10 مليار دولار استثمارات اماراتية في تركيا
بن زايد في تركيا لاول مرة بعد عشر سنوات
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في العاصمة أنقرة، فيما أعلنت الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.
وشهد محمد بن زايد وأردوغان توقيع عدة اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم، بينها اتفاق للتعاون في مجال مكافحة غسل الأموال والجرائم المالية.
ونقل حساب وكالة أنباء الإمارات (وام) على “تويتر” عن محمد بن زايد قوله: “التقيت اليوم في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأجرينا مباحثات مثمرة، تركزت حول فرص تعزيز علاقاتنا الاقتصادية، نتطلع إلى فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك، يعود بالخير على البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار”.
وأفادت الوكالة، بأن الصندوق الذي تم إعلان تأسيسه خلال الزيارة، بقيمة 10 مليارات دولار، سيركز على الاستثمارات الاستراتيجية، وعلى رأسها القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة والصحة والغذاء.
وأفادت وكالة الأناضول التركية الرسمية، بأن أردوغان ومحمد بن زايد عقدا، قبل توقيع الاتفاقات، اجتماعاً ثنائياً، وآخر على مستوى الوفود في المجمع الرئاسي بأنقرة.
وشملت المراسم أيضاً، توقيع البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي، مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي.
وكانت وكالة “رويترز” ذكرت في وقت سابق، أن البلدين سيوقعان مذكرة تفاهم للتعاون بين بورصات تركيا والإمارات، ومذكرة أخرى بشأن الموانئ البحرية، ومذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في استثمارات الطاقة.
جاويش أوغلو يزور أبو ظبي
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنه سيزور العاصمة الإماراتية أبوظبي في ديسمبر المقبل، مضيفاً أن البلدين عقدا اجتماعاً مثمراً للغاية.
وسجلت التجارة غير النفطية بين البلدين العام الماضي، قرابة 9 مليارات دولار، بنمو نسبته 21% مقارنة بعام 2019، على الرغم من آثار جائحة كورونا على التجارة العالمية، وفي النصف الأول من العام الجاري، بلغت أكثر من 7.1 مليار دولار، بزيادة 100% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب وكالة أنباء الإمارات.
وبعد شهرين من هذه التصريحات، بحث الشيخ محمد بن زايد وأردوغان عبر اتصال هاتفي العلاقات الثنائية والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
كما استقبل أردوغان في 18 اوت بالعاصمة أنقرة وفداً إماراتياً يقوده مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
وبحث أردوغان خلال اللقاء مع الوفد الإماراتي “سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية، خاصة التعاون الاقتصادي والتجاري والفرص الاستثمارية في مجالات النقل والصحة والطاقة، بما يحقق المصالح المشتركة بين البلدين”.
وتداول الطرفان أيضاً بشأن عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وقال الرئيس التركي عقب الاجتماع إنه أجرى “اتصالات مع أبوظبي خلال الأشهر الأخيرة”، مشيراً إلى أنه “تم إحراز بعض التقدم”، وفق ما أوردت وكالة “رويترز”.
وأكد أردوغان أنه ناقش مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الاستثمار في تركيا، مشيراً إلى أن الإمارات “ستقوم باستثمارات مهمة في تركيا، في حال سارت المفاوضات بشكل جيد”.
ما سر التغير الجذري في العلاقات؟
أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذه السرعة في الانفتاح بين أنقرة وأبوظبي، بعدما كان يسود التباعد والاصطفافات وسط تراكمات من الخلافات الثنائية والإقليمية.
والتقارب التركي الإماراتي الذي تجسد اليوم الأربعاء في اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان لم يكن مفاجئا، وإنما سبقه كثير من المؤشرات والسياقات وحتى التصريحات التي مهدت لإعلان لقاء كهذا يتوقع أن يكون مقدمة لشراكة أوسع.
وشارك أردوغان وابن زايد في مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الجانبين عقب لقاء وفدي البلدين بالمجمع الرئاسي بأنقرة.
والزيارة هي الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، وتشكل علامة فارقة وذات أهمية كبيرة على صعيد العلاقة بين الدولتين من جهة، وعلى صعيد المحاور المنقسمة التي اصطفت بها دول الإقليم خلال السنوات الأخيرة، من جهة أخرى.
أسباب الانفتاح السريع
مراقبون ذكروا أنه بعد مرور عقد كامل على “الربيع العربي”، انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين مما يترتب عليه تخفيف اثنين من مصادر التوتر الرئيسية بين أبوظبي وأنقرة.
وأوضحوا أن الإمارات أدخلت تعديلات على سياساتها تتماشى مع وضعية خفض التصعيد في الإقليم والتي بدأت مع خسارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومجيء إدارة الرئيس جو بايدن.
وعلى الرغم من إسناد معظم المراقبين أسباب الانفتاح السريع بين الدولتين للملف الاقتصادي؛ فإن سمير صالحة -أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي- يُخطّئ مَن يعتقد أن انطلاق الحوار التركي الإماراتي سببه اقتصادي كون العلاقات التجارية بين البلدين لم تتراجع على الرغم من كل التوتر في الملفات السياسية.
يُشار الى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين دول الخليج التي تستثمر داخل تركيا بحجم 4.3 مليارات دولار، حسب تقرير لوكالة الأناضول، كما أن مستشار الرئاسة الإماراتية الوزير أنور قرقاش يذكر أيضا أن دولته هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط.
