العالم يتفاعل مع قرارات قيس سعيد:بين مراقب وداعم ومتحفظ ورافض
أكد متحدث باسم صندوق النقد الدولي، الإثنين 26 جويلية 2021، أن تونس تواصل مواجهة ضغوط اقتصادية واجتماعية غير عادية، منها تداعيات جائحة كوفيد-19 التي تسبب خسائر كبيرة في الأرواح، وتطلعات التونسيين إلى نمو أعلى وغني بالوظائف وشامل، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الرئيس قيس سعيد، تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه.
فيما نقلت وكالة رويترز عن المتحدث باسم الصندوق قوله إنهم يراقبون عن كثب، تطورات أوضاع الأزمة التونسية، مستدركاً بالقول: “الصندوق على استعداد لمواصلة دعم تونس في التغلب على تداعيات أزمة فيروس كورونا، وتحقيق تعافٍ شامل غني بالوظائف، وإعادة مالية البلاد إلى مسار مستدام”.
تأتي التطورات السياسية المتسارعة في البلاد، بينما كانت الحكومة التونسية تخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يرافقه قرض يقدر بـ4 مليارات دولار.
على أثر تلك التطورات الأخيرة، تراجعت السندات الأجنبية، الإثنين؛ فبحسب بيانات “تريد ويب” المتتبعة للسندات الدولية السيادية والخاصة، تراجع إصدار السندات المقومة بالدولار الأمريكي استحقاق 2025، بمقدار 2.61 سنت إلى 86.004 سنت للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول 2021.
يعني ذلك، أن إقدام تونس على طرح أية سندات في الوقت الحالي يؤشر على تقديم أسعار فائدة مرتفعة، أعلى من السعر المرجعي؛ نظراً إلى المخاطر السياسية التي تشهدها البلاد.
فيما ارتفعت المخاطر التي تواجهها تونس، بعد التطورات السياسية الأخيرة، لتلقي بتأثيرات سلبية على سندات البلاد، في وقت تذبذب فيه سعر صرف الدينار التونسي ضمن نطاق ضيق نزولاً بنسبة 0.3%.
“دعم الشركاء الغربيين”
في وقت سابق من يوم الإثنين، قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إن قرارات الرئيس التونسي ستُقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، مؤكدةً أن “آفاق الإصلاحات ضعيفة حتى قبل هذه الأزمة”.
الوكالة أضافت، في بيان تحليلي لها، أن “تحركات الرئيس الأخيرة قد تضيف مزيداً من التأخير في برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه أن يخفف من ضغوط التمويل الكبيرة في البلاد”.
فيما تثير تصرفات الرئيس شكوكاً سياسية جديدة؛ بحسب الوكالة؛ ومع ذلك، “نعتقد أنه من غير المرجح أن يستخدم سلطاته للدفع من خلال تدابير صعبة لمعالجة ضغوط التمويل، مثل خفض فاتورة أجور القطاع العام الكبيرة (17% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020)”.
وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الإثنين 26 جويلية 2021، إن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، سيُقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، مؤكدةً أن “آفاق الإصلاحات ضعيفة حتى قبل هذه الأزمة”.
الوكالة أضافت، في بيان تحليلي لها، أن “تحركات الرئيس الأخيرة قد تضيف مزيداً من التأخير في برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه أن يخفف من ضغوط التمويل الكبيرة في البلاد”.
حسب “فيتش”، فإن تونس ستحتاج الحصول على مبالغ كبيرة من الدائنين الرسميين قبل نهاية العام، من أجل وقف التدهور في السيولة الخارجية لديها، مضيفة: “آفاق الإصلاحات التي من شأنها خفض العجز المالي، وتثبيت الديون، واحتواء ضغوط السيولة الخارجية كانت ضعيفة قبل هذه الأزمة”.
وكانت “فيتش” خفضت تصنيف تونس إلى “B-” مع نظرة مستقبلية سلبية في وقت سابق من الشهر الجاري، بسبب تصاعد مخاطر السيولة المالية والخارجية، في سياق مزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.
في حين تعتقد “فيتش” أن الفشل في الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، مما يؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، سيزيد الضغوط على السيولة الدولية.
يشار إلى أن الاقتصاد التونسي سجل انكماشاً بـ3% في الربع الأول من العام الحالي.
في هذا الإطار، تعاني تونس تحديات اقتصادية أذكتها جائحة كورونا، اعتباراً من العام الماضي، نجم عنها تراجع الإيرادات وارتفاع النفقات.
“قرارات تصعيدية”
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014 الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسي الوزراء والبرلمان.
