الرئيسيةتونس اليوم

البشير العكرمي:حين كشف البحث تورط مسؤول قضائي بالفساد تم نقلي

نشرت “المفكرة القانونية” حوارا مع وكيل الجمهورية السابق بمحكمة تونس 1 المثير للجدل البشير العكرمي والذي فرضت عليه السلطات التونسية الاقامة الجبرية نهاية جويلية من العام الماضي،

في ما يلي الحوار كاملا كما ورد في المصدر:

بتاريخ 06-02-2013، انطلقت رصاصات نحو جسد الناشط والمناضل السياسي شكري بلعيد معلنة أول اغتيال سياسي في تونس ما بعد الثورة. كان الحدث صادما وغيّر كثيرا في تاريخ تونس لكونه أقام الدليل على ما كان الشهيد ينبّه له من مخاطر تتهدد الأمن، مردّها عنف المتطرفين الرافضين للنمط الاجتماعي السائد. يومها، اختار وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس أن يعهد قاضي التحقيق بالمكتب 13 بشير العكرمي بالأبحاث. لم يكن القاضي الذي كُلّف معروفا لدى الرأي العام ولكنه أصبح بعد تكليفه وزادت شهرته بتعهده بالاعتداء الإرهابي على متحف باردو وبذاك الذي استهدف نزل الأمبريال بسوسة.

طيلة تلك الفترة، إقترن ذكر العكرمي بقرارات اتخذها وطلبات رفضها شهّر بها فريق الدفاع عن الشهيد واعتبرها دليل إدانة له يكشف تواطؤه مع حزب النهضة الذي يتهمون قيادات منه بالوقوف وراء الجريمة. وقد ساقت نقابات أمنية اتهامات مماثلة بحق العكرمي، معتبرة الأبحاث التي أجراها ضد قيادات أمنية وأمنيين مؤشّرا على تعاطفه مع الإرهابيين ودليلا على عدم فهمه لأصول مكافحتهم. كما ذُكر العكرمي في الدفاع المستميت الذي قاده قضاة أدلوا بأنّ ما يتعرّض له زميلهم من حملة تشهير دليل على استقلاليته. وانتهى المؤمنون باستقلالية الرجل والمدافعون عن اختياراته إلى إنجاح ترشحه لخطة وكيل للجمهورية بتونس سنة 2016 حيث كان مرة أخرى شخصية عامة يُختلف كثيرا في تقييم أدائها.

لم يُغيّر المنصب الجديد من موقف فريق الدفاع عن الشهيد من العكرمي وزاد تعاطيه مع ما أثاروه من قضايا هدفها كشف ما يذكرون من جهاز سري أمني تديره حركة النهضة في حدة المواجهة بينهم وبينه والتي كان من أهم محطاتها محاولتهم الاعتصام بمكتبه واستعماله القوة العامة في فض تحركهم سنة 2018. وزاد أسلوب عمله فيما تعلق بملفات الفساد القضائي من أعدائه بما انتهى لتفكيك الجبهة القضائية التي دعمته قبلا وانتهى لأن انتهى المجلس الأعلى للقضاء إلى تنحيته بمناسبة الحركة القضائية لسنة 2020-2021 من وكالة الجمهورية وتعيينه بخطة إدارية سامية في وزارة العدل.

عدّ جانب من المتتبعين قرار التنحية انتصارا للقضاء ورفعا ليد النهضة عنه فاحتفوا به فيما اعتبره آخرون انتكاسة لذات القضاء.

بالنظر إلى شخصية الرجل الذي تحوّل من حيث شهرته وأهمية الجدل حوله إلى استثناء في عالم القضاء المهني التونسي، اختارت المفكرة أن تحاور العكرمي بأسئلة من عارضوه، بهدف تنوير الرأي العام حول مجمل الأحداث التي عايشها وبات بفعل منصبه غالبا محورا لها في الخطاب العام.

وفي ختام الحديث، أوضح العكرمي أنه قبل طوعا بأسئلتنا رغم طابعها الاتهامي “ليس بحثا عن براءة من تهمة … ولكن طلبا لوعي مجتمعي أكبر بأهمية معركة استقلال القضاء والتي يعد القضاء المهني دوما ساحتها الحقيقية”.

