اول الكلام

تونس – سعيّد بين شِقَّيّ رحى “السيادة” والرضوخ للقروض المشروطة

تزداد الأزمة الاقتصادية في تونس حدة مع ارتفاع الأسعار والنقص الحاد في السيولة والعجز المتزايد في الموازنة. كيف يبدو المخرج من ذلك في ظل استمرار الأزمة السياسية واحتمال اللجوء إلى الإمارات والسعودية لتأمين دعم مالي عاجل؟

    الرئيس التونسي قيس سعيّد عطل عمل البرلمان والمؤسسات التشريعية، إلى أين تسير تونس بعد خطواته المثيرة للجدل؟

هل ينجح الرئيس قيس سعيّد من خلال الحكومة التونسية الجديدة برئاسة نجلاء بودن في إنقاذ البلاد من أزمتها المالية؟

تتدلى عناقيد الموز والعنب من أشرطة معلقة في واجهة محل لبيع الفاكهة فيما تصدرت في المدخل صناديق معبأة بالرمان والإجاص، ومع أنها تعد من بين فاكهة موسم الخريف في تونس، إلا أن الأسعار لا تبدو جاذبة للحرفاء أو للزبائن وكل من يمرون بالمحل الواقع في مفترق طرق.

ويقول صاحب المحل الذي فضل أن يتفادى التصوير لـDW عربية: “لا نتحمل مسؤولية هذه الأسعار نحن نخضع الى ضغوط أيضا في السوق المركزية. وبالكاد نستطيع توفير السلع والمحافظة على الحد الأدنى من هامش الربح. المهم بالنسبة لنا أن نستمر في العمل نحن نخوض يوميا معركة وجود للاستمرار”.

وليست الأسعار وحدها موضع نقاش في الشارع التونسي فالمخاوف تحولت إلى شكوك بشأن تأمين رواتب الموظفين مع احتداد الازمة المالية وفي ظل حديث غير مؤكد عن اللجوء الى طباعة الأوراق المالية المنذر بتضخم مخيف إذا ما حصل.

ورد حريف على صاحب المحل بنبرة لا  تخلو من السخرية بالقول: “سنكون شاكرين للدولة إذا ما وفرت لنا الرواتب هذا الشهر. لا زالوا ينتظرون الدعم المالي من السعودية والامارات”.

يبدو الاقتصاد التونسي في أزمة خانقة، هل ينقذه صندوق النقد الدولي بقروض جديدة؟التونسيون لا يعانون فقط قلة في عرض السلع وارتفاعا في أسعارها، بل أيضا احتمال عدم دفع أجورهم، هل تنجح الحكومة الجديدة في إيجاد مخرج؟

ضائقة مالية وضغوط ديبلوماسية

تواجه تونس بالفعل نقصا حادا في السيولة وصعوبات كبيرة لتمويل الموازنة فيما تبقى من عام 2021، والأسوأ من ذلك ان هامش التحرك بات ضيقا في السوق المالية الدولية بعد قرار وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تخفيض التصنيف السيادي لتونس من B2 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية. كما حذرت الوكالة من تخلف تونس عن سداد ديونها إذا لم يتم تأمين تمويل كبير.

وثمة عائق أساسي يضيق على السلطة الحاكمة في تونس هامش التحرك بسبب ضغوط الشركاء إزاء التدابير الاستثنائية التي اعلنها الرئيس قيس سعيد وتعليقه العمل بمعظم مواد الدستور، ومطالبتها بإطلاق حوار وطني مع الشركاء السياسيين ووضع خارطة طريق واضحة للعودة الى النظام الدستوري والديمقراطية البرلمانية وعرض الإصلاحات السياسية.

على مدار أيام تحولت تونس إلى محج للديبلوماسية الدولية للوقوف على الأزمة والبحث في مخارجها.

وآخر الوافدين كان نائب وزير الخارجية الألمانية نيلز آنن الذي أعرب صراحة عن مخاوف ألمانيا من وضع الديمقراطية في البلاد، كما بحث مع المسؤولين التونسيين المأزق المالي والاقتصادي الذي تتخبط فيه البلاد.

وبخلاف ذلك تصاعدت الضغوط القادمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث خصص البرلمان الأوروبي جلسة لمناقشة الوضع في تونس، فيما فرضت لجنة الاعتماد بالكونغرس الأمريكي حزمة من الشروط مقابل الاستمرار في ضخ المساعدات العسكرية بعنوان سنة 2022 ومن بينها أساسا التدقيق فيما إذا كان للجيش دور في تراجع الديمقراطية في تونس.

كما اشترطت اللجنة النظر فيما إذا كانت السلطات التونسية بصدد اتخاذ خطوات ذات مصداقية لإعادة النِظام الدستوري والديمقراطية، بما في ذلك ضمان حرية التعبير، والصحافة، والجمعيات وحقوق أعضاء الأحزاب السياسية.

وكتب النائب المعارض للرئيس قيس سعيد، ياسين العياري في تدوينة ساخرة له: “تونس في عزلة خارجية لم تعرفها منذ سنة 91 والرئيس مزهو بالسلطة و تطبيل من حوله ويعتقد أنه يحكم العالم الآن”.

