أعادت لي شعوراً عظيماً بنفسي”… عن شريهان في ظهورها الأخير
عشنا شفنا وياما الدنيا كسرتنا، ولا عمرنا ليها قدرنا وفهمنا استسلمنا ولا ثانية حاربنا، وياما شفنا وعشنا”.
“ده احنا القلب اللي طاير، متشعبط في الحياة، مهما نلف بدواير، زي الريشة في هوا، راجعين أقوى وطايرين”.
هي عبارات عن المعاناة والألم والأمل، أطلّت بها علينا النجمة المصرية شريهان بعد غياب طويل، من خلال إعلان لإحدى شركات الاتصالات المصرية، في أول يوم من شهر رمضان. لكنه لم يكن مجرد إعلان، واستحق الوقوف عنده والحديث عنه مطولاً.
الطلّة الأولى
تقف شريهان بشعرها الطويل -سمتها المشهورة- في اللقطة الأولى، في مواجهة منظر بديع في الأفق، مولية ظهرها للماضي، الذي نمثله نحن الآن، متابعيها وعشاقها القدامى المخلصين، ثم تمنّ علينا بوجهها البشوش، وصوتها الذي يغنّي في خلفية الإعلان.هل هي النوستالجيا أم أن شريهان كانت أجمل ما قدّمه لنا رمضان؟
لحظات تمرّ ونكتشف أن أول فوازير الإعلان، هي الاستماع بدقّة للتأكد من أن ذاك هو صوتها حقاً، وبعض من غصّة تدفعنا للتخيل بأن يكون القائمون على الإعلان قد استخدموا صوتاً آخر، فشريهان لم تكن صورة فقط، بل صوتاً أيضاً. نتأكد فيرتاح البال، هو صوتها، ولكنه الزمن…
اللمّة والصحبة والقوّة
يبدأ الإعلان بالبطلة تسير وحيدة. تبدو كلماتها مستسلمة حزينة، قبل أن تكذّبها صورتها في المرآة، وتحكي عن طريق طويل وصعوبات مرّت لم تنهزم لها الروح أو تنكسر.استعراضات خفيفة تشترك فيها شريهان في الصف الأول، بحركاتها المعتادة التي تعتمد على قدرتها المعروفة على التمايل والتحكم بعضلات جسدها بمرونة، خيّبتها الصورة قليلاً لقتامة الألوان المستخدمة في الأزياء، ناهيك عن الخلفية الضوئية المستخدمة في الإعلان ككل، والمقصود بها إضفاء طابع النوستالجيا كما الصور الباهتة القديمة، فحتى فستان شريهان في آخر الإعلان، المُبهج من مجموعة ديور، العاجي الشاهق، المطرز يدوياً بالورود الصغيرة، بدا باهتاً، ما أدى لامتعاض آخر من متابعيها الذين اعتادوا الفنانة بين بحر الألوان والصورة السريعة المتحركة.
رؤية تتضح متأخراً
بعد ما يقرب من منتصف الإعلان، يأتي المشهد الأهم، الذي يحقق وحده معادلة نجاح وسط الخيبات السابقة.تتحرك البطلة نحو ما يبدو غابة مظلمة، تتضافر حركاتها بين استعراض بطيء يدخلها بسلاسة وسط مجموعة حركيّة من المجاميع الراقصة، تتشكّل ببراعة وتتحول إلى سيارة تقودها البطلة. يفاجئها ضوء يعميها، فيقع حادث.
يرتفع جسدها ساقطاً على سرير أبيض وحولها أطباء، يتجمعون لتفقّد نقطة معينة في ظهرها، عمودها الفقري الذي تأذى إثر الحادثة المشهورة كما نفسّره كمتابعين. حركات متوازنة بديعة نرى فيها روح شريهان الفعلية، ويمكن للمتابع لتاريخها التأكد من اشتراكها قطعاً في تصميمها، حركات مشهورة تجيدها، شاهدناها مراراً في “شارع محمد علي” و”كريستال”، وإن كانت مقصودة أو ارتجالية بدافع من ذكرى عضلاتها فقد أدت المطلوب تماماً، وتركت في القلب أثراً من شجن.
