أول انتخابات لمجلس الشورى في قطر. خطوة تبدو جذابة في منطقة تفتقر لممارسات ديمقراطية حقيقية. لكن الانتظارات ليست كبيرة، كما أن جدل استثناء عدد من أفراد قبيلة آل مرة بشكل غير مباشر من التصويت والترشح، يثير عدة أسئلة.
يستعد القطريون للتصويت السبت (2 أكتوبر/تشرين الأول) في أول انتخابات لمجلس الشورى في خطوة رمزية من غير المرجح أن تغير ميزان القوى في الإمارة الخليجية الثرية، وستجرى الانتخابات لاختيار 30 عضوا في مجلس الشورى من أصل 45 عضوا.
وأكبر تحدٍ تواجهه هذه الانتخابات هو عدد السكان، إذ يشكل الأجانب 90 بالمئة من عدد سكان قطر البالغ 2,75 مليون نسمة، ولا يحق لهم التصويت والترشح. ورغم التنصيص عليها في دستور 2003، إلا أنها أول مرة تجرى فيها هذه الانتخابات.
كما يظهر التغيير الديموقراطي الذي ستحدثه الانتخابات محدودا جدا في الدولة الخليجية حيث لن تتغيّر الحكومة بعد الانتخابات ولا توجد أحزاب سياسية.
تأثير محدود
ويقول محللون إن الانتخابات، على الرغم من أنها بادرة غير معمّمة في منطقة الخليج، باستثناء الكويت، لن تكون نقطة تحوّل في قطر. وقال المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ لوكالة فرانس برس “من المهم الفهم أن الطموح ليس إقامة ملكية دستورية لكن زيادة مشاركة” المجتمع، موضحا أن “تطبيق معايير الديمقراطية خطأ” في هذه الحالة.
ومهمة مجلس الشورى تقديم المشورة لأمير قطر في شأن مشاريع القوانين، لكنه لا يضع تشريعات خاصة به. ويشير الدستور القطري إلى أن المجلس يختص في مناقشة واقتراح عدة مسائل منها مشاريع القوانين والميزانيات، ومناقشة السياسة العامة للدولة، واستجواب الوزراء، لكن كل قراراته يمكن نقضها بمرسوم أميري.
وصادقت وزارة الداخلية على كل المرشحين. وترشّح 284 شخصا موزعين على 30 دائرة انتخابية، بينهم 28 امرأة، وسيعين الأمير 15 عضوا آخرين في المجلس.
جدل حول إقصاء قبيلة آل مرة
سيتعين على المرشحين خوض الانتخابات في الدوائر الانتخابية المرتبطة بمكان إقامة عائلاتهم أو قبيلتهم في الثلاثينات، باستخدام بيانات جمعتها السلطات التي كانت تخضع للنفوذ البريطاني آنذاك.
ويحق فقط لأحفاد القطريين الذين كانوا مواطنين عام 1930 التصويت والترشح، ما يعني استبعاد بعض أفراد العائلات المجنسة منذ ذلك العام. ومن بين الذين يواجهون الاستبعاد من العملية الانتخابية عدد من أفراد قبيلة آل مرّة، الأمر الذي أثار جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقاً للقانون، يتمتع “بحق انتخاب أعضاء مجلس الشورى كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية، وأتم 18 سنة ميلادية، ويستثني من شرط الجنسية الأصلية كل من “اكتسب” الجنسية القطرية بشرط أن يكون جده قطرياً ومن مواليد دولة قطر”.
أما المرشحون فيتعين أن يكون المرشح جنسيته الأصلية قطرية ولا يقل عمره عند قفل باب الترشح عن 30 سنة ميلادية، كما يمنع القانون أفراد عائلة آل ثاني الحاكمة من الترشح لكن يمكنهم التصويت.
وصرح آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في بيان لهذه الأخيرة: “كان يمكن لمحاولة قطر إشراك المواطنين في الحكم أن تكون لحظة يُحتفى بها، لكنها تشوّهت بفعل حرمان العديد من القطريين من حقوق المواطنة الكاملة وقمع منتقدي الحرمان التعسفي من الاقتراع”.
وذكرت المنظمة أن القطريين الذين لم تُقبَل طلباتهم بالتسجيل في الانتخابات، “عبروا عن استيائهم على الإنترنت، وكان بينهم كثيرون من قبيلة آل مرّة، الذين طالما انتقدوا حرمانهم من حقوق المواطنة الكاملة. وأشارت المنظمة بداية الشهر الماضي إلى وقوع اعتقالات بحق أفراد من القبيلة.