“لا هبات مجانية”

ومع تشديد الرئيس قيس سعيد على “سيادة تونس” وعدم الرضوخ الى الضغوطات الخارجية، فإنه لم يتبق عمليا من خيار للسلطة سوى اللجوء الى الدول الصديقة للاقتراض وهو ما كشف عنه البنك المركزي بوضوح، وقد طرح بقوة داخل مؤسسات الدولة اللجوء إلى السعودية والإمارات بالذات لتأمين الدعم المالي.

بحسب الوزير السابق توفيق الراجحي الذي كان مكلفا بالإصلاحات الكبرى، فإن تونس مطالبة بتوفير ما لا يقل عن ملياري دولار من القروض الثنائية في صورة الاستجابة لطلبها لكنه لفت في نفس الوقت إلى ان تونس ليس لديها تقاليد مع هذا النوع من القروض.

وأوضح الراجحي أن البلدان التي يمكنها أن تتفاعل مع تونس إيجابيا لتوفير “قروض ثنائية” لتعبئة موارد إضافية للدولة قبل نهاية هذه السنة، لن تتجاوز دول الخليج وليبيا على أقصى تقدير.

ويقول المنجي الرحوي النائب وعضو لجنة المالية في البرلمان الذي تم تجميده، في حديثه مع DW عربية إن التعاون المالي الثنائي مع الدول ليس أمرا مستجدا وهو يظل إحدى الآليات التي تستخدمها الدول للإقراض والتعبئة المالية، مشيرا إلى واقعة مماثلة في السابق عندما تحصلت تونس على قرض ومساعدات بقيمة 250 مليون دولار من الجزائر.

وقال الرحوي مستدركا أن الوضع الحالي في تونس لا يتعلق بانسداد للأفق وانعدام كامل للموارد، مضيفا: “أعتقد أن هناك تهويل لهذه المسألة ولوضعية المالية العمومية بشكل عام باعتبارها في وضعية صعبة. هذه الوضعية ليست جديدة على تونس. وقد سبق أن مرت الدولة بصعوبات مماثلة ولكن استطاعت في النهاية ان تفي بتعهداتها المالية”.

ولكن مثل هذه الخطوة تثير تحفظا من شق من المعارضة وحساسية بالغة بسبب كلفتها السياسية المحتملة وإمكانية ان تزج بتونس داخل محور اقليمي تقوده السعودية والإمارات اللتين دعمتا بشكل واضح خطوات الرئيس قيس سعيد المعلنة منذ يوم 25 تموز/يوليو الماضي.

ويوضح الخبير الاقتصادي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي لـDW  عربية إنه لا مفر من الشروط السياسية ومن التحالفات في مثل هذه الاتفاقات المالية مع الدول العربية وانه لا مجال للحديث عن “هبات مجانية”.

ويتابع البدوي في تحليله “أن كلفة الاقتراض من دول مثل السعودية والامارات، قد تتمثل في مواقف سياسية من بعض القضايا، مثلا الحرب في اليمن أو الإسلام السياسي أو الخلاف الخليجي حول دولة قطر، وهذا على عكس الاتفاقيات مع الدول الغربية التي تقوم على شروط اقتصادية ومالية ومصالح تجارية”.

ولم يستبعد كذلك النائب المعارض ياسين العياري في حديثه مع DW عربية من وجود شروط مسبقة مقابل الدعم الاماراتي والسعودي، لافتا إلى حادثة سابقة وهي تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافر للسعودية مقابل الدعم المالي لها.

الحلول البديلة: تعبئة داخلية

ويرى البدوي أن الحلول البديلة لا تزال قائمة أمام الرئيس قيس سعيد لتفادي مثل هذا النوع من القروض وللحفاظ على السيادة الوطنية والنهوض بالاقتصاد، مثل العمل على استعادة مستحقات الدولة البالغة 6ر12 مليار دينار تونسي لدى عديد القطاعات والأطراف مثل الضرائب المتأخرة والخطايا الجمركية ومراجعة الامتيازات الضريبية وفرض ضريبة على الأثرياء والشركات الرابحة زمن كورونا مثل المصحات والبنوك.

ويتفق المنجي الرحوي مع فكرة أن الفرصة لا تزال قائمة للحكومة من أجل التعبئة الداخلية وتغطية الالتزامات في موازنة 2021، وهو حل سيجنب برأيه، الدولة من أي تبعات سياسية لأي عملية اقراض خارجية.

لكن الخبير عبد الجليل شدد من أن مثل الخطوات تحتاج إلى قرارات جريئة لمواجهة اللوبيات ذات النفوذ الواسع في الاقتصاد التونسي بينما استبعد النائب ياسين العياري ان يقدم الرئيس على مثل تلك الاصلاحات العميقة لأنها قد تهدد بخسارة جزء من شعبيته لدى انصاره، وهو في رأيه لن يخاطر بذلك.

المصدر:DW

طارق القيزاني – تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.