رفض رئيس كازاخستان قاسم جومرت توكاييف يوم الجمعة 7 جانفي 2022 أي إمكانية للتفاوض مع المحتجين وسمح لقوات الأمن بـ”إطلاق النار بهدف القتل” لوضع حد لأعمال الشغب التي تهز البلاد.
وشكر أيضا في خطاب متلفز لحليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساعدته بعد وصول كتيبة من القوات الروسية ودول أخرى حليفة لموسكو لدعم السلطة.
وقال توكاييف في خطاب متلفز “أمرت قوات الأمن والجيش بإطلاق النار بهدف القتل من دون إنذار مسبق”. ووصف الدعوات إلى التفاوض مع المحتجين ب”العبثية” لا سيما في الخارج.
وقال “ما نوع المفاوضات التي يمكن أن نجريها مع مجرمين وقتلة؟ كان علينا التعامل مع مجرمين مسلحين ومدربين يجب تدميرهم وسوف يتم ذلك قريبًا”.
وكان جومرت توكاييف أكد الجمعة إعادة النظام الدستوري “إلى حد كبير” في هذا البلد بعد أيام من اضطرابات وأعمال شغب غير مسبوقة.
لكن ما يدل على ان الوضع لم يعد الى طبيعته، أعلن مطار الماتي انه سيبقى مغلقا حتى الاحد على أقرب تقدير.
وأعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ان بوتين وتوكاييف أجريا عدة اتصالات هاتفية في الأيام الماضية.
وتهز أكبر دولة في آسيا الوسطى حركة احتجاج بدأت الأحد في المقاطعات بعد زيادة أسعار الغاز، ثم امتدت إلى مدن أخرى وخصوصا إلى ألماتي، العاصمة الاقتصادية للبلاد حيث تحولت التظاهرات إلى أعمال شغب أدت إلى سقوط قتلى.
وأوضح توكاييف أن ألماتي تعرضت لهجوم من قبل “عشرين ألف مجرم” لديهم “خطة واضحة وإجراءات بتنسيق جيد ودرجة عالية من الاستعداد القتالي”. وتابع أن “الإعلام الحر وبعض الأشخاص في الخارج هم من يلعبون دور المحرض” في هذه الأزمة.
من جانب آخر، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى “وقف العنف” و”ضبط النفس”.
لكن الرئيس الصيني شي جينبينغ أشاد “بالاجراءات القوية” التي اتخذتها السلطة ضد المتظاهرين.
“إعادة النظام إلى حد كبير”
لا تزال هياكل سيارات متفحمة وبرك من الدماء تظهر في ألماتي بعد ظهر الجمعة فيما كانت شاحنات مدرعة تقوم بدوريات في الشوارع بحسب وكالة فرانس برس.
وبدت واجهة مبنى البلدية التي أضرمت فيها النيران الأربعاء مع المقر الرئاسي سوداء ولا يزال الدخان يتصاعد من النوافذ.
وبعد يومين من اعمال العنف بدت الماتي مدينة أشباح الجمعة حيث كانت غالبية المصارف والمحلات والمطاعم لا تزال مغلقة. لكن حركة السير استؤنفت بشكل خجول.
وأعلنت موسكو إن جيشها بدأ “أداء المهام الموكلة إليه” في كازاخستان وأن مطار ألماتي “تمت السيطرة عليه بالكامل”.
في وقت سابق قال الرئيس توكاييف في بيان إن “النظام الدستوري أعيد إلى حد كبير في كافة المناطق”، مؤكدا أن عمليات إعادة النظام ستستمر “حتى القضاء على المقاتلين بشكل كامل”.
وأضاف أن “الهيئات المحلية تسيطر على الوضع لكن الإرهابيين ما زالوا يستخدمون أسلحة ويلحقون أضرارا بممتلكات المواطنين”.
