السودانيون يواجهون انقلاب الجيش
قُتل متظاهران سودانيان معارضان للانقلاب العسكري، اليوم السبت، في منطقة أم درمان في شمال غرب الخرطوم “برصاص ميليشيات المجلس العسكري الانقلابي”، بحسب ما أعلنت لجنة الأطباء المركزية في السودان.
وأضافت اللجنة أنّ المتظاهرين كانا يشاركان مع عشرات آلالاف السودانيين في تظاهرات مناهضة لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المؤسسات السياسية الانتقالية. وأصيب أحدهما “بطلق ناري في الرأس والآخر بالبطن”، وفق اللجنة.
قادة جيش السودان خدعوا المبعوث الأمريكي!
قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته يوم الجمعة 29 أكتوبر/ 2021 إن المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان إلى القرن الإفريقي قضى أياماً في التنقل بين قائد الجيش السوداني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ سعياً لتفادي انهيار التحول الديمقراطي الهش في البلاد الذي استغرق الإعداد له عامين.
ففي سلسلة من الاجتماعات المحمومة في العاصمة السودانية الخرطوم قبيل الانقلاب، حاول جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي، تهدئة الخلافات بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء المدني، عبد الله حمدوك، اللذين كانا يتشاركان السلطة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير عام 2019.
إقالة الحكومة
في اجتماع أخير عصر يوم الأحد 24 أكتوبر2021، قال البرهان بضرورة إقالة الحكومة السودانية وحل حكومة تكنوقراط محلها، لكنه لم يشِر إلى أنه يستعد للاستيلاء على السلطة. واتجه الدبلوماسي الأمريكي مطمئناً إلى قطر. ولدى هبوطه، أضاء هاتفه معلناً حدوث انقلاب في السودان.
من جانبه، قال نور الدين ساتي سفير السودان لدى الولايات المتحدة: “لقد كذبوا عليه” في إشارة إلى القيادة العسكرية لبلاده. وأضاف: “وهذا أمر شديدة الخطورة، لأنه حين تكذب على الولايات المتحدة، فستدفع الثمن”.
في سلسلة من المقابلات مع محللين وعدد من المسؤولين الأمريكيين والسودانيين والأوروبيين، ظهرت صورة لجيش تنامى استياؤه من شركائه المدنيين واعتزم الحفاظ على مكانته المتميزة وتجنب أي تحقيقات في شؤونه التجارية أو انتهاكاته لحقوق الإنسان خلال ثلاثة عقود من حكم البشير.
كما انتقد البعض أيضاً المعارضة المدنية لفشلها في تهدئة مخاوف الجنرالات من الملاحقة القضائية في فترة الانتقال إلى الديمقراطية، فيما قال مسؤول أمريكي إن روسيا شجَّعت الانقلاب على أمل اكتساب مزايا تجارية وميناء على البحر الأحمر.
تصاعد التوترات
جدير بالذكر أن التوترات بين المكونين المدني والعسكري تصاعدت في الأشهر الأخيرة، حيث صعّدت الجماعات المؤيدة للديمقراطية مطالبتها الجيش بترك السلطة للمدنيين وبأن تتولى الحكومة الانتقالية التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في عهد البشير. وقال محللون ومسؤولون إن الجيش رفض هذه المطالب، خوفاً من أن تفضح أي إجراءات محاسبة مصالحهم الشخصية والمالية والحزبية.
من جانبه قال كاميرون هدسون، الباحث البارز غير المقيم في مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي: “كل هذا تراجع تكتيكي”، وأشار إلى أن الجنرالات وقّعوا اتفاقية تقاسم السلطة عام 2019 لتخفيف الضغط على الجيش، لا لأنهم مقتنعون بها. وقال: “الهدف الأساسي كان الحفاظ على الجيش”.
من المشكلات الخلافية الأخرى تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي اتهمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم أخرى.
في حين قاومت القوات المسلحة وأجهزة المخابرات أيضاً الجهود المبذولة لكبح سلطتهما المالية الواسعة.
قال ساتي، السفير السوداني، الذي أعلن الجيش السوداني يوم الخميس 28 أكتوبر أنه أقاله مع سفراء آخرين أدانوا الانقلاب علناً، إن القادة المدنيين في الحكومة الانتقالية يتحملون جزءاً من مسؤولية انهيار العلاقات.
كذلك أضاف: “هناك شد وجذب واستفزاز متبادل بين الجانبين”. وتابع أن بعض المدنيين لم يفهموا أهمية تهدئة مخاوف العسكريين.
ارتفاع التضخم
في ظل ارتفاع التضخم ونقص السلع الأساسية، واجه حمدوك الكثير من الضغوط أيضاً. يقول ساتي إنه تكنوقراط من حيث التدريب والطبع، ويفتقر إلى المهارات السياسية اللازمة لتخفيف التوترات.
