أثار مقترح أممي تقدمت به فرنسا في الأمم المتحدة، الأربعاء 19 ماي 2021، لإنهاء الحرب على غزة ووقف العدوان على القطاع، غضب إسرائيل، وذلك بسبب عدم تضمينه إدانة واضحة وصريحة “لإطلاق الصواريخ من القطاع تجاه إسرائيل”، وذلك وفق ما نقلته قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية.
فحسب تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن القناة نشرت مسودة قرار أممي تقدمت به باريس لا يتضمن “إدانة للصواريخ التي أطلقها قادة حماس في القطاع على إسرائيل”.
مشروع القرار الفرنسي تم بالاتفاق مع كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يزور فرنسا حالياً، والملك عبدالله ملك الأردن.
إذ تركز المسودة، التي نشرت القناة صورة لها، على “دعوة جميع الأطراف إلى الاحترام الكامل للقوانين الدولية، ومن ضمنها حماية أرواح المدنيين”.
كما طالبت المجتمع الدولي بتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية اللازمة لقطاع غزة، منوهة بالخطوات التي تم اتخاذها بهذا الشأن.
إضافة إلى أنها دعت جميع الأطراف إلى الالتزام الفعلي والدائم بإطلاق النار.
تقول الصحيفة، إن إسرائيل تصارع من أجل انتزاع “إدانة صريحة لصواريخ المقاومة” من الأمم المتحدة، وتشدد على أن الأمر يمكن أن يحصل فعلاً، إذ “بإمكان عضو أن يضيفها في الأيام القادمة”.
إذ نقلت الصحيفة عن دبلوماسي إسرائيلي، قوله: “الاستراتيجية هي إقناع جميع الأطراف، لذا يجب أن يكون النص مركَّزاً للغاية ومقبولاً من الجميع”، منوهاً إلى أن “موعد عرض القرار على مجلس الأمن لم يتحدد بعد”.
الدبلوماسي نفسه صرح أيضاً: “سنحاول التحرك في أسرع وقت ممكن”.
في السياق نفسه، ذكرت الصحيفة الإسرائيلية، أن تل أبيب عارضت بشدةٍ هذه الجهود الأممية، وحث سفيرها لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الأحد الماضي، الأعضاء على “إدانة حماس بشكل قاطع”، بدلاً من دعوة الجانبين إلى ممارسة ضبط النفس.
كما طلبت البعثة الإسرائيلية من الولايات المتحدة معارضة التصريحات المشتركة التي صدرت الأسبوع الماضي.
في الجهة المقابلة، قال سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، إنه خلال اجتماع مغلق “استمع الأعضاء إلى الاقتراح الذي قدمه زميلنا الفرنسي في المجلس. وبالنسبة للصين، بالتأكيد، نحن ندعم كل الجهود التي تسهل إنهاء الأزمة وعودة السلام في الشرق الأوسط”.
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء، إنه يأمل أن يوافق مجلس الأمن الدولي على قرار يدعو إلى “وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين،” وإن هناك مباحثات جارية لإقناع واشنطن.
كما أبلغ لودريان لجنة برلمانية أن هناك فرصة للنجاح، لكنه أضاف: “لم يتم الأمر بعد”.
في حين قال ممثل روسيا بمجلس الأمن، إن موافقة الصين على النص المقترح من جانب فرنسا سوف تدفع موسكو إلى الموافقة على المقترح الفرنسي.
بوادر أزمة دبلوماسية فرنسية أمريكية
دخلت فرنسا والولايات المتحدة في مواجهة في الأمم المتحدة بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، هي أول أزمة مفتوحة بين الحليفين منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ووعده بإعادة الانخراط في الدبلوماسية متعددة الأطراف.
فبعد ثمانية أيام من فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد إعلان يدين العنف في الشرق الأوسط، تقدمت فرنسا الثلاثاء بمشروع قرار يدعو إلى “وقف العمليات العسكرية” و”إيصال المساعدات الإنسانية” خصوصاً إلى قطاع غزة المحاصر. ولم تقترح باريس موعداً للتصويت على مشروع القرار هذا. فهل تلك وسيلة لتعزيز الضغط على الولايات المتحدة لتشديد موقفها تجاه إسرائيل؟ الشيء الوحيد المؤكد هو أن الرئيس الأمريكي دعا الأربعاء (19 ماي2021) إلى “خفض التصعيد” بين اسرائيل وحماس.