وقال وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “هناك بعض القيود القانونية حالت دون مشاركة عدد من المواطنين، ولكن بنفس الوقت هناك طريق واضح وآلية واضحة نحو تعديل هذا القانون عبر مجلس الشورى القادم وعن طريق أعضائه المُنتخبين الذين سيخدمون كل الشعب”.
ويشير محللون إلى أن الخلاف بين القبيلة والسلطات القطرية قديم منذ عقود، وظهر خلال استعانة الشيخ خليفة بن حمد (جد أمير قطر الحالي) بالقبيلة ضد ابنه حمد بن خليفة عندما أطاح به من الحكم عام 1995، لكنه لم ينجح في قبل الطاولة على ابنه الذي استمر حاكما للإمارة حتى عام 2013.
وتوجد هذه القبيلة بشكل رئيسي في السعودية وقطر. وسحبت الدوحة الجنسية القطرية عام 2005 من أفراد عشيرة الغفران أحد عشائر القبيلة بدعوى أنهم يحملون الجنسية السعودية، كما تضررت العلاقة بين قطر وزعماء في القبيلة خلال الأزمة الخليجية بعد وقوفهم إلى جانب الرياض في اتهاماتها للدوحة، لكن مع ذلك تؤكد القبيلة أنها قطرية وأن جذورها في البلاد تعود إلى ما قبل ظهور الشكل الحديث للدولة.
واقترح خبراء أن يكون ممثلو المجموعات المستبعدة من بين الـ15 الذين يعيّنهم الأمير بشكل مباشر. وسيحتاج مجلس الشورى الجديد المنتخب الى غالبية كبيرة جدا لتعديل قانون الأهلية للترشح ليشمل العائلات القطرية المجنسة.
الأخبار الكاذبة تهدّد
تسبّب قانون الانتخابات بانتشار سلسلة من الأخبار التي وصفت بالكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا على “تويتر”، جرى تداولها تحت أوسمة مختلفة بينها #الشعب_يقاطع_انتخابات_الشورى.
ويخشى مسؤولون في الإمارة أن تستغل السعودية والإمارات، الخصمان الكبيران لقطر رغم المصالحة قبل فترة، الانتخابات بعدما اعترضتا عليها، وفق ما تقول قطر.
واستخدمت حسابات اعتادت على مهاجمة قطر هذا الهاشتاغ بقوة، وكتب حساب تحت اسم محمد الكواري أن النساء ممنوعات من المشاركة في الانتخابات، لكن هذه المعلومة غير صحيحة.
وصعد هذا الهاشتاغ إلى الترند في تويتر، رغم عدم استخدامه في حسابات كثيرة. وقال موقع “الدوحة نيوز” إن الوسوم يمكن أن تصعد إلى الترند إذا كانت ممولة من شركة معينة أو إذا قامت شركة تويتر بنفسها بإظهاره في الترند، محيلة على المقرّ الإقليمي للشركة في دبي.
ونقل الموقع عن خبير التحليل الرقمي مارك أوينس أن صعود وسم إلى الترند عبر عدد محدود من التغريدات أمر شائع في المنطقة، لكنه استبعد أن يكون تويتر هو من قام بذلك، وقال إن هناك إمكانية لتضليل النظام الرقمي في تويتر بشكل لا تدركه الشركة أو لا تهتم له.
ورغم الانتقادات الواسعة لقطر في عدم احترام الأسس الديمقراطية، واستثناء جزء واسع من المواطنين القطريين من الانتخاب واستمرار الصلاحيات الأساسية في يد أمير البلاد، إلّا أن مراقبين كالناشط الحقوقي الكويتي أنور الرشيد يرون أن “قطر والكويت تتعرضان لحملة تشويه غير مسبوقة كونهما النظامين الوحيدين اللذان بهما رائحة ديمقراطية”.
ولا تزال الحساسيات الخليجية مستمرة، ولم تنته الأزمة بشكل كامل، خصوصا بين الإمارات وقطر اللتان تتنافسان اقتصاديا وإعلاميا. ونشطت وسائل إعلام إماراتية في تغطية أخبار ما تصفه بحملة مقاطعة الانتخابات في قطر.