فجأة ودون سابق إنذار، تكشف رسالة من الخارجية المغربية موجهة لرئيس الحكومة وأعضائها عن تعليق كل أشكال التواصل مع السفارة الألمانية في الرباط وهيئات التعاون والمؤسسات السياسية التابعة لها.
ولم توضح الخارجية المغربية سبب هذا القرار إلا بعبارة “سوء تفاهمات عميقة”، ورفض وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة تقديم توضيحات لـDW عربية. بيد أن مسؤولاً مغربياً رفيعاً تحدث لوكالة فرانس برس عن وجود قضايا خلافية منها موقف ألمانيا من نزاع الصحراء الغربية، عندما “انتقدت قرار دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة الرباط على المنطقة، وكذلك استبعاد الرباط من مؤتمر برلين حول ليبيا التي نُظم بداية 2020″.
الخارجية الألمانية توضح موقفها
في المقابل التزمت ألمانيا الصمت تجاه القرار المغربي في البداية، لكن الخارجية الألمانية أكدت في تصريح توصلت به DW عربية حرصها على العلاقات مع المغرب واصفة إياها بـ”الطيبة”.
وقالت الخارجية الألمانية في تصريحها إن “الحكومة الألمانية لا ترى أي سبب يعرقل العلاقات الدبلوماسية الطيبة مع المغرب. لذلك دعا وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية السفيرة المغربية في برلين اليوم إلى لقاء لإجراء مناقشة عاجلة وشرح لما جرى”.
غير أن الرسالة المغربية لا تظهر على أنها مجرد تسريب وقع بالخطأ بل كما لو أنه “تسريب متعمد” يقول مصدر من منظمة ألمانية تعمل في الرباط لـDW، مضيفا أن “التسريب كان منظما، وأن الوثيقة انتشرت على تطبيق واتساب وفي الوقت نفسه نشرتها وسائل إعلام مغربية، ما يعني أن تسريب الرسالة لم يكن ليحدث لولا علم مسؤول رفيع المستوى”.
وتثار أسئلة حول مبرّر مؤتمر برلين الذي ساقه المسؤول المغربي، إذ لم يرد خلال عام كامل ما يشير إلى تأثير سلبي محتمل على علاقات البلدين، بل إن السفارة الألمانية في الرباط أعلنت في شهر ديسمبر 2020 أن برلين ستدعم المغرب بمليار يورو لأجل مساعدة المملكة على مواجهة تداعيات جائحة كورونا، وهو ما أكدته الخارجية المغربية التي ذ كرت أن الرقم يصل إلى 1.3 مليار أورو، منها 200 مليون على شكل هبات، كما قالت في بيان صحفي إن هناك “تعاونا استثنائيا بين البلدين”.
علاقة بنزاع الصحراء؟
وإن كان المبرّر الخاص بليبيا لا يجد ما يسنده، خصوصا أن مؤتمر برلين لم تتمخض عنه نتائج مباشرة في دعم الاستقرار في ليبيا، بل إن المغرب نظم مؤتمرا بين الأطراف الليبية كانت نتائجه أكثر إقناعا، فإن المبّرر الأول، الخاص بنزاع الصحراء الغربية، قد يجد ما يسنده في اجتماع مجلس الأمن الدولي بطلب من ألمانيا لأجل مناقشة قرار ترامب.
في المقابل، صدرت عن دول أخرى مواقف أكثر انتقادا لقرار ترامب، منها روسيا التي وصفت الاعتراف في بيان لخارجيتها بأنه “انتهاك للقانون الدولي”، فيما لم تحد جلّ القوى الأوروبية عن الموقف المعروف بدعم حل أممي للنزاع، وهو ما أشار إليه الاتحاد الأوروبي، التي تعدّ ألمانيا إحدى ركائزه السياسية والاقتصادية، باستثناء فرنسا التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب للنزاع.
وهناك من يربط التصعيد المغربي برفع برلمان بريمن، أصغر ولاية ألمانية، علم “الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد ولا تعترف بها الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، وذلك في ذكرى “تأسيسها”.
ويملك برلمان بريمن شراكة رسمية مع جمعية محلية تدعم انفصال الصحراء الغربية، غير أن هذه الخطوة ليست جديدة، إذ سبق للبرلمان ذاته أن رفع العلم أكثر من مرة في هذه المناسبة، كما أنه ليس ناطقا رسميا باسم ألمانيا الاتحادية التي يبقى التعبير عن مواقفها الرسمية في السياسات الدولية خاصاً بالحكومة الفيدرالية.