وكانت الولايات المتحدة أحد الأعضاء القلائل في المجلس الذين اطلعوا على فحوى المقترح، وفق ما أفاد دبلوماسي، ولم يتأخر ردها القاطع وتلميحها إلى استعمال حق النقض (الفيتو) في حال المضي قدماً فيه.
وقالت متحدثة باسم البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة لوكالة فرانس برس: “كنا واضحين في أننا نركز على الجهود الدبلوماسية المكثفة الجارية لإنهاء العنف، وأننا لن ندعم الخطوات التي نعتبر أنها تقوض الجهود الرامية إلى وقف التصعيد”.
خيبة أمل حلفاء واشنطن في إدارة بايدن
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية إن “الموقف الأمريكي سيكون حاسماً … صحيح أننا رأينا الولايات المتحدة متحفظة قليلاً إزاء كل ذلك”، مضيفاً أن “إطالة العمليات (العسكرية) لا يفيد أحداً.من الضروري للغاية تجنب هجوم بري إسرائيلي سيفتح مرحلة لا يمكن السيطرة عليها”. وشدد لودريان على أن “أول خطوة يجب تنفيذها هي وقف العمليات العسكرية في أسرع وقت”.
وتتبع واشنطن، أكبر حلفاء إسرائيل، هذه السياسة منذ عشرة أيام، إذ رفضت ثلاثة إعلانات اقترحتها الصين وتونس (العضو العربي الوحيد المؤقت في المجلس) والنرويج. كذلك ماطلت الولايات المتحدة في تنظيم أربعة اجتماعات للمجلس منذ العاشر من ماي حتى أنها تسببت في تأجيل أحدها قبل أن يعقد أخيراً الأحد بصيغة مفتوحة.
وما زال حلفاء واشنطن الأوروبيون التقليديون عاجزين عن فهم أسباب ذلك، إذ ذكرت جيرالدين بيرن ناسون، سفيرة إيرلندا – العضو غير الدائم في مجلس الأمن – الثلاثاء أن “أعضاء المجلس يتحملون مسؤولية جماعية عن السلم والأمن الدوليين. حان الوقت لكي يتدخل المجلس ويكسر صمته ويتحدث”.
كما قال سفير أوروبي آخر طلب عدم كشف اسمه: “نحن ببساطة نطلب من الولايات المتحدة دعم بيان لمجلس الأمن يقول أشياء مماثلة لتلك التي تقولها واشنطن على الصعيد الثنائي”. وصرح سفير آخر لوكالة فرانس برس طلب عدم الكشف عن هويته: “إنه أمر غريب بعض الشيء بسبب تطلعنا جميعاً لعودة الأمريكيين إلى الدبلوماسية متعددة الأطراف”.
وأضاف: “اعتقدنا أيضاً أن الولايات المتحدة ستكون حريصة على إظهار أهمية مجلس الأمن في مثل هذه المواقف”.
خلاف على دعم جهود محاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي
ومن المتوقع أن يترك التوتر الملموس بين فرنسا والولايات المتحدة آثاراً على ملفات أخرى، فقد ظهر في الأمم المتحدة خلاف كبير بين البلدين بشأن تقديم المساعدة إلى القوة المناهضة للجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي.
وتنخرط باريس سياسياً وعسكرياً بقوة في المنطقة، وتقوم منذ سنوات بحملات لتوفير دعم مالي ولوجستي وعملياتي عبر الأمم المتحدة للقوة المؤلفة من خمسة آلاف عسكري يعانون من سوء التجهيز وينحدرون من النيجر وتشاد وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو.
وكانت إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب ترفض رفضاً قاطعاً المساعدة، في حين كانت فرنسا تأمل في أن يحدث تحول مع خلفه الديمقراطي جو بايدن.
لكن واشنطن عبّرت في وقت سابق هذا الأسبوع عن موقف سلبي تجاه الفكرة، وقالت إنها على غرار الإدارة السابقة تفضل تقديم مساعدات ثنائية بدلاً من الالتزام بتمويل عبر الأمم المتحدة قد يكون بلا نهاية.