ظهر على السطح مُجدداً سجال متبادل بين الرئاسة اللبنانية ورئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، بشأن أزمة تأخر الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن اتهم ميشال عون الأخير بمحاولة فرض أعراف جديدة خارجة عن الدستور أثناء بحثه عن وزراء حكومته.
إذ قال مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، في بيان له، الأحد 14 فيفري 2021: “مرة جديدة استغل الحريري ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة العتيدة، وضمّنها مغالطات كثيرة وأقوالاً غير صحيحة”.
البيان الرئاسي أضاف: “لسنا في وارد الرد عليها مفصلاً لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان. لكن تكفي الإشارة إلى أن ما أقر به رئيس الحكومة المُكلف في كلمته، كاف للتأكيد بأنه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق”.
سبق أن هاجم عون تحركات وتصريحات الحريري الذي اتهمه بأنه “مصمّم على التفرّد بتشكيل الحكومة رافضاً الأخذ بملاحظات الرئاسة التي تجسد الشراكة”، مشدّداً على أنه “لن تكون هناك حكومة تناقض الشراكة والميثاقية والعيش المشترك المبني على التوازن الوطني”.
الثُلث الوزاري المعطل
في وقت سابق من يوم الأحد، قال الحريري، في كلمة عبر التلفزيون في ذكرى مرور 16 عاماً على اغتيال والده، إن التشكيلة الحكومية المقترحة التي قدمها إلى عون، جميع الوزراء بها من الاختصاصيين “الخبراء” غير الحزبيين، وتخلو من “الثُلث الوزاري المعطل” باعتبار أن هذا الأمر هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان وانتشاله من الأزمات التي تعصف به.
كما نفى الحريري بشكل قاطع الاتهامات السابقة التي وجّهها له عون، بأنه استأثر بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، أو الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية على نحو من شأنه “تهميش الموقع المسيحي الأول في لبنان”، مؤكداً أن “جميع هذه الادعاءات غير صحيحة بالكامل، وأن التشكيلة الحكومية التي سبق أن قدمها للرئيس، تضم 4 وزراء رشحهم عون بصورة مباشرة، إلى جانب وزير خامس مقرب بشكل كبير من الرئيس”.
لكنه شدّد على أنه لن يقبل مطلقاً بأن تكون الحكومة المقبلة، حاملة لثُلث معطل، باعتبار أن كافة التجارب الحكومية السابقة، أظهرت أن هذا الأمر يعرقل العمل الحكومي والمضي قدماً في الإصلاح والإنجاز، ويجعل الحكومة خاضعة للمقايضة والأهواء السياسية المعطلة، على حد قوله.
تسريع الانهيار القائم
فيما أكد أن مَن يمنع تشكيل الحكومة الجديدة، إنما يحول دون إطلاق مسيرة الإصلاحات الضرورية التي يحتاجها لبنان، ويساهم في تعميق الأزمات الاقتصادية، ويُسرع الانهيار القائم على نحو من شأنه إطالة معاناة اللبنانيين ودفعهم نحو ما وصفه بانفجار مجتمعي كبير.
وأشار إلى أنه لا يمكن إنقاذ بلاده من أزمتها الحالية بدون دعم الدول العربية والمجتمع الدولي، مؤكداً أنه ليس هناك “مخرج من الأزمة بمعزل عن المجتمع الدولي، ومن دون مصالحة عميقة مع الأشقاء العرب، والتوقف عن استخدام البلد منصة للهجوم على دول الخليج العربي وتهديد مصالح اللبنانيين”.
أضاف الحريري أن هذه المعادلة أرساها والده، لخدمة لبنان واللبنانيين. ليس لخدمة أحد آخر.
إذ كانت دول الخليج تدعم الاقتصاد اللبناني الهش لفترة طويلة، لكن هذه الدول تبدو غير راغبة في المساعدة لتخفيف أسوأ أزمة مالية في بيروت منذ عقود وتلقي باللائمة على تنامي حزب الله.
تقاسم السلطة مع جميع الأطراف اللبنانية
تجدر الإشارة إلى أن الحريري، وهو رئيس وزراء سابق، كُلف بتشكيل حكومة بعد استقالة مصطفى أديب في سبتمبر 2020، لكنه يجد صعوبة حتى الآن في تشكيل حكومة لتقاسم السلطة مع جميع الأطراف اللبنانية، بما في ذلك حزب الله الذي يرى البعض أن عون حليف له.
كان الحريري قد التقى قبل أيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس، للتباحث بشأن الصعوبات اللبنانية الداخلية التي تعترض تشكيل الحكومة، والسبل الممكنة لتذليلها.
ومؤخراً تواترت تقارير إعلامية لبنانية، تدعو عون إلى تقديم “تنازلات” لتشكيل الحكومة المتعثرة منذ استقالة حكومة حسان دياب بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ بيروت، في 4 اوت 2020.
عقب شهرين من تكليفه بتشكيل الحكومة، أعلن الحريري أنه قدّم إلى عون “تشكيلة حكومية تضم 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين”، لكن الأخير أعلن اعتراضه على ما سماه آنذاك بـ”تفرد الحريري بتسمية الوزراء”.
يذكر أنه في ظل نظام تقاسم السلطة في لبنان ينبغي أن يكون رئيس البلاد مسيحياً مارونياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً.
جدير بالذكر أن لبنان يعاني منذ أكثر من عام أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، خاصة في ظل الانهيار المالي مع تصاعد الدين الوطني وارتفاع معدلات البطالة وتراجع العملة، مما أدى إلى زيادة التضخم، فضلاً عن الاستقطاب السياسي الحاد، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.