الجزائر والمغرب..2021 عام التوتر فهل تكون 2022 سنة الانفراج؟
قطعت الجزائر ما تبقى من علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب شهر اوت الماضي. المتتبعون لما يجري بين البلدين يُدركون أن القرار لم يكن مفاجئاً، إذ كانت العلاقات تتجه منذ أشهر إلى القطيعة، بل صار اليوم الخطر الأكبر أن يتجاوز الأمر القرار السياسي إلى قرارات عسكرية تعيد للأذهان ما وقع بين الدولتين من مواجهات عسكرية مباشرة كما حدث عام 1963 أو مناوشات كما وقع في حرب الصحراء الغربية ما بين 1975 و1991.
يمثل عام 2021 ذروة التوتر بين الطرفين منذ إغلاق الحدود البرية بينهما عام 1994، لكن درجة التلاسن تفاوتت بين كل جانب، إذ كانت الجزائر الطرف الأكثر تصعيداً خلال هذا العام. يظهر أن الطرفين لا يتباعدان فقط بسبب نزاع الصحراء الغربية، بل كذلك بسبب علاقاتهما الخارجية وتنافسهما الاقتصادي وترسبات التوتر التاريخي بينهما غداة الاستقلال.
فتش عن العام الماضي
شهر نوفمبر 2020 تحرك المغرب عسكرياً في معبر الكركرات، وهو طريق حدودي في أقصى جنوب الصحراء الغربية على الحدود مع موريتانيا. التدخل المغربي جاء بعد أيام من توقف حركة المرور في المعبر الذي تستفيد منه الرباط في المبادلات التجارية مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، إثر احتجاجات لعناصر من جبهة البوليساريو على الطريق.
عناصر البوليساريو كانت ترفض ما تسميه فرض المغرب للأمر الواقع في المعبر الموجود في المنطقة العازلة وفق تسميات الأمم المتحدة، وهي منطقة أقرتها الأمم المتحدة في سياق أول اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، فيما المغرب كان يؤكد أن التحرك ضروري لإرجاع حرية التنقل إلى المعبر.
لم تعلن جبهة البوليساريو عن وقوع ضحايا، لكنها أعلنت أن اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ عام 1991 قد “خرقه” المغرب وأعلنت العودة إلى العمل المسلح. المُلاحظ حينها أن الحليف الأول للجبهة، الجزائر، لم يعلن في حينه عن رد فعل، لكن نبرة الجزائر بعد ذلك بدأت تشتد تجاه المغرب، فسيطرة المغرب على المعبر بالكامل يعني إحرازه تقدما ميدانياً في نزاع الصحراء.
وجاء استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل الشهر الموالي(ديسمبر 2020)، في سياق صفقة ثلاثية اعترف خلالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ردت الجزائر بأن القرار لا أثر قانوني له، وبدأت المعارك الإعلامية تشتد بين البلدين، خصوصا مع الدعم الإعلامي الجزائري لجبهة البوليساريو، وباتت وكالة الأنباء الجزائرية تنشر بشكل يومي بيانات البوليساريو عن هجماتها العسكرية.
الصيف الحارق
التلاسن بين المغرب والجزائر في جلسات الأمم المتحدة مستمر منذ عقود بسبب الصحراء الغربية، لكن وصل بعدا جديداً منتصف جويلية 2021 عندما قال السفير المغربي لدى الأمم المتحدة في نيويورك عمر هلال إن سكان منطقة القبائل يستحقون تقرير المصير، وإنهم يعانون أقدم احتلال وهي منطقة شمال الجزائر عرفت بخصوصيتها الثقافية، وذلك ردا على وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي طالب بتقرير مصير الصحراء الغربية.
كان الرد الجزائري باستدعاء السفير وطلب توضيحات. حاول المغرب إصلاح الوضع دون التراجع عن التصريحات وذلك بطلب الملك محمد السادس فتح الحدود، ثم بتقديم المساعدة في إخماد الحرائق، لكن الجزائر ردت أن المغرب متهم بدعم حركة “الماك” التي تنشط لتقرير مصير منطقة القبائل والتي اتهتمها الجزائر بالمساهمة في إشعال الحرائق، ليقرر الرئيس عبد المجيد تبون في اوت قطع العلاقات رسميا.
لم تقدم الجزائر أدلة رسمية على ارتباط بين حركة الماك والمغرب، لكن إعلامها ركز على تصريحات عمر هلال الذي عاد في الشهر الموالي للخطاب ذاته، وكذلك على حوارات رئيس “الماك” فرحات مهني مع الصحافة المغربية وإشادته بسياسات الملك محمد السادس. كما اعتمدت الجزائر على تسريبات فضيحة بيغاسوس التي ذكرت أن المغرب تجسس على مسؤولين جزائريين وهو ما نفته الرباط.