وقال الأكاديمي التركي صالحة للجزيرة نت “كانت أبوظبي على علم بتفاصيل الحوار التركي المصري، والتركي السعودي، والمبادرة التركية في موضوع سد النهضة، وزيارة رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان إلى تركيا التي أعقبتها زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى العاصمة التركية، كما كانت أنقرة على علم بتفاصيل الخطة الإماراتية لتسوية النزاع الإثيوبي مع القاهرة والخرطوم، ودور الإمارات في دفع الأمور نحو الحلحلة في الملف الأفغاني الذي تُناقش فيه وتُعرَض خطة عربية إقليمية على أطراف النزاع”.
ولفت إلى أن مستشار الأمن الوطني في الإمارات طحنون بن زايد كان في القاهرة قبل زيارته إلى أنقرة بأسبوع، وكانت هناك خطوات محسوبة وتفاهمات على نار هادئة، والتحرك الإماراتي التركي مرتبط حتما بالتحرّك الثلاثي التركي القطري الأردني.
بينما ذكر علي باكير الباحث في مركز ابن خلدون أنه سبق لأبوظبي أن استخدمت السياسة مدخلا لتطبيع العلاقة مع أنقرة بُعيد الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، لكن هذه المحاولة انتهت بشكل سيئ وتدهورت العلاقات بشكل أكبر مما كانت عليه مع غياب الثقة بمحاولة الانفتاح الإماراتية، لذلك تستخدم أبوظبي الآن أسلوبا آخر وهو الاقتصاد الذي هو مصلحة لها بالانفتاح على أنقرة.
ووفقا لدراسة نشرها “مركز دراسات الشرق الأوسط” (ORSAM) في أنقرة، فإن أسباب التحول في العلاقة تعود إلى جهود التطبيع بين تركيا ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية، وتغيير القيادة في الولايات المتحدة. والآثار الاقتصادية السلبية لفيروس كوفيد-19، ويبدو أن القدرة العسكرية المتزايدة لتركيا لعبت دورا حاسما في تغيير السياسة، ويضاف إلى ذلك أن مصر والسعودية -وهما من أقرب حلفاء الإمارات- غيرتا سياساتهما تجاه تركيا، وهو ما أثر أيضا في موقف أبوظبي تجاه أنقرة.
ملفات التوتر
بدأ التوتر التركي الإماراتي قبل 8 سنوات بعد تطورات الأحداث في مصر، ثم توسع وانتقل إلى الملفات السورية والليبية وشرق المتوسط والموضوع الفلسطيني والأقليات في المنطقة والمناورات العسكرية المشتركة مع اليونان وقبرص اليونانية.
وتولد الشقاق من رحم الانتفاضات العربية، عندما اتخذت تركيا موقفا داعما للثورات ولجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين الذين تقلدوا الحكم في عدد من الدول العربية.
وفي النزاع الخليجي، وقفت تركيا في نفس الخندق مع قطر ضد الإمارات والسعودية ومصر، بينما ساعد الدعم الذي قدمته أنقرة الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة على صد قوات تدعمها الإمارات كانت تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس.
وتبادل البلدان الاتهامات بالتدخل وممارسة النفوذ خارج حدودهما، ووصف أردوغان ذات مرة وزير الخارجية الإماراتي بأنه وقح أفسده المال عندما أعاد الوزير نشر تغريدة وجه فيها انتقادات لقوات العثمانيين أسلاف تركيا الحديثة.
وفي القرن الأفريقي، تتسابق تركيا والإمارات على النفوذ.
وفي سوريا، لا تزال تركيا تقدم الدعم للمعارضة المسلحة المناهضة للرئيس بشار الأسد فيما فتحت الإمارات سفارة في دمشق.
مسار تطور العلاقة
تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد بعد شهرين من زيارة أخيه طحنون التي جاءت بعد 4 أشهر من اتصال هاتفي بين وزيري خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو والإمارات عبد الله بن زايد، كان الأول من نوعه منذ 5 سنوات، وقد تمّ خلاله تبادل التهاني بحلول عيد الفطر.
وردت تركيا على هذه الرسالة بتعيين سفير جديد لها في أبوظبي لمتابعة الرسائل الجديدة للإمارات والتفاعل معها بإيجابية.
قبل هذا الاتصال كان هناك كثير من الإعداد على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين، وأُسدِل الستار على الكثير من ملفات الخلاف الثنائي والتصعيد الإعلامي وتبادل الاتهامات عبر الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعقب لقاء عقده أردوغان مع المسؤول البارز طحنون بن زايد -الذي زار أنقرة في 18 أوت 2021- برزت تصريحات رسمية إماراتية تشير إلى سياسة جديدة تنتهجها الإمارات في علاقاتها الدولية، بعدما مرت علاقة أبوظبي مع عدة عواصم -منها أنقرة- بحالة عداء كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي تصريح رسمي إماراتي يكشف عن السياسة الجديدة للبلاد، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش إن أبوظبي تعمل حاليا على تعزيز العلاقات مع الجميع، مشيرا إلى أن اختلاف المواقف لن يحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وكتب قرقاش على “تويتر” -في 19 أوت 2021- أن بلاده تعمل حاليا على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.
ولا تزال تركيا تحجب المواقع الإلكترونية لبعض المنظمات الإماراتية، بما في ذلك وكالة الأنباء الحكومية، لكن الحكومة أوقفت ما كان في السابق وابلا لا ينقطع من سهام النقد التي تستهدف الإمارات.