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية الكازاخستانية الجمعة مقتل 26 “مجرما مسلحا” وإصابة 18 آخرين بجروح. وقالت في بيان إن جميع مناطق كازاخستان “تم تحريرها ووضعها تحت حماية معززة” مع إقامة سبعين نقطة تفتيش في أنحاء البلاد.
واضافت في البيان أنه في ألماتي التي شهدت أعنف أعمال الشغب “تؤمن قوات حفظ النظام والقوات المسلحة والرديفة لها، النظام العام وحماية البنى التحتية الاستراتيجية وتنظيف الشوارع”.
وأدت أعمال الشغب التي تخللها تبادل إطلاق نار بأسلحة نارية، إلى سقوط عشرات القتلى وأكثر من ألف جريح بحسب السلطات. وأفادت الشرطة بسقوط 18 قتيلا و748 جريحا في صفوفها. واعتقل أكثر من 3800 شخص في جميع أنحاء البلاد، حسب أحدث الأرقام التي بثها التلفزيون.
لكن لم يتسن التأكد من هذه الارقام بشكل مستقل ولم تدل الحكومة بأي حصيلة للمدنيين غير المتظاهرين.
وقال توكاييف الجمعة “عملية مكافحة الارهاب مستمرة، الناشطون لم يلقوا السلاح، هؤلاء الذين لن يستسلموا سيتم القضاء عليهم”.
غضب ضد الرئيس السابق
قام مثيرو أعمال الشغب خصوصا بنهب مباني العديد من القنوات التلفزيونية وأضرموا النار في مبنى بلدية ألماتي والمقر الرئاسي. واشار صحافي من فرانس برس الى أن واجهة المبنى أصبحت سوداء بفعل النيران بينما خلع باب مدخل المجمع.
وأحدثت أعمال الشغب بسرعتها وشدتها صدمة في كازاخستان التي تعد 19 مليون نسمة والغنية بالموارد الطبيعية والمعروفة بحكومتها المستقرة والمستبدة.
وحاولت السلطات في البداية تهدئة التظاهرات من دون جدوى، عبر خفض في أسعار الغاز وإقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر تجول ليلي في جميع أنحاء البلاد.
ونقلت وكالة الأنباء ريا نوفوستي عن النائب الأول لرئيس الإدارة الرئاسية دورين أباييف قوله “في البداية كان كل شيء سلميا. لكن لاحقا، غرق المتظاهرون السلميون في دعوات إلى العنف من قبل المحرضين”.
وأضاف أن الحشد “كان يقوده قطاع طرق وإرهابيون مسلحون”، موضحا أن “قطاع الطرق” قاموا بعمليات نهب بينما تولى الآخرون “تنفيذ هجمات أهدافها محددة” للحصول على أسلحة نارية.
وبمعزل عن ارتفاع الأسعار، صب المتظاهرون غضبهم خصوصا على الرئيس المستبد السابق نور سلطان نزارباييف (81 عاما) الذي حكم البلاد من 1989 إلى 2019 وما زال يتمتع بنفوذ كبير.
لم يظهر نزارباييف علنا منذ بدء الاضطرابات.
ورأى المعارض الكازاخستاني البارز المقيم في فرنسا مختار أبليازوف الخميس أن النظام الذي حكم كازاخستان منذ سقوط الاتحاد السوفياتي شارف على نهايته في ثورة شعبية اتحد فيها الناس للمرة الأولى للتعبير عن غضبهم.
وقال ألبيازوف لفرانس برس في باريس “أعتقد أن النظام يقترب من نهايته. إنها مسألة وقت لا اكثر”. ويترأس ألبيازوف حزب الخيار الديموقراطي لكازاخستان، وقد عبر بصوت عال عن تأييده للاحتجاجات وذلك على مواقعه على منصات التواصل الاجتماعي.
أوردت بعض وسائل الاعلام الكازاخستانية ان نزارباييف وعائلته غادروا البلاد لكن لم يتسن التحقق من هذه المعلومات لدى مصدر مستقل.