أعلن المجلس الأعلى للقضاء في تونس، الخميس 20 جانفي 2022، أن أعضاءه “سيواصلون القيام بمهامهم بقطع النظر” عن مرسوم الرئيس قيس سعيّد، بوضع حد لامتيازاتهم.
ومساء الأربعاء، أصدر الرئيس سعيّد مرسوماً ينص على “وضع حد للمنح والامتيازات” المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهي هيئة دستورية معنية بمراقبة حسن سير القضاء واستغلال السلطة القضائية.
في أول تعقيب، أوضح رئيس المجلس يوسف بوزاخر في تصريح اذاعي: “نأمل ألا يكون هذا الأمر الرئاسي وسيلة للضغط على المجلس الأعلى للقضاء”، مؤكداً أن “المجلس يتمتع بتسيير ذاتي طبق أحكام الدستور”.
وأردف: “أعضاء المجلس سيواصلون القيام بمهامهم بقطع النظر عن المرسوم الرئاسي، القاضي بوضع حد لامتيازات ومنح أعضاء المجلس”.
وبين أن “الجلسة العامة في حالة انعقاد وستُقدم رأيها في المرسوم، وأنه لا يمكن المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية”.
استقلالية القضاء
مؤخراً، ساد جدل في الأوساط الحقوقية التونسية، بشأن “استقلالية القضاء”، سيما على ضوء تصريحات للرئيس سعيّد، بأن القضاء “وظيفة من وظائف الدولة”، وتلميحه إلى حل المجلس الأعلى للقضاء. وبأن القضاء وظيفة وليس سلطة
واشتعل النقاش حول استقلالية القضاء، منذ أن أعلنت وزيرة العدل ليلى جفال في أكتوبر 2021 إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ما أثار حفيظة العديد من القضاة.
واعتبر قضاة تصريحات وزيرة العدل تدخلاً في الشأن القضائي، فيما فنّد الرئيس سعيّد ذلك، مشدداً على أن إعداد هذا المشروع سيتم بإشراك القضاة أنفسهم.
ودعا الرئيس في اكثر من مرة القضاة الذين وصفهم بالشرفاء بالمساهمة في تطهير قطاعهم
في وقت سابق، أكد الرئيس التونسي اعتزامه المرور بقوة عبر المراسيم لتنظيم المرفق القضائي من جديد بصورة أحادية، إذ قال لدى لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن: “لا يمكن أن يتحول القضاة إلى مشرعين”.
ويعطي “الأمر الرئاسي 117″، المتعلق بالتدابير الاستثنائية، الرئيس التونسي قيس سعيّد الحق في ممارسة السلطة التشريعية، وإصدار المراسيم لتنظيم العدالة والقضاء.
أصل الأزمة
لم تبدأ الأزمة بين القضاء وقيس سعيّد بعد إعلان هذا الأخير عن الإجراءات الاستثنائية، في 25 جويلية 2021، إذ اعتبر المجلس الأعلى للقضاء بتونس نفسه في منأى عن هذه الأزمة التي جمَّدت البرلمان وحلّت الحكومة السابقة.
بعد ذلك تغيَّر كل شيء، وبدأت الأزمة تتضح معالمها بين الرئيس والقضاة، إذ استدعى قيس سعيّد إلى قصر قرطاج أكثر من قاضٍ، واجتمع في شهر ديسمبر 2021، بممثلين عن القضاة، يوجههم في مجموعة من القضايا.
ومن أهم القضايا التي عرضها الرئيس على القضاء، تلك المتعلقة بالانتخابات، والتي طلب فيها من القضاء ترتيب النتائج القانونية بخصوص تقرير محكمة الحسابات، الذي يُظهر التمويلات الأجنبية التي حصل عليها بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية الماضية.
بعدها بدأت تحركات المجلس الأعلى للقضاء في تونس بعدما اقترب منه الخطر، فأصدر بيانات ضد توجهات الرئيس، رفض من خلالها المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية وحلّ المجلس في هذه المرحلة الاستثنائية.
مقابل ذلك، لم يفوّت الرئيس أي فرصة لمهاجمة المجلس الأعلى للقضاء في تونس، إذ أعلن بشكل مباشر أنه “يستعد للإعلان قريباً عن مراحل جديدة؛ حتى تستعيد الدولة والقضاء عافيتهما”.
أثار سعيّد غضب القضاة؛ إذ قال إن “القضاء وظيفة، وليس سلطة مستقلة عن الدولة، والسلطة والسيادة للشعب، وكلّ البقية وظائف”.
كان المجلس الأعلى للقضاء قد أكد في كل بياناته، وفي جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 10 ديسمبر 2021، رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، وتمسُّكه بوضع القضاء كسلطة، وبشرعية المجلس الأعلى للقضاء، المستمدة من الدستور والقانون الأساسي المتعلق بإحداثه.
منذ جويلية الماضي، تشهد تونس أزمة سياسية حادة عقب اتخاذ سعيّد إجراءات استثنائية، أبرزها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة وتشكيل أخرى جديدة.
فيما ترفض غالبية القوى السياسية بالبلاد تلك القرارات، وتعتبرها “انقلاباً على الدستور” ومساساً بالحقوق والحريات، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.