معاناة قديمة
قد يكون صعباً تقييم ظهور شريهان الأخير دون معرفة القليل مما مرّت به. عام 1989، تعرّضت لحادث سير أدى لكسرٍ في عمودها الفقري، وخرجت شائعات حول تعرّضها لمحاولة قتل بإلقائها من الطابق السابع من قبل عائلة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بعد علاقة حب جمعتها مع نجله وكادت أن تتحوّل إلى زواج، ما رفضته العائلة وفقاً للشائعات التي نفاها مكتب شريهان الإعلامي.عام 2002، أُصيبت بسرطان الغدد اللعابية، وهو مرض نادر للغاية. سافرت إلى فرنسا، وخضعت لجراحة استمرت 18 ساعة لإزالة الورم، ثم لعشرات العمليات التكميلية، وبقيت بعيدة عن الأضواء حتى ظهورها في ميدان التحرير عام 2011 مشاركةً في ثورة 25 يناير.
ومن الأزمات التي مرّت بها شريهان، عدم اعتراف والدها بها، ما أدّى إلى رفع والدتها قضية ضده. كما أثر عليها رحيل شقيقها من والدتها عمر خورشيد في حادث سير عام 1981. كانت قد قالت إنه يعني لها كل شيء، أباً وأخاً وصديقاً، وأُصيبت بشلل مؤقت حينها. عقب ذلك بست سنوات، توفيت والدتها بعد إصابتها بالسرطان، وكان لرحيل الاثنين أثر عليها.
إعلان ورسالة
كان ملاحَظاً أن شركة الاتصالات لم تستخدم الإعلان للترويج عن خدمة معينة، بل أنهته بالشعار الخاص بها: “قوتنا إن مفيش حاجة تقدر توقفنا. مع بعض أقوى”.ما الغاية من الإعلان؟
تقول لرصيف22، مديرة التحرير اللبنانية أمل المشرفية، المهتمة بالأعمال الفنيّة الرمضانية، إن “الغاية هي اقتران اسم الشركة بشخصية غير عادية، فنانة محبوبة ومبهرة، عانت كثيراً على المستوى الشخصي، لكنها لم تستسلم، وعادت بعد هذا الغياب وكأنها لم تغب. والأهم أن حضورها يخلق لدى المتابعين حنيناً لأيام كانت أحلى. شريهان هي رمز للفرح، بكل بساطة”.
وتلفت المشرفية إلى أن موافقة شريهان على الإعلان هي بسبب رغبتها بالعودة إلى الجمهور كما عرفها، مصدراً للأمل.
وترى أن الإعلان فتح باب الذكريات، حاملاً معه قوة لمواجهة المصاعب. أما من الناحية الفنية، فتعتقد أن الإعلان لم يعتمد على الإبهار بحيث يبقى التركيز على النصّ وشخص شريهان.
وعن الرسالة التي نشرتها شريهان على مواقع التواصل بالتزامن مع الإعلان، وكتبت فيها “ما دمنا على قيد الحياة، وما دامت الحياة مستمرة، واليوم سيرحل، وأمس رحل، وغداً بإذن الله قادم فلا يوجد مستحيل”، رأت المشرفية إنها “رسالة من شخص بات ينظر للحياة بطريقة مختلفة، ومن الواضح أنها حملت شكراً وامتناناً وتقديراً لجمهورها الذي أحبها ولم ينسها”.
أما فيصل سام شعيب، وهو منتج فني لبناني يعمل في الولايات المتحدة، فيقول لرصيف22 إن ظهورها “فاق التوقعات، بعد غياب 19 عاماً، وهو ذكاء من الشركة المعلنة بأن تتكئ على النوستالجيا، بعد سنة 2020 التي شعر كثيرون منا فيها بالعزلة والحنين إلى الماضي. وشريهان جزء كبير من طفولتنا”.يضيف: “الإعلان ممتاز على الصعيد التقني، التصوير والإضاءة والديكورات وتصميم الرقص من أفضل ما رأينا، حتى على المستوى العالمي”.
