تونس في قبضة الجائحة رغم المساعدات.. فما الأسباب؟
في مطار قرطاج الدولي، لا يكاد أزيز الطائرات الحربية يخفت حتى يعود للهدير بقوة من جديد، حيث يتواصل منذ نحو أسبوعين ودون توقف، تدفق المساعدات الدولية والإمدادات من المستلزمات الطبية على تونس، التي تخوض معركة
نسبة وفيات هي الأعلى في أفريقيا
ورغم قدوم كل هذه الإمدادات التي شملت أيضا أكثر من ثلاثة ملايين جرعة لقاح، فإن تونس لا تزال تئن تحت وطأة الوباء وأعداد المرضى والوفيات لا يزال مرتفعا وقياسيا مقارنة بعدد السكان. وسجلت تونس اليوم السبت (24 جويلية 2021) أعلى زيادة يومية في وفيات كوفيد-19 منذ بدء الجائحة، حيث قالت وزارة الصحة إن البلاد سجلت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية 317 وفاة لأسباب لها علاقة بكوفيد-19، وهي زيادة يومية قياسية منذ بدء الجائحة.
كما أعلنت الوزارة تسجيل 5624 إصابة جديدة بفيروس كورونا، مما زاد من المخاوف إزاء قدرة البلاد على مكافحة الوباء، حيث امتلأت وحدات العناية المركزة في المستشفيات عن آخرها وهناك نقص في إمدادات الأكسجين، فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن الحصيلة اليومية لوفيات كوفيد-19 في تونس هي الأعلى في أفريقيا والعالم العربي حاليا.
المساعدات وتطور الوضع الوبائي
وتشير البيانات في المستشفيات العمومية إلى أن نسبة الأشغال في أقسام الإنعاش، وحتى في باقي الأقسام التي تحولت في معظمها إلى خدمة مرضى كوفيد 19، لا تزال فوق طاقة استيعابها القصوى، وهو ما يؤكده الطبيب رفيق بوجدارية، رئيس قسم الطوارئ في مستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة القريبة من العاصمة تونس.
ويقر بوجدارية في حديثه مع DW عربية بصعوبة الوضع بدليل أن أعداد المقيمين في المستشفى، والذين يشغلون كل الأسرة لا يزالون أعلى من اعداد المغادرين. وفي تقدير الطبيب فإن الوضع سيحتاج الى أسبوعين او ثلاث قبل أن يتخذ منحى الهبوط.
ولا يرى بوجدراية رابطا مفصليا بين المساعدات التي وصلت تونس مؤخرا وتطور الوضع الوبائي حتى الآن باستثناء امدادات الأكسيجين التي كان لها الأثر المباشر في تعزيز المخزون من هذه المادة وبالتالي تفادي وضعا كان مرشحا بأن يكون أكثر درامية.
وحتى كتابة هذا التحقيق، اكتفت مؤسسة رئاسة الجمهورية بتوزيع إمدادات الأكسيجين المتأتية من المساعدات الخارجية على المستشفيات، ولكنها أبقت على باقي التجهيزات في المخازن ريثما تنتهي الصحة العسكرية من إعداد خطط لتوزيعها بتكليف من الرئيس نفسه، وأثار هذا الاختيار تحفظ البعض بسبب بطئ التحرك اللوجيستي.
وأفاد المستشار في القصر الرئاسي وليد الحجام لـ DW عربية “تم توزيع إمدادات الأكسيجين على الفور على المستشفيات بمجرد وصولها في ظل النقص الكبير في المخزون ونتوقع بداية توزيع باقي المستلزمات خلال أيام بمجرد الانتهاء من وضع الترتيبات من قبل الصحة العسكرية”.
وضع أكثر قتامة في مستشفيات المناطق الداخلية
لكن الوضع قد لا يتحمل المزيد من الانتظار في المناطق الداخلية البعيدة عن العاصمة وما جاورها، إذ أن الوضع الصحي هناك يبدو مختلفا وأشد وطأة على المستشفيات المتداعية ولا سيما في قدرتها على استيعاب المرضى والتكفل بهم في ظل النقص الشامل في جل المستلزمات الطبية حتى البسيطة منها، مثل القفازات ومواد التعقيم وصولا الى الكمامات وحفاظات المسنين.
ودفع هذا الأمر الجمعيات والنشطاء والأهالي إلى أن يهبوا لجمع التبرعات واقتناء ما أمكن من المستلزمات. ومن بين هؤلاء شدت نبيلة بن ميلاد الرحال من العاصمة إلى مستشفى باجة شمال غرب البلاد لنقل شحنة من المعدات شبه الطبية جمعت تكلفتها عبر نداء أطلقته عبر صفحتها على موقع فيسبوك.
مساعدات المواطنين والمجتمع المدني
تروي نبيلة بتأثر لـDW عربية بشأن إقبالها على المساعدة “رأيت الجميع في الداخل والخارج يهبون لمساعدة جهاتهم الأصلية. لم يكن هناك اهتمام كبير بباجة وجندوبة. اتصلت بالمستشفى وطلبت قائمة احتياجاتهم. تهاطلت المساعدات من الجيران والعرب وحتى الأمريكيين والأوروبيين. هم يثقون بي، لكن سأحرص على أن يشاهدوا أين ذهبت اموالهم في فيديو”.
كان للمساعدات التي وصلت باجة من متطوعين كثر مثل نبيلة، أثر مباشر في تأمين الخدمات الصحية، ولكن ليس في احتواء الكارثة بشكل عام، وفق ما أفاد به الطبيب مصطفى العدواني مدير الصحة الوقائية في مستشفى باجة لـDW عربية.
ويوضح العدواني في إفادته “ما من شك مكن هذا المد التضامني من تعزيز قدرة المستشفى المركزي في الولاية على استيعاب المرضى والتكفل بهم لا سيما مع توفر مكثفات الأكسيجين. لم نعد في حاجة لنقل المرضى إلى مستشفيات الولايات الأخرى”.
ولا يخفي هذا الوضع الدقيق الذي ما زال يعانيه المستشفى المركزي مع نسبة أشغال كاملة للأسرَة المتوفرة والبالغ عددها 134. ولكن العدواني يقول إن “الوضع لا يزال تحت السيطرة”.
ويضيف الطبيب لـDW عربية “نحن بصدد تحمل مخلفات ما حصل في شهر رمضان الذي شهد انفلاتا كاملا للنظام الوقائي بدليل أننا سجلنا ربع الوفيات كلها في شهر جويلية وحده. لكننا الآن في وضع أفضل نسبيا من العشرة أيام الماضية”.
أزمة صحية تخفي أزمة سياسية
وعلى الرغم من نبرة التفاؤل التي كشف عنها الطبيبين بوجدارية والعدواني حول “استقرار الوضع الوبائي من حيث نسبة الوفيات والإصابات وإمكانية تدرجه نحو الانفراج خلال أسابيع”، فإن النقاش الدائر لدى المحللين ما فتئ يلقي باللائمة على السلطة الحاكمة في إدارتها للأزمة الصحية، ومن بينها كيفية التصرف في المساعدات الدولية، فضلا عن حالة الارتباك الواضحة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة وداخل الحكومة نفسها.
ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار الأزمة الصحية بمثابة حلبة صراع جديدة بين قصر قرطاج الرئاسي وقصر الحكومة في القصبة تنضاف إلى مسلسل الأزمات الدستورية ونزاع الصلاحيات المستمر منذ نصف عام.
وقد برز هذا بشكل أكبر مع قرار رئيس الحكومة هشام المشيشي إقالة وزير الصحة فوزي مهدي القريب من الرئيس قيس سعيد، عقب أزمة الحملة المفتوحة للتطعيم، والتي تسببت في زحام شديد في المراكز الصحية، ومن ثم اتهامات متبادلة ومبطنة تذهب حتى التلميح إلى نظرية المؤامرة.
ويشير المحلل السياسي ومدير موقع “التونسيون” منذر بالضيافي في تعليقه لـDW عربية إلى أن سبب تفاقم الأزمة الحالية، هو سياسي بامتياز في ظل القطيعة المعلنة بين رأسي السلطة التنفيذية.
ويضيف بالضيافي في تحليله “يتحمل الرئيس جزء من الأزمة عبر توظيف سياسي شعبوي للمساعدات من شأنه أن يساهم في تعميق الأزمة السياسية والصحية، خاصة في ظل العجز عن التوصل إلى الاستفادة من هذه المساعدات التي ما زال أغلبها مخزن ولم يوجه لمستحقيه”، حيث “اقتصر دور الرئيس على الإعلان عن تجميع بعض الإعانات، لكن المطلوب منه أكبر بكثير”، حسب تعبير المحلل السياسي التونسي.
المصدر:DW طارق القيزاني