وكعدة دول أوروبية، يوجد في ألمانيا نواب متعاطفون مع جبهة البوليساريو خاصة بين الأحزاب الاشتراكية وحزب الخضر، ومنهم من ينشطون بقوة في البرلمان الأوروبي. بيد أن هذا كله لا يرقى للوصول إلى موقف رسمي لبرلين التي تعمل بكثير من الحذر في سياستها الخارجية، ومن ذلك ملف الصحراء الغربية، لكن شأنها شأن كل الدول الأوروبية، تستفيد من اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهي الاتفاقية التي ترفضها جبهة البوليساريو بقوة.
ومن سمات الحذر الألماني أن تمّ تعيين الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر، مبعوثا أمميا لحلّ النزاع عام 2017 قبل أن يستقيل لدواعٍ صحية. غير أنه مع ذلك، أدلى السفير الألماني في المغرب، غوتس شميت بريم، قبل شهر ونصف فقط، بتصريحات لموقع هسبريس المغربي، متحدثا عن أن مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب تعد “حلاً واقعيا وعمليا”، وأنه “يصعب إيجاد حل أكثر واقعية” من المبادرة المغربية.
ما الذي يعيق تعاون الطرفين؟
لم تصل علاقات المغرب مع ألمانيا للمستوى القوي لدول أوروبية أخرى على رأسها فرنسا وإسبانيا، مع ذلك يحتفظ الجانبان بتعاون جيد منذ مدة طويلة. وتقول السفارة الألمانية بالرباط إن ألمانيا قدمت 490 مليون يورو كمتوسط للمغرب سنويا في الفترة ما بين 2015 و2019، لأجل دعم الاستثمار الخاص والتنمية الاقتصادية المستدامة، فضلا عن الدعم الألماني للمغرب داخل الاتحاد الأوروبي.
ميركل في زيارة للمغرب للمشاركة في قمة المناخ 2018- لكن لم يتم برمجة أي زيارة عمل رسمية لها للمغرب للقاء خاص بالملك طوال وجودها في منصب مستشارة ألمانيا
إلّا أن ألمانيا تملك علاقات أقوى مع جارة المغرب وخصمه الأول، أي الجزائر، سواء فيما يتعلّق بالتبادل التجاري أو الاستثمارات الألمانية المباشرة. كما انصب الاهتمام الألماني في المنطقة المغاربية بشكل واسع على تونس في مرحلة ما بعد الربيع العربي لدعم الديمقراطية الناشئة.
وهناك جانب آخر يخصّ المؤسسات الألمانية المانحة في المغرب، وإن كانت غير ذات صلة مباشرة بالسلطات الألمانية. العلاقة المغربية مع هذه المؤسسات لا تظهر وردية منذ مدة، ونقل موقع لوديسك المحلي أن وزارة الداخلية سبق أن جمدت نهاية 2019 الدعم المادي الذي تقدمه منظمات ألمانية وذلك بسبب شروط هذه المنظمات، بل سبق للمغرب عام 2015 أن طرد مسؤولة مكتب مؤسسة فريدريش ناومان، القريبة من الحزب الليبرالي، بعد لقائها بنشطاء سياسيين مغاربة، منهم المعارض المعطي منجب.
وهناك من يرى أن قرار وزارة الخارجية متسرع، إذ كتب المحلّل السياسي محمد الشرقاوي، أن هناك “نبرة تبريرية في نص رسالة الوزير ناصر بوريطة تنم عن نزعة انفعالية”، متسائلاً: “هل يستوي المنطق السياسي حقيقة لردة فعل السيد بوريطة ومن خلفه الحكومة المغربية على تصريح نائبة رئيس بلدية لا يلزم لا الحزب الديمقراطي الاجتماعي ولا حكومة ميركل في هذه المرحلة؟”، وذلك في إشارة إلى ما كتبته نائبة رئيس برلمان بريمن، أنتيا غروتير، على تويتر، بكون “الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا”.
وأضاف في تدوينة على فيسبوك: “لماذا تمعن الرسالة في موقف تصعيدي، بدلا من اتباع دبلوماسية جدلية وتفاعلية تسعى لتقريب المواقف بدلا من تصلّبها مع برلين وغيرها؟” مبرزا أن “المواقف والتصريحات الألمانية الأخيرة تنم عن موقف غير مناهض لمصلحة المغرب”، وأنه “ليس من الحكمة حاليا توسيع نطاق القطيعة والتوتر مع العواصم الأوروبية، مما سيعزز دعاوى سياسية لوضع المغرب في نطاق عزلة إقليمية”.
إلا أنه في الجانب الآخر، دافع آخرون عن قرار الخارجية المغربية، واعتبروا أن من حق المغرب الدفاع عن مصالحه، والضغط على ألمانيا لأجل تقديم دعم أكبر للرباط في النزاع. وينهج المغرب منذ مدة سياسة جديدة يهدف من خلالها إلى كسب الدعم الدولي لإنهاء النزاع تحت السيادة المغربية، خصوصا مع قرار عدة دول بفتح قنصليات لها في الصحراء الغربية.
المصدر:DW
إسماعيل عزام