سعيد قال إنه اتخذ هذه القرارات بـ”التشاور” مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر “سعيد” قراراته “المثيرة” بما قال إنها “مسؤولية إنقاذ تونس”، مشدّداً على أن البلاد “تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها”، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيد، إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء؛ طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
“انقلاب على الثورة والدستور”
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة “النهضة” ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: “نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية، إلى أنه “مستاء من هذه القرارات”، متابعاً: “سنواصل عملنا، حسب نص الدستور”.
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها “انقلاب مروّض” على الدستور والشرعية، منوهاً إلى أنهم سيتعاطون مع “هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)”، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
الولايات المتحدة تعبر عن القلق…
في أول رد فعل لها على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية، الإثنين 26 جويلية 2021، عن قلقها من “التطورات التي تشهدها البلاد”، وذلك في بيان رسمي للبيت الأبيض.
وكان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 جويلية أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي.
جاء في بيان البيت الأبيض، أن واشنطن “تحث على الهدوء في تونس”، كما أنها شددت على أنها “لم تحدد بعد ما إذا كان الوضع في تونس يعد انقلاباً”.
كما أضاف أن المسؤولين “يقومون باتصالات على أعلى المستويات مع الزعماء في تونس لمعرفة المزيد”.
حزب اردني رافض…
الحزب الأردني وجَّه، في بيان له، دعوة إلى الشعب التونسي من أجل “التمسك بمؤسساته الشرعية”، مؤكداً أنه “قادر على حماية ثورته من محاولات إجهاضها واختطافها”.
“مخططات قوى الثورة المضادة”
جاء ذلك في بيان، استنكر فيه الحزب، وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، تجميد اختصاصات البرلمان وإقالة رئيس الحكومة.
كما أضاف، في البيان نفسه: “ما يجري في تونس يمثل حلقة جديدة من مخططات قوى الثورة المضادة التي تستهدف إرادة الشعوب؛ لإعادتها إلى سلطة الاستبداد”.
الحزب الأردني أشار إلى أن ذلك “بدعم من أنظمة (لم يسمها) لم تجلب للمنطقة سوى التأزيم والخراب والدمار والفوضى والارتهان للمخططات الصهيونية والغربية على حساب مصالح الأمة”.
واستدرك أن تلك الأنظمة “تسعى لإجهاض التجربة الديمقراطية في تونس، التي شكلت أملاً للشعوب نحو إرساء قواعد الدولة الحديثة على أساس التداول السلمي للسلطة انطلاقاً من الإرادة الشعبية”.
إضافة إلى ذلك، دعا الحزب المجتمع الدولي إلى إدانة “الانقلاب على الشرعية المنتخبة، ودعم المؤسسات المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية”.
جامعة الدول العربية تتمنى…وتدعم
قالت جامعة الدول العربية، الإثنين 26 جويلية 2021، إنها تتمنى لتونس “سرعة اجتياز المرحلة المضطربة الحالية واستعادة الاستقرار والهدوء”، معربة عن دعمها الكامل للشعب التونسي، دون أن تحدد موقفاً واضحاً من الأزمة الحادة التي تشهدها البلاد.
جاء ذلك في بيان لها عقب تلقي أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، اتصالاً هاتفياً، ظهر الإثنين، من عثمان جراندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة بالجمهورية التونسية، بحسب مصدر مسؤول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وفق البيان، الاتصال تناول التطورات التي شهدتها تونس في المرحلة الأخيرة، والتي أفضت إلى القرارات الرئاسية التي تم الإعلان عنها مساء الأحد.
البيان أضاف: “المصدر أوضح أن وزير خارجية تونس وضع الأمين العام للجماعة العربية في الصورة بالكامل من الوضع السياسي الذي تشهده البلاد ومن التفاعلات التي أدت إلى صدور القرارات الرئاسية الأخيرة في ضوء ما شهده الوضع الداخلي من حالة انسداد”.
في حين شكر أبوالغيط الوزير التونسي على مبادرته بالاتصال وشرح الوضع، مؤكداً “الاهتمام الكبير الذي تحظى به التطورات التونسية من جانب الجامعة العربية ومن جانب الرأي العام العربي كافة”.
كما أعرب أبوالغيط عن “دعم الجامعة العربية الكامل للشعب التونسي، وعن تمنياتها لتونس بسرعة اجتياز المرحلة المضطربة الحالية، واستعادة الاستقرار والهدوء وقدرة الدولة على العمل بفاعلية من أجل الاستجابة لتطلعات ومتطلبات الشعب”.