اتخذت الجزائر قراراً جديدا بمنع تحليق الطائرات المغربية فوق أجوائها، لم تعط تفاصيل عن أسباب القرار، لكن هناك من رأى أنه رد فعل جزائري على أخبار صفقة مغربية مع شركات إسرائيلية لتصنيع طائرات درون فوق التراب المغربي، خصوصا أن وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد في زيارته للرباط، انتقد الجزائر بشدة وربط بينها وبين إيران، وهو ما كان سببا كذلك لتعالي نبرة الاحتجاج الجزائرية.
لكن التطور الاقتصادي الأسوأ كان في شهر اكتوبر بإيقاف الجزائر مرور إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر المغرب. الطرفان معا سيتأثرا بدرجات متفاوتة من القرار، فالمغرب سيفقد مصدراً للطاقة وسيضطر لتحمل تكاليف إضافية وسيفقد رسوم مرور الأنبوب على أراضيه، فيما ستخسر الجزائر زبونا مهما، كما تضع زبناءها الأوروبيين في حرج نتيجة استخدامها سلاح الغاز الطبيعي ضد جار لديه شراكة متقدمة مع الاتحاد الأوروبي.
وشهد شهر اكتوبر مواجهة دبلوماسية في الأمم المتحدة حول ملف الصحراء. وقد قرر مجلس الأمن الدولي في نهاية أكتوبر دعوة كلَِِ من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات، “بدون شروط مسبقة وبحسن نية” في أفق التوصّل إلى “حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين” بهدف “تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”.
وتمت الموافقة على نص القرار الذي صاغته الولايات المتحدة مع امتناع روسيا وتونس عن التصويت. ويفترض أن تستأنف المفاوضات، المتوقفة منذ عام 2019، تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا. لكنّ الجزائر سبق وأن أعلنت رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات، بينما أدانت البوليساريو قراراً أممياً “حكم مسبقاً بالفشل على مهمة” دي ميستورا.
نذر الحرب
أسوأ تطور وقع في شهر نوفمبر ، عندما نشرت وسائل إعلام موريتانية خبر مقتل ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية. نفت موريتانيا وقوع ذلك على أراضيها، لكن الجزائر أكدت الخبر بعد ثلاثة أيام، وتحديدا في قرب منطقة بئر لحلو التي تقع غلى المنطقة العازلة المحاذية للجدار الرملي الذي أقامه المغرب في الثمانينات من القرن الماضي، وينشط عناصر جبهة البوليساريومن حين لآخر في تلك المنطقة على الجانب الشرقي من الجدار.
الجزائر اتهمت المغرب بتنفيذ العملية وتوعدت بالرد، كما ركزت وسائل إعلام جزائرية على فرضية هجوم من طائرة درون، خصوصا أن المغرب استخدم هذا السلاح مؤخرا في المناوشات مع مقاتلي جبهة البوليساريو. لكن المغرب لم يرد في بلاغ أو تصريحات رسمية، وجاء الرد عبر مصادر “مسؤولة” نفت للصحافة الاتهامات الجزائرية وأرجعت ما جرى إلى انفجار ألغام أرضية.
هدأت الأوضاع بعد أسابيع من الوعيد الجزائري، ولم تنجر المنطقة إلى حرب يرى الخبراء أنها ستكون مدمرة بسبب تقارب الدولتين في درجات التسلح وكذلك في طبيعة حلفائهم بين حليف روسي-صيني للجزائر وآخر إسرائيلي-أمريكي للمغرب، لكن العلاقة بين الجارين لا تحفل فقط بتداعيات الحاضر، فجذور الماضي تؤثر بشكل كبير.
الأمل مستمر
تطور سيء وقع عام 1994 بإغلاق الجزائر الحدود البرية ردا على قرار المغرب فرض تأشيرات على الجزائريين بسبب ما اعتبره مساهمة جزائرية في تفجيرات فندق بمراكش، ورغم اللقاءات التي جرت بين مسؤولي البلدين، إلّا أن المياه بقيت راكدة، وهو ما ظهر في استمرار إغلاق الحدود، حتى في فترات كانت فيها العلاقات هادئة.
لكن الأمل في إصلاح العلاقات يبقى محفزا لشعبي الدولتين اللتان تشتركان في التاريخ واللغة والعادات والدين، ويكرر المثقفون دوما نداءات للإصلاح، كما يدفع مغاربيون كثر إلى الصلح لما سيكون له من نتائج إيجابية على الاتحاد المغاربي، وهو أمر قد يبدو مستبعدا على المدى القصير على الأقل، لكن اتجاهات السياسة ولغة المصالح قد تدفع البلدين مستقبلا إلى التقارب، فهل تحمل سنة 2022 مبادرات لإصلاح ذات البين بين الجارين المغاربيين؟
المصدر:dw