع فيديو يظهر فيه تدمير دبابات قالت إنها أذربيجانية
وانتزع الانفصاليون الأرمينيون قره باغ من باكو في حرب في تسعينيات القرن الماضي أودت بـ 30 ألف شخص. وجمّدت المحادثات لحل نزاع قره باغ، الذي يعد بين أسوأ النزاعات الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، منذ اتفاق لوقف إطلاق النار أُبرم في 1994.
ومن شأن اندلاع مواجهة من هذا النوع بين البلدين الجارين في القوقاز واللذين كانا ضمن الاتحاد السوفيتي أن يدفع القوتان الإقليميتان روسيا وتركيا للتدخل.
ودعت كل من روسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار. وقالت وزارة الخارجية الروسية “ندعو الطرفين للوقف الفوري لإطلاق النار وبدء محادثات لإعادة الاستقرار إلى الوضع”.
تركيا تدخل على الخط
من جهتها، حمّلت تركيا يريفان مسؤولية اندلاع العنف وتعهّدت بدعم باكو. وقال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين على تويتر “ندين بشدة اعتداء أرمينيا على أذربيجان. خرقت أرمينيا وقف إطلاق النار عبر مهاجمتها مواقع مدنية”، معرباً عن دعم بلاده “الكامل” لباكو.
وفي وقت لاحق أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغاندعم تركيا لأذربيجان، وكتب أردوغان، على موقع تويتر، “الأمة التركية تقف، كما كانت دوماً، بكل الوسائل إلى جانب الإخوة والأخوات الأذربيجانيين”. وقال الرئيس التركي إنه أكد أيضاً هذا التضامن في اتصال هاتفي مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. واتهم أردوغان أرمينيا بأنها تشكل خطراً على المنطقة، ودعا العالم للوقوف إلى جانب أذربيجان.
بدوره، اتهم رئيس قره باغ هاروتيونيان أنقرة بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان. وقال “لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية”.
وأفادت رئاسة قره باغ أن أذربيجان بدأت صباح الأحد قصف خط التماس بين الطرفين وأهدافاً مدنية، بما في ذلك ستيباناكرت. وأكدت وزارة الدفاع التابعة للانفصاليين أن قواتها أسقطت مروحيتين تابعتين للجيش الأذربيجاني وثلاث طائرات مسيرة.
ونفت وزارة الدفاع في باكو الأمر وقالت إن قواتها كانت ترد على هجوم من قبل أرمينيا. وأشار حاجييف إلى أن القوات الأرمينية في قره باغ “انتهكت بشكل صارخ نظام وقف إطلاق النار وشنّت باستخدام أسلحة ذات العيار الثقيل وقاذفات ومدفعيات هجوما على مواقع لقوات أذربيجان المسلحة على طول خط التماس”. وذكرت وزارة النقل في أذربيجان أنها فرضت “قيوداً على الإنترنت” لمنع “الاستفزازات الأرمينية”.
وفيجويلية الماضي أدت مواجهات على الحدود بين البلدين إلى سقوط 17 جندياً على الأقل من الطرفين. وهددت أذربيجان حينها بضرب محطة أرمينيا للطاقة الذرية في حال هاجمت يريفان منشآت استراتيجية. ولقي نحو 110 أشخاص حتفهم في آخر مواجهات اندلعت في افريل 2016.