 

 

المفكرة: ما هو متعارف عليه في عالم القضاء التونسي أنه إذا استثنينا قضاة الرأي العام[1] لا يتم تداول أسماء القضاة في الفضاء العام. بشير العكرمي يبدو استثناء لهذا المبدأ يتحدث الإعلام والساسة عنه باستمرار في حين أنه لم يدلِ يوما بتصريح ولم يعرف له موقف خارج قراراته القضائية. بمَ تفسر هذا وألا يمكن القول أنك سعيت بشكل من الأشكال لذلك؟

العكرمي: منذ التحاقي بالقضاء سنة 1989 إلى اليوم. كنت دوما ملتزما بأصول العمل القضائي وأخلاقياته بعيدا عن التقرب من مواقع القرار ولو كانت قضائية وحريصا على قيم المحاكمة العادلة. أضيف لهذا أني لم أنتمِ طيلة حياتي لأي حزب سياسي ولا حتى كمتعاطف. وأنا أرفض كل اتهام لي بالتحزب أو بخدمة مصالح السياسيين أيا كان مصدره. ومن المهمّ لفت انتباهك هنا لكون مثل هذا الاتهام ما كان ليوجه لي لو لم أكن قاضي التحقيق الذي تعهد بملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد كما لم يكن ليتابعني لو اخترت أن أخضع لما كان يطلب مني من اهتمام بالسياسة في إدارة أبحاثي.

 

المفكرة: يُقال أنك لم تتعهد بقضية الاغتيال إلا لأنك من قضاة حزب حركة النهضة ومكلف بمأمورية طمس حقيقة علاقة ذاك الحزب بتلك الوقائع. كيف تردّ على هذه التهم التي ترددت كثيرا في حقك حتى في وسائل الإعلام؟

العكرمي: أجدد رفضي لكل حديث اتهامي وأريد أن أوضح هنا أن مسيرتي المهنية تؤكد أني بعيد كل البعد عن السياسة وعن التوظيف السياسي. أنا لم ألتحق برتبة التعقيب إلا سنة 2012 أي بعد 23 سنة من العمل أي أني وبلغة القضاة رسبت كثيرا قبل تحصيل حقي في الترقية ولم أتحصل عليه إلا في إطار أول حركة قضائية يُفعّل فيها مبدأ الترقية الآلية. وهذا يقيم الدليل على كوني لم أكن يوما من فئة القضاة التي تنسجم مع من يحكم. كما أني لم أعين بالحركة القضائية سنة 2012 قاضي تحقيق أول بالمحكمة الابتدائية بتونس بل تم تعييني بالمحكمة الابتدائية ببنزرت خلافا لطلبي. ولم أنتقل لتونس لأشغل خطة قاضي التحقيق 13 إلا في إطار مناقلة أجريتها مع زميلي محمد مفتاح وبطلب منا نحن الإثنين بما يؤكد أن الادعاء بكون السلطة هي من وضعتني في ذاك المكتب افتراء.

اختياري للبحث في تلك القضية كان مبرره كما قيل لي حينها أنني قاض من الرتبة الثالثة، وبالتالي صاحب خبرة وخطورة الجريمة تقتضي أن يباشرها من كان بمثل تجربتي. فعليا انطلقت حملات التشكيك ومعها الاتهامات التي تكررها بعدما طلبت مني أطراف في القضية توجيه الاتهام لأسماء شخصيات محددة ليس انطلاقا من الملف بل بالاستناد لمواقف سياسية منها. وأنا رفضت الاستجابة.

 

المفكرة: إذا كان تعهدك بقضية شكري بلعيد تم بشكل طبيعي كما ذكرت، فهل يمكن اعتبار تعهدك بعدها بكل القضايا الإرهابية الكبرى تم بذات الشكل؟ ألا يشكل تعهدك المتكرر بهذا النوع من القضايا سببا للإرتياب باستقلاليتك؟

العكرمي: خلال الفترة المتراوحة بين 2012 و2014 تعهدت بكثير من القضايا الإرهابية. ويعود هذا لكون تنظيم العمل على مستوى المحكمة الابتدائية بتونس أفضى لإسناد الاختصاص في القضايا الإرهابية لثلاث مكاتب تحقيق ربما لما لمس فيها من خبرة في المجال وبالنظر أيضا لكون تعدد الاعتداءات الإرهابية وتشابه طرقها وتوحد خلفياتها الإيديولوجية برّر مثل هذا التخصص. لاحقا تطورت التجربة وفكرة التخصص في الجرائم المتشعبة نضجت أكثر وتدعم التوجه بإحداث القطب القضائي المتخصص في القضايا الإرهابية. وهذا المعطى يبرر تعهدي بكل القضايا الإرهابية التي باشرتها ويفسر ما يبدو من تخصص لي فيها لم أطلبه وأتعبني لكثرة الضغوط التي يسببها وخصوصا منها التي باتت في فترة ما من كل الجهات بما فيها الحكومة.

 

المفكرة: هل توضح لنا المقصود بالضغوط التي تعرضت لها من الحكومة؟

العكرمي: هناك من وزراء العدل من حاول لاعتبارات سياسية ممارسة ضغوط عليّ بهدف أن استجيب لطلبات القائمين بالحق الشخصي في قضية الشهيد بلعيد وأن أوجّه ما يسمى في حينها الاتهام السياسي على شخصيات سياسية أساسا من قيادات حزب حركة النهضة. أجبته حينها بوضوح وتمسكت برفض الانخراط فيما يطلبه. هدّدني بفتح بحث ضدي بالتفقدية العامة فأعلمته أني لا أنزعج من ذلك وهو ما تم فعلا. وأفيدكم هنا أن أعمال التفقد انتهت بدورها لتأكيد أني اشتغلت بمهنية كاملة وطبعا هذا لم يقنع ذاك الوزير الذي واصل في هرسلتي لآخر أيام عمله.

المفكرة: هل يعني قولك أنك تعتبر أن عملك كقاضٍ للتحقيق في القضية كان ناجحا. الكثيرون ومنهم عدد من زملائك يعتبرون أن ما أثرته من جلبة حولك يكفي وحده للتصريح بكونك لم تنجح في إدارة الملف؟

العكرمي: أنا قاضٍ لا يهمني إلا ملفي وتحقيق العدالة. أنت تهتم بما يدور خارج الملف. أنا لما أفتح ملفي أنسى ذلك تماما. لهذه الاعتبارات ولتلك القناعات التي عملت بها، أعتقد أني نجحت مهنيا في قضية الشهيد شكري بلعيد وكل القضايا التي باشرتها. لست أنا من يقول ذلك بل مسار القضية من بعدي. ربما كثيرون ممن يطلقون الاتهامات في حقي وممن يصدقونهم لا يعلمون أن كل قراراتي التي تم التشهير بها نظرت فيها بعدي دائرة الاتهام بوصفها قضاء درجة ثانية لعمل التحقيق وأيدتها. كما أن تلك القرارات كانت كذلك موضوع طعن بالتعقيب أمام دوائر متعددة بمحكمة التعقيب وتأيدت جميعها بما يؤكد قانونيتها.

لو كانت مطاعن أو مؤاخذات من يتهمونني صحيحة لكانت هذه المراجع القضائية استجابت لها. أضيف كدليل آخر على صحة مواقفي أن قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد عينت أمام الدائرة الجنائية الابتدائية منذ ست سنوات وتمّ توجيه كل الطلبات فيها وإجراء كل ما طلبه القائمون بالحق الشخصي من أبحاث ورغم ذلك لم تكشف أي حقائق جديدة في الموضوع وظل ما توصل له البحث في خصوص واقعة الاغتيال الحقيقة الوحيدة الصامدة حتى اليوم.

 

المفكرة: يقال أن عملك كقاضي تحقيق أساء للوحدات الأمنية المتخصصة بمكافحة الإرهاب بما برر انتفاضة بعض النقابات الأمنية ضدك والتي اتهمتك بدورها بكونك تحمي الإرهابيين وتسيء لمن يعرضون حياتهم للخطر دفاعا عن الوطن؟

العكرمي: لكي لا نخلط الأمور على قرائكم، أريد أن أوضح أن المواقف التي تتحدث عنها والتي صدرت عن مجموعة محدودة من النقابات الأمنية ليس لها علاقة بملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد بل تعلقت بتعهدي بالبحث في ملف الهجوم الإرهابي الذي استهدف متحف باردو بتاريخ 18-03-2015.

حينها، عهدت فرقة أمنية متخصصة في الجرائم الإرهابية بالبحث في الموضوع بمقتضى إنابة عدلية. كنت أتابع يوميا عملهم هاتفيا وكان يتم إعلامي بكون الأبحاث تتقدم. لاحقا وعند جلب الموقوفين لمكتبي، كان جميعهم يحمل آثار تعذيب وحشي أحدهم نزعت فروة رأسه بالكامل البقية يعجزون عن الوقوف دون مساعدة. كان منظرا بشعا ومؤلما. لم يكنْ من اللائق استنطاقهم فاكتفيت بسماع أولي لهم أكد فيه جميعهم أن الاعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب. ضمنت محاضري معاينات آثار التعذيب وأذنت بعرض كل المتهمين على الخبرة الطبية لإثبات ذلك. كما سحبت الإنابة من تلك الفرقة وأحلتها لغيرها وأذنت بجملة من الأعمال الفنية للتأكد من صحة المعطيات الواردة بتلك المحاضر من عدمها.

لاحقا، أكدت الاختبارات الفنية أن ما ورد بالاعترافات محض افتراء من الباحث. وجزم الاختبار الطبي بوقوع التعذيب. كما انتهت الأبحاث الجديدة والتي كانت تتم وفق الضوابط القانونية إلى الكشف عن الشبكة الحقيقية الضالعة في الاعتداء باعتماد وسائل البحث الحديثة لا الممارسات البالية التي فتح فيها بحث تحقيقي. تؤكد هذه الوقائع أن ما تقول أنه عنوان سوء تواصل ليس إلا التزاما بالحقيقة وبالمهنية. وللتاريخ وكطرفة مؤلمة أذكر لك أنه وفي الوقت الذي كان فيه البعض ينتهك حرمة حياتي الخاصة ويُشهّر بي من دون احترام لشخصي وأسرتي كذبا وبهتانا على خلفية عملي على هذه القضية، تعمّد عدد من النواب ومنهم من هم من نواب حركة النهضة التي اتهم بها دوما زيارة مقر الفرقة التي تمّ بها ممارسة التعذيب وقدموا باقة زهور لأعوانها كعنوان مساندة لهم فيما اعتبروه استهدافا لهم.

 

المفكرة: فعليا ورغم ما وُجّه لك من اتهام سياسيّ تمت ترقيتك لرتبة وكيل جمهورية لمحكمة العاصمة سنة 2016 ويقال أن ذلك مكافأة لك على حمايتك للنهضة.

العكرمي: أولا للتوضيح من أسند لي الخطة المذكورة ليس جهة سياسية بل هيئة مستقلة ومنتخبة هي الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. ثانيا أفيدكم أن تلك الهيئة أعلنت حينها شغور الخطة وفتحت أبواب الترشحات واستمعت للمترشحين الذين سألتهم عن برنامجهم في صورة تعيينهم في تلك الخطة، فكنت أنا من تم اختياري. وأنا أفتخر بذلك كما أفتخر بكون من قلدني المسؤولية كان جهة مشهوداً لها بالاستقلالية.

 

المفكرة: خلافا لتقييمك كثيرون يعتبرون أن تعيين شخصية منازع فيها في ذلك المنصب كان خطيئة كبرى للهيئة لكونه حولك من قاض يتحكم في عدد من ملفات التحقيق التي يتعهد بها إلى مسؤول عن نيابة عمومية يوجه كل الملفات من وراء الستار.

العكرمي: من يقول مثل هذا القول لا يعرف حقيقة تقسيم العمل بالمحاكم ولا المرحلة القضائية التي وصلت إليها القضايا التي تتحدث عنها وبالتالي دور النيابة العمومية بها. النيابة العمومية مجرد طرف في القضايا التحقيقية وأمام الدوائر القضائية الجزائية الحكمية لها أن تقدم طلباتها ولكنها لا تتحكم بتاتا في الإجراءات أو في القرارات.

 

المفكرة: لم يكن الأمر كذلك في قضية الجهاز السري؟

العكرمي: لنتفق أنه لا توجد قضية اسمها الجهاز السري. هذا مجرد مصطلح إعلامي وسياسي. كنيابة عمومية اطلعنا على ما ورد بندوة صحفية عقدها فريق الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي في قضيتي اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي حول وجود غرفة بمقر وزارة الداخلية بها ملفات سرية مخفية. تولينا إثرها ورغم عدم ورود أي شكاية في الموضوع فتح بحث تحقيقي إرشادي عهدنا به عميد قضاة التحقيق. في هذه الأثناء، تولى قاضي التحقيق في المكتب 12 المتعهد بملف قضية الشهيد البراهمي التحول لمقر وزارة الداخلية وحجز الوثائق الموجودة بتلك الغرفة وباشر البحث فيما تعلق بها. من جهة أخرى، تقدم القائمون بالحق الشخصي بشكاية للوكالة العامة للقضاء العسكري تخلى عنها لفائدة القضاء العدلي وكيل الجمهورية العسكري، فأحلناها من تاريخ ورودها علينا لفرقة مختصة للبحث. هذا اعتبره الدفاع تقصيرا منا وأنا اقدر أننا أجرينا اللازم ولا ينسب لنا أي تقصير حقيقي.

المفكرة: التقصير الذي تنفيه ينسب لك من عدد من زملائك وسياسيين. أنت تتهم بكونك أذنت بالتنصت على قضاة وغيرهم خارج القانون وبكونك أسأت لشخصيات قضائية بمحاولتك في إطار تصفية حسابات معها حشرها في ملفات فساد تعهدت بها.

العكرمي: هذا سؤال مهم. أنا لم يصدر عني إلا إذن وحيد بالتنصت الهاتفي على قاضٍ. كان الموضوع في شبهة رشوة وتحيل والقضاء لا زال يتعهد بالموضوع. فلا أريد ذكر تفاصيل إضافية وأنا فخور بأني رفضت التستر على الفساد بعنوان الزمالة وغالبية الزملاء يحترمون موقفي لاعتبارات مبدئية. التنصت الآخر الذي تتحدث عنه لست من وقف وراءه بل أنا من ساهم في منعه. وأذكر هنا وللتاريخ أن المدير العام السابق للأمن الوطني تقدم للنيابة بشكاية في تنصت يستهدفه مع عدد من الشخصيات العامة. تولينا إجراء كل الأبحاث والاختبارات لكشف من تورط في هذه الجريمة دون اهتمام بامتداده أو من يحميه. ومرة أخرى، يمنعني واجب التحفظ من ذكر تفاصيل إضافية. لكن من المهم أن أذكر أن مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية تصدّت لانحراف خطير يوم يطلع عليه الرأي العام سيعي قيمة أن يكون قضاؤه مستقلا .

فيما تعلق بما يسمى ملف الفساد القضائي، أفيدك أنه بتاريخ 07-01-2020 توصلت النيابة العمومية من المجلس الأعلى للقضاء بإخطار حول شبهة فساد تعلقت بقاضيين صدر عنه أي المجلس قرار بعزلهما. كان يمكن هنا أن تقتصر الأبحاث على من ورد ذكره في المراسلة وهو أمر كان سيرضي من هم في موقع القرار القضائي لأنه يغطي الفضيحة ويحصرها في الحلقات التي كشف أمرها. لكن النيابة العمومية اختارت أن تبحث في الموضوع بتجرد ودون اعتبار للأسماء أو المواقع. انتهى البحث للكشف عن شبهة تورط شخصية قضائية بارزة في الموضوع. وهنا وبمجرد وصول العلم لدوائره بذلك، تمت المسارعة باستبعادي من وكالة الجمهورية.

 

المفكرة: هل يعني قولك الأخير أن تنحيتك من وكالة الجمهورية لم يكن بطلب منك ولا في إطار التداول على المسؤوليات القضائية وتقييم الأداء كما يذكر عدد من أعضاء المجلس. كما لم يكن في إطار ترقية كما قد نظن باعتبار أهمية الخطة الجديدة التي كلفت بها؟

العكرمي: أبدا أنا لم أطلب الترقية ولا النقلة. لا شيء يبرر تنحيتي غير ما سلف وتحدثنا عنه من قضايا ومواقف لي دفعت أطرافا سياسية متعددة الألوان لها حضورها بمجلس القضاء العدلي ومراكز قوى قضائية لها نفوذ به ساءها أن تكون موضوع بحث قضائي وأخرى ترفض أن ترسو دولة المؤسسات لأن تتفق على استبعادي من خطة عملت فيها بكل إخلاص دفاعا عن حق المواطن في القضاء المستقل.

ولهذا السبب، اعترضت على نتيجة الحركة القضائية وأنا أستعد حاليا للطعن فيها قضائيا. ومواجهتي لقرار تنحيتي عن هذا المنصب ليست تمسكا به بل هي دفاع عن قيم أعتقد فيها ومحاولة مني لمنع استيلاء الفساد على القضاء. والأهم هي تنبيه للمخاطر التي تتهدد البلاد لو نجح الفساد القضائي في تحصين ذاته ومنع مؤسسة القضاء من التصدي له، تنبيه لئلا يصبح القضاء لعبة في يد القوى السياسية الحاكمة.

 

المفكرة: كلمة ختام؟

العكرمي: أنا قبلت طوعا بأسئلة حواركم رغم طابعها الاتهامي ليس بحثا عن براءة من تهمة تلاحقني ولكن طلبا لوعي مجتمعي أكبر بأهمية معركة استقلال القضاء والتي يعد القضاء المهني دوما ساحتها الحقيقية.

 

نشرت هذه المقابلة  بالعدد 20 من مجلة المفكرة القانونية | تونس |

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.