منظمات حقوقية انتقدت بشدة استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في باريس. ماكرون رفض ربط الشراكة بين مصر وفرنسا بملف حقوق الإنسان، فكيف سينعكس ذلك على التعاون العسكري بين البلدين مستقبلا؟
تعالت أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان خلال زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى باريس واجتماعه في الإليزيه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذياتهمه الحقوقيون ببسط “السجاد الأحمر لديكتاتور” مع وجود أكثر من 60 ألف سجين رأي في مصر بينهم “مدونون وصحافيون ونشطاء” بحسب منظمات حقوقية غير حكومية.
ورغم أن هدف الزيارة هو تعزيز التعاون بين باريس والقاهرة في مواجهة أزمات الشرق الأوسط، فإن ملف حقوق الإنسان خيم بقوة على اللقاء الذي جمع السيسي وماكرون، في ظل ضغط المنظمات والجمعيات الحقوقية على الرئيس الفرنسي واتهامه بالتساهل أمام ما وصفوه بـ ” أعمال القمع العنيف والانتهاكات الحقوقية” التي تمارس في مصر ضد المعارضة سواء الإسلامية أو الليبرالية.
ملف حقوق الإنسان!
ماكرون بدوره رفض في زيارة سابقة للسيسي إلى باريس في عام 2017 أن “يعطي دروسا” في حقوق الإنسان لنظيره المصري، وهو ما عرّضه لموجة من الانتقادات، أجبرته على تغيير لهجته خلال الزيارة التي قام بها إلى القاهرة في نهاية جانفي عام 2019. كما أنه حاول تهدئة الأصوات المنددة مجدداً، ووعد بتناول الوضع خلال زيارة السيسي هذه إلى باريس.
وكانت السلطات المصرية قد استبقت وصول السيسي إلى باريس، بالإفراج عن ثلاثة من مسؤولي المنظمة غير الحكومية “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، والذين أثار اعتقالهم الشهر الماضي، استنكاراً واسعاً في فرنسا وبلدان أخرى. خطوة أثنى عليها قصر الإليزيه، واصفاً إياها “بالإشارة الإيجابية” لما تتضمنه من رسائل تعكس وفاء فرنسا بوعودها السابقة.
وبالرغم من تأكيد ماكرون، لدى استقباله السيسي أنه”مدافع دائم عن الانفتاح الديموقراطي” و “مجتمع مدني ديناميكي ونشط” في مصر، إلا أن الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، يرى أن قضايا حقوق الانسان ليست أولوية ماكرون في اللقاء الذي جمعه بالسيسي، موضحا أن الملفات الإقليمية، خاصةً تطورات الأوضاع في كل من شرق المتوسط وليبيا وسوريا هي التي أخذت حصة الأسد في النقاشات بين الطرفين . وقال الدكتور أبو دياب في حواره مع DW عربية إن فرنسا لا تهمل قضايا حقوق الإنسان وإنما “لا تثير ضجيجاً حولها… فإذا أرادت فرنسا فرض شروط معينة، سيؤدي ذلك إلى توقف علاقتها مع العديد من الدول”.
وفي هذا الصدد أكد إيمانويل ماكرون خلال اللقاء أن مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر في المستقبل لن تكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان هناك، وعزا ذلك إلى أنه لا يرغب في إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة، موضحاً أن اتباع سياسة الحوار سيكون أكثر فعالية من سياسة المقاطعة.
وترى المنظمات غير الحكومية التي دعت إلى التظاهر، يوم الثلاثاء (08 ديسمبر 2020) أي في اليوم الأخير لزيارة السيسي، أمام مقر الجمعية الوطنية أنه ينبغي على فرنسا أن تنتقل الآن من “الأقوال إلى الأفعال”. وتعتبر أنه ينبغي عليها أولا “وقف بيع الأسلحة ومعدات المراقبة الإلكترونية” لمصر وإلا “قد تجد نفسها شريكة في القمع” على ما قال أنطوان مادلان من الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان. والجدير بالذكر أن فرنسا كانت هي المورد الرئيسي للسلاح إلى مصر بين عامي 2013 و2017.