قال: “كانت الأطراف كثيرة، والخلافات كثيرة، ولم تتوفر معرفة كافية لفهم متطلبات اللحظة. وقد قاوم بقوة وسرعة زائدتين”.
في سياق متصل، قال محللون إن البرهان لم يكن لينفذ هذا الانقلاب لولا الموافقة الضمنية على الأقل من حلفاء أقوياء في الشرق الأوسط. واثنان من هؤلاء الحلفاء، مصر والإمارات، لم يعلنا رفضهما الانقلاب بعد، بينما أدانته السعودية، وفقاً لما صرحت به وزارة الخارجية الأمريكية.
البرهان يطيح بمزيد من سفراء السودان لرفضهم قراراته،
أعفى القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، سفراء بلاده في تركيا، والإمارات، وجنوب إفريقيا، على خلفية رفضهم إجراءات اتخذها الجيش، وعززت من سيطرته على البلاد، فيما تتأهب السلطات لاحتجاجات يتوقع أن تكون واسعة.
وكالة رويترز، نقلت السبت 30 أكتوبر 2021، عن قناة “الجزيرة” قولها إن البرهان أعفى عدداً من الدبلوماسيين السودانيين.
يأتي هذا القرار بعد يومين من قرار مماثل، أعفى بموجبه البرهان 6 سفراء للبلاد من مناصبهم، وهم السفراء لدى الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وبلجيكا، والاتحاد الأوروبي في بروكسل، وسويسرا، ومكتب الأمم المتحدة بجنيف، وقطر عبد الرحيم صديق.
لم يصدر أي توضيح رسمي بسبب قرارات الإعفاء تلك، لكن السفراء الستة سبق أن صدرت عنهم مواقف رافضة لقرارات البرهان الأخيرة؛ حيث وصفوها بـ”الانقلاب”.
هؤلاء السفراء قالوا في بيان وجهوه للشعب السوداني: “ندين بأشد العبارات الانقلاب العسكري الغاشم على ثورتكم المجيدة، ونرحب بالمواقف الدولية القوية”، مضيفين: نعلن انحيازنا التام إلى مقاومة شعبنا البطولية التي يتابعها العالم أجمع، ونعلن أن سفارات السودان لدى فرنسا وبلجيكا وسويسرا سفارات للشعب السوداني وثورته”.
كذلك أعلن السفراء عن عدم اعترافهم “بمثل هذا القرار الذي اتَّخَذَته سلطةٌ غير شرعية”، بحسب ما أورده موقع Middle East Eye البريطاني.
جاءت مواقف السفراء والدبلوماسيين، بعدما اعتقل الجيش يوم الإثنين 25 أكتوبر 2021، رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، الذي أُطلق سراحه لاحقاً، ووزراء بحكومته وقيادات حزبية.
كذلك أعلن البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعهد بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، كما أعلن حالة الطوارئ وإقالة الولاة وعدم الالتزام ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية.
برر البرهان قراراته بالقول، في كلمة متلفزة، إن “التحريض على الفوضى من قوى سياسية دفعنا للقيام بما يحفظ السودان”، معتبراً أن “ما تمر به البلاد أصبح يشكل خطراً حقيقياً”.
احتجاجات كبيرة مرتقبة
يأتي ذلك بينما يحشد أنصار الحكم المدني في السودان لتعبئة عامة ومسيرات يريدونها “مليونية”، اليوم السبت، ضد ما يصفونه بـ”انقلاب العسكر” بقيادة البرهان، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
كان معارضو الجيش قد وزعوا منشورات تدعو إلى “تظاهرة مليونية”، اليوم السبت، احتجاجاً على الحكم العسكري، وذلك وسط تقليص السلطات استخدام الإنترنت والهواتف.
بدوره، دعا “تجمّع المهنيين السودانيين” إلى “جعل مليونيات 30 أكتوبر ضربة مزلزلة لإسقاط المجلس العسكري وتسليم السلطة كاملةً لحكومة مدنية ترشحها القوى الثورية”.
قوات الأمن السودانية كانت قد أطلقت مساء الجمعة، 29 أكتوبر 2021، قنابل الغاز المسيل للدموع على متظاهرين ينددون بقرارات الجيش، فيما طوقت مختلف أنحاء الخرطوم بالمدرعات تحسباً لتظاهرات السبت.
عشية التظاهرات، تعالت الأصوات الدولية محذرة السلطات العسكرية من استخدام العنف ضد المحتجين، وحضت الولايات المتحدة الجيش السوداني، أمس الجمعة، على عدم قمع تظاهرات السبت.
في هذا السياق، قال مسؤول أمريكي كبير لصحفيين “نحن قلقون فعلاً حيال ما سيحصل غداً”، مضيفاً “سيكون الأمر اختباراً فعلياً لنوايا العسكريين”.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجيش السوداني إلى “ضبط النفس” في التعامل مع المتظاهرين.