الكثير من روّاد التواصل الاجتماعي كتبوا أن الإعلان فتح “حوارات عائلية” كثيرة حول قصة حياتها، فهل قادك الإعلان إلى أي تساؤل أو استنتاجات؟، يجيب: “أكثر ما فكرت به صلابة وقوة شخصيتها وتحديها لكل الظروف. قصة حياتها تخصها وحدها وكلّنا بالعائلة كنّا فرحين بظهورها على الشاشة وخاصة في شهر رمضان”.
“شريهان أكبر ولا أصغر منك؟”
عودة شريهان ليست شأناً مصرياً، وإنما عربياً. ومن هنا كان للعديد، من مختلف الدول العربية، تعليقات على الظهور الأخير للفنانة، بين مؤيد لهذا الظهور، ومعارض كان ينتظر عودة الأيقونة بشكل أسطوري لم يجده، غير أن الكل اجتمع على غفران المساوئ “عشان خاطر عيون الجميلة الغائبة”.
في لبنان، رأى بعض روّاد التواصل أنها عادت “بنفس الصورة التي كانت في خيالنا من وقت الفوازير”. وأثنى البعض على “جمال أن يتحدى الإنسان حظّه وحياته والدنيا ويعود من بعد سنوات من المرض والتعب النفسي والجسدي”، لافتين إلى أن “شيري” عادت بكليب يختصر قصة حياتها وهي “مليانة حب للحياة”. أما تأثير الكليب على بعضهم، فيكمن في حقيقة أن هناك شخصاً لم يشبع من الحياة.
ومن الأردن، تحدثت سيدات عن أن اليوم الأول من رمضان “اتسم بالفرح” بالنسبة لهن، بعد أن فاجأت شريهان عشاقها فتركت لديهم أثراً نفسياً ومعنوياً لمس قلوبهم.تقول نور محسن (51 عاماً) لرصيف22: “فور انتهائي من مشاهدة الإعلان كنت أقفز فرحاً. هرولت لخزانتي وأخرجت إسوارة فضية، أريتها لابني وقلت له ‘هاي بتشبه إسوارة لشريهان كانت تلبسها في واحدة من فوازيرها’. كنت دوماً أحاول تقليدها، وأدخر ما أحصل عليه من مصروف لأشتري أشياء مشابهة لأشيائها، وأرتديها خاصة أمام زميلاتي المصريات في المدرسة، اللواتي كن يفخرن بأنهن من نفس جنسيتها”.
بالنسبة لنور، كان لفقدان شريهان من شاشات رمضان وقع كبير، إذ كانت تمثل الجمال والنجاح والتميز، “هذا ما جعلنا نشعر اليوم بفرح غير عادي”.وبشكل مشابه تقول دانا عبد الله (38 عاماً) بأن الإعلان ولد لديها مشاعر مختلطة: “شريهان بجمالها وشخصيتها التي لا تشبه أحداً، جعلتني أشعر بالتفاؤل من اللقطة الأولى التي أعادتني للقرن الماضي في الكويت وأنا متسمرة أمام التلفاز ذي الصندوق الخشبي. شممت رائحة تلك الأيام وأنا أشاهد الإعلان”.
ولم يقتصر الأمر بالنسبة لحنان فايز (50 عاماً) على عنصر المفاجأة، بل وضعها في مواجهة ومكاشفة مع نفسها، حين سألها أولادها وشقيقتها: “هي أكبر ولا أصغر منك؟”.
وتضيف السيدة في حديثها لرصيف22: “مفهوم العمر يرتبط بشخصيات أثرت علينا في مراحل معينة، مثل شريهان ومايكل جاكسون ومادونا، الذين شكلوا مرحلة هامة بالنسبة لي، وكانوا مساهمين في بناء جزء من اهتماماتي وشخصيتي الثقافية، خاصة شريهان بسبب حركاتها وخفة دمها وذكائها، فهي لم تطرح نفسها فقط كفنانة استعراضية، بل كانت تطرق كل الأبواب بجرأة وشكلت مدرسة جديدة في الفن، ناهيك عن أنها علّمت جيلاً كاملاً كيف يلبس ويختار الألوان، حتى أن رقصاتها وموسيقا فوازيرها كانت حاضرة على الدوام في الأعراس وأعياد الميلاد. لقد أعادت لي شعوراً عظيماً بنفسي وبعمري وبشخصيتي”.