ويرى الباحث بشير عبد الفتوح، من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن السيسي كان واضحاً وحازماً منذ مجيئه إلى السلطة في عام 2014 حول مسألة الديمقراطية، وأن الديمقراطية لها متطلبات اقتصادية وأمنية، واستعادة الدولة أولاً وبناء أركانها الاقتصادية والأمنية، ثم الشروع في الديمقراطية”، ويقول في حديثه لـDW إن السيسي لم يغير موقفه حتى الآن ويبدو أنه” يتعامل بندية مع ماكرون أو أي مسؤول غربي في هذا الصدد، ومن الواضح أم ملف حقوق الانسان يخضع لاعتبارات داخلية في ضوء خصوصية التجربة السياسية لكل دولة “.
ويضيف عبد الفتوح أن تراجع الديمقراطية عالمياً لأسباب متعددة منها الإرهاب، سيخفف من وطأة الضغوط الغربية على دول العالم الثالث بخصوص المسار الديمقراطي وسيكون هناك تفهم اضطراري من الغرب لذرائع العالم الثالث بما يخص بطء المسار الديمقراطي.
انتهاكات مستمرة
تشير منظمات حقوق الإنسان إلى الآمال الكبيرة التي علقت على الثورة الشعبية التي انطلقت في 25 جانفي 2011 وأدت إلى اسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا ان تلك المنظمات تقول اليوم إن مصر تحولت بعد عشر سنوات من تلك الثورة إلى سجن ضخم، حيث مازال عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين يقبعون في السجون. فيما تزال مصر تسجل اأرقاما قياسية في أحكام الإعدام المطبقة.
مصالح اقتصادية
ويرى الباحث بشير عبد الفتوح أن هذه الزيارة ستعطي زخماً للتقارب الفرنسي المصري، ويوضح باًن “هناك تقارب في وجهات النظر بين الدولتين في أكثر من ملف: مكافحة الإرهاب، السياسيات والخروقات التركية في شرق المتوسط، والوضع في سوريا. كما أن مصر بوابة لأفريقيا، التي تحظى باهتمام خاص لدى فرنسا”. ويؤكد عبد الفتاح على وجود حالة من التناغم والتفاهم السياسي تلوح في الأفق بين الرئيسين السيسي وماكرون.
ومن جهته يشير آلان غريش، رئيس تحرير مجلة (Orient XXI) إلى “تجاهل ماكرون للقيم الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير، التي تزعم فرنسا أنها عرابتها، في علاقتها مع نظام السيسي الذي يمارس عملية تكميم الأفواه حتى على الشبكات الاجتماعية، حيث يمكن أن تقود بضع كلمات إلى السجن”. ويؤكد على أنه لا توجد دولة تؤسس سياستها الخارجية على الدفاع عن حقوق الإنسان فقط، وباريس تبرر علاقتها بالقاهرة باعتبارات استراتيجية، وهو الاستقرار الضروري لمصر “حصناً ضد الإرهاب”، مما يجعل من الممكن تبرير بيع الأسلحة، التي قد يستخدم بعضها للقمع الداخلي. يشير غريش في مقال له إلى أنه على الرغم من آلاف الجنود والسلاح الفرنسي غير أنه لم يكن قادراً على ضبط التمرد الذي أدى إلى التطرف، وأن الديكتاتوريات لطالما كانت أرضا خصبة لعدم الاستقرار والإرهاب.
ووسط سيل من الانتقادات حول ملف حقوق الإنسان، هناك قضايا عديدة وتحديات تواجهها فرنسا وأوروبا تدفعها للتعاون مع السيسي. وكان ماكرون واضحا عقب اجتماعه مع نظيره المصري بقوله إن هناك “اختلافات في الرأي” نتحدث عنها صراحة، وأضاف: “لن أجعل تعاوننا الدفاعي والاقتصادي مرهوناً بهذه الاختلافات في الرأي،لأنني أولاً أؤمن بسيادة الدول واحترام مصالحنا المشروعة والمتبادلة”.
فيما يرى الدكتور أبو دياب، أنه لا يمكن ربط الدول بأشخاص، ولا تعترف الدول مثل فرنسا بالأنظمة، إذ علاقة فرنسا بمصر مستمرة منذ زمن بعيد، ومن الضروري وجود تعاون مع بلد بحجم مصر في المنطقة للاستقرار وسط بلدان محطمة، “وفي النهاية ما يهم هو المصالح”.
المصدر: DW