الرئيسيةثقافة وفنون

فيلم “أوروبا”لحيدر رشيد:”إثنتان وسبعون ساعة من الضياع والمجهول في غابة عدائية لا نهاية لها”

 خاص- روما 

بعد عرضه العالمي الاول في “مهرجان كان السينمائي الدولي” ومهرجانات اخرى، وفي بروكسيل ومرسيليا وباريس ومدن فرنسية أخرى. يبدأ فيلم “أوروبا” للمخرج العراقي الايطالي حيدر رشيد عروضه الجماهيرية في صالات المدن الإيطالية. الفيلم انتاج عراقي ايطالي كويتي مشترك بإسهام من وزارتي الثقافة في العراق وإيطاليا واطراف انتاجية اخرى

.  تبدأ صالات السينما الايطالية في الثاني من سبتمبر المقبل بالعروض الجماهيرية لفيلم “أوروبا“ للمخرج العراقي الإيطالي حيدر رشيد، والذي شهد عرضه العالمي الأول ضمن برنامج “نصف شهر المخرجين” في “مهرجان كان السينمائي الدولي” ال74 ومنحته “جمعية النقد المستقل في مهرجان كان” جائزة “بياتريتشي سارتوري” التي بلغت في هذا العام دورتها التاسعة.

وسيسبق العرض الجماهيري للفيلم عروض مهرجانية اخرى في بروكسيل ومرسيليا وباريس ومدن فرنسية اخرى، ليحط الفيلم في الاسبوع الثالث من هذا الشهر في مهرجان أدنبرة السينمائي الشهير، حيث أعدّت ادارة المهرجان احتفاءً خاصّا بالفيلم لتميّزه الفني ولأهمية الموضوع الذي يتناوله والزاوية التي تناول المخرج موضوعة الهوية والهجرة والوحدة والضياع في عالم يُحيط الانسان بالمجهول والرفض والعداء غير المبرّر.

يروي الفيلم اثنتين وسبعين ساعة من حياة الشاب العراقي العشريني “كمال” الذي يحاول اجتياز الحدود التركية الى أوروبا عبر بلغاريا، برفقة مجموعة من المهاجرين غير القانونيّين الذين يسلّمون قيادهم الى مهرّبي البشر ليقعوا فرائس بين يدي شرطة الحدود البلغارية، ومن بعدهم “صائدو المهاجرين” وهم مجاميع مدنية ذات ميول واتجاهات فاشيّة مناهضة للغريب، تعمل على الاثراء عبر اصطياد المهاجرين وسرقتهم من كلّ ما بحوزتهم من مالٍ ووثائق وادوات. وفيما يصبغ هؤلاء سلوكهم بأرديةٍ أيديولوجية وفكرية عنصرية، فإنّ واقع الحال، وتحقيقات صحفية وقضائية كثيرة، أثبتت بأن عمل هؤلاء ليس إلاّ المرحلة الثانية من عمليات تهريب البشر وإثراء المنظومات والجماعات الإجرامية المنظّمة التي تقف وراءها مافيويّات عديدة، سواءٌ أكانت عبر البحر من شمال أفريقيا، أو عبر ما يُسمى ب “طريق البلقان” الذي تدور في مجاهيله أحداث الفيلم والساعات الاثنتان والسبعون التي يعيشها الشاب كمال، والذي يؤدّيه، بحضور متميّز، الممثل الليبي البريطاني الشاب آدم علي. تنتهي الساعات الاثنتان والسبعون التي نشاهدها من حياة “كمال” بنهاية مفتوحة، لن نعلم إلى مَ ستنتهي، لكنّ النغمة الموسيقيّة الوحيدة في الفيلم، والمأخوذة من “Tender Breeze” للموسيقي العراقي الكبير نصير شمّة ستوحي الى المشاهد ما قد يؤول اليه مصير هذا الشاب.

فيلم “أوروبا” هو العمل الطويل الخامس الذي يُنجزه المخرج العراقي الايطالي حيدر رشيد، والذي شكّلت مسألة الهوية والانتماء والتعايش ما بين الثقافات، سواءٌ داخل المجتمعات او في دواخل البشر، الموضوعات الرئيسية فيها،

فبعد فيلمه القصير الأول “كما الماء” الذي انجزه في السابعة عشر من العمر، أنجز شريطه الروائي الأول “المحنة” والذي تناول محنة شاب عراقي بريطاني ولد من أبٍ عراقي (مثقّف مهاجر يُغتال في بغداد بعد عودته اليها غداة سقوط التظلم الديكتاتوري) وام بريطانية، وتشكّل الآصرة المتشابكة والملتبسة ما بينه والأب والام اللُحمة الاساسيّة في الفيلم.

شهد الفيلم عرضه العالمي الأول في مهرجان دبي السينمائي الدولي وعُرض في اكثر من مهرجان وفي الضلالات البريطانية.

تبع ذلك شريطٌ قصير، هو الآخر، كان العراق، من جديد، مشهده وبطله. كان الفيلم بعنوان “القاع”، ونال على حائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دبي السينمائي الدولي.

وتبع ذاك فيلم وثائقي طويل ولد من تزاوج ما بين عزف البيانو وموسيقى فرقة صقليّة تعزف على آلات تقليدية، وكان بعنوان “صمتاً، كل الطرق تؤدي الى الموسيقى”، وحاز على الجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي وعادت معظ الهوية والانتماء من جديد الى عمل حيدر رشيد حين انجز فيلمه الروائي الثاني “مطرٌ وشيك” تناول فيها حياة وحالة من يُسمّون في ايطاليا واوروبا بأبناء “الجيل الثاني”، وهم ابناء المهاجرين المقيمين في ايطاليا (بشكل قانوني) لكن دون ان يتمتّعوا بالمواطنة الايطالية، وعلى الكثير منهم مغادرة البلاد الى بلادهم الاصلية في حال انتفاء المسببات القانونية لبقاء ذويهم في ايطاليا، وهي في الغالب مسببات اقتصادية تُحبر ابناء هذا الجيل الى واحدٍ من خيارين: إما البقاء في ايطاليا بشكلٍ غير قانوني والتعرّض الى كلّ التبعات القانونية والقضائية لهذا الوضع، او “العودة” الى بلاد ابائهم والتي لا يعرفونها إلا عبر ذكريات وحكايا ذويهم وربما لم يتعلّموا حتى لغتها. يروي الفيلم حكاية “سعيد مهران” – وهذه تحية مشتركة من المخرج الى نجيب محفوظ وكمال الشيخ لرواية وفيلم “اللص والكلاب”، الذي ادى بطولته الراحل شكري سرحان-. بعد “مطرٌ وشيك” أنجز حيدر رشيد فيلمه الوثائقي الموسيقي الثاني وكان بعنوان “ستريت أوپرا” مرّ عبره على تجربة خمسة من موسيقيّي الهيب هول الإيطاليّين، والذين قدّموا عبر عمله صورة وقراءة للمجتمع الايطالي المتنوع من شماله الى جنوبه، وهما، الصورة والقراءة، التي يُفترض بأيّ سياسي ايطالي (وغير إيطالي) ان يقرأها ويشاهده ليتعرّف على المتغيّرات الحاصلة في المجتمع الايطالي (وغيره) بالذات في عالم الشبيبة الذي فقدت السياسة وشائجها معه ونأى الشباب عن السياسة لعجز السياسيّين عن التعامل معه وادراك المتغيّرات الحاصلة في ذلك العالم الذي يمثّل الغد، وهي متغيّرات ليست شكليّةً فحسب، بل فكرية، سوسيولوجيا وسيكولوجية ايضا.

وتبع فيلم “صمتاً، كل الطرق تؤدي الى الموسيقى”، شريط قصير بعنوان ” No Borders” وهو الفيلم الايطالي الأول الذي يُنحز بالواقع الافتراضي وحاز، بعد عرضه في مهرجان فينيسيا، على جائزة “ميغرارتي” الممنوحة من قبل وزارة الثقافة الايطالية، كما حاز على جائزتين من ضمن جوائز “الشريط الفضّي” الذي تمنحه “نقاد نفّاد وكتاب السينما الايطاليين”.

“وشكّل ذلك الفيلم المُنجز بتقنيات الواقع الافتراضي، الخطوة الأولى من مراحل انجاز شريط “أوروبا”، كما يقول المخرج حيدر رشيد “إذْ أردت ان انقل حالة الشعور بالغرق التي يستشعرها المشاهد وهو منغمسٌ في الواقع الافتراضي حواليه، الى الواقع الحقيقي الذي يستشعره انسانٌ وحيد تُلقي به الأحداث في مجاهل غابة عدائية لا نهاية لها”، ويُضيف “فكما المشاهد في ” No Borders” يعيش كلّ زاوية من زوايا مأساة المهاجرين المكدّسين عند نقطة الحدود الإيطالية الفرنسية في مدينة فينتيميليا الايطالية دون اي افق للخلاص، اردت للمشاهد ان يُعايش الساعات الاثنتين والسبعين التي يعيشها بطلي “كمال” وتحيله الى حالة الانسان الاول على الارض الذي عليه ان يواصل السعي والهرب للخلاص من خطر محدق والوصول الى هدف ما، لكن دون ان يكون ذلك الهدف، اذا ما بلغه بالفعل، هو الخلاص بعينه…”.

فيلم “أوروبا” من انتاج شركة “راديكال بلانز” الايطالية، هو أحد الافلام الروائية الطويلة العراقية الخمسة التي اسهمت وزارة الثقافة العراقية بدعم انتاجها من خلال “مُنحة بغداد للسينما العراقية”، وهو انتاج عراقي ايطالي مشترك أسهمت فيه وزارة الثقافة الايطالية وباسهام من قبل “صندوق آفاق” لدعم الثقافة والفنون و “مؤسسة الفيلم في مقاطعة توسكاني الايطالية” وشركة “بيوند دريمز الكويتية”، إضافةً الى اطراف انتاجية أخرى.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.