م لطفلين تعشق تربية الحيوانات الأليفة وتهوى السباحة، ولم يعرف عنها الحديث في السياسة، لكن مشاهد الحرب الأوكرانية والظلم الذي تتعرض له الجارة الصغيرة دفعها للاعتراض علنا أمام الملايين، والمخاطرة بكل ما تملك.
هي الصحفية الروسية، مارينا أوفسيانيكوفا، التي باتت حديث الساعة بعد أن قطعت البث التلفزيوني للقناة الأولى التي تعمل بها، لتعلن أمام الجميع رفضها للحرب.
واختفت الصحفية “الشجاعة” لأكثر من 15 ساعة لم يجد خلالها أصدقاؤها ومحاموها أي أثر لها، لكنهم تأكدوا أن الشرطة اقتادتها بعيد الواقعة مباشرة إلى قسم الشرطة.
وقالت المحامية، أناستاسيا كوستانوفا، لبي بي سي الروسية إنها اتصلت بها عدة مرارت ولم ترد “وهذا يعني أنهم يتعمدون إخفاءها وحرمانها من المساعدة القانونية، وأنهم يحضرون لمحاكمة صارمة”.
ويوم الثلاثاء، ظهرت الموظفة السابقة في القناة أمام محكمة في موسكو ودفعت ببراءاتها. وقالت أوفسيانيكوفا وفق فرانس برس: “لا أقر بالذنب”.
وباتت الصحفية بموجب قانون وقعه بوتين ضد من ينشرون معلومات عن الحرب لا تتماشى مع الرواية الرسمية مهددة بالسجن لمدة تصل إلى 15 سنة.
احتفاء عالمي بها
تلقت الصحفية البالغة 44 عاما إشادة عالمية بعد أن اقتحمت البرنامج الإخباري الرئيسي للاحتجاج على غزو أوكرانيا، رافعة لافتة كتب عليها “أوقفوا الحرب”. ودخلت أوفسيانيكوفا على مجموعة البث المباشر للأخبار الليلية، مساء الاثنين، وهي تصرخ “أوقفوا الحرب، لا للحرب”. وحملت لافتة تقول: “لا تصدقوا الدعاية، إنهم يكذبون عليك هنا”.
وعلى صورتها في حسابها الشخصي على فيسبوك، ترك أكثر من 150 ألف شخص تعليقات تشيد بموقفها، مثل “مندهش من شجاعتك” و”شكرا جزيلا لك على إظهار الحقيقة”.
وتظهر الصحفية في الصورة الرئيسية على حسابها في فيسبوك مرتدية قلادة امتزجت بألوان العلمين الروسي والأوكراني، وهي ذات القلادة التي ارتدتها في مقطع فيديو نشرته قبيل اقتحام الاستوديو.
في هذا المقطع، قالت وهي تشير إلى القلادة إن والدها أوكراني ووالدتها روسية و”لم يكونا أعداء في يوم من الأيام”.
ويقول موقع MEA WorldWide إن أوفسيانيكوفا تخرجت من الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة في عام 2005.
وبدأت حياتها المهنية في التلفزيون الحكومي مع قناة “كوبان تي في” ثم انتقلت إلى القناة الأولى قبل عدة سنوات، وهي تعتبر من أهم القنوات في روسيا بنسبة حوالي 250 مليون مشاهدة.
وتقول الصحفية في الفيديو: “عملت بالقناة الأولى لعدة سنوات وعملت على نشر دعاية الكرملين، أشعر بالخجل الشديد من هذا الآن. أخجل من السماح لي بالكذب على شاشة التلفزيون.. كنا صامتين في عام 2014 (احتلال القرم).. لم نخرج للاحتجاج عندما سمم الكرملين (زعيم المعارضة أليكسي) نافالني”.
وأضافت: “نحن فقط نراقب بصمت هذا النظام المعادي للإنسان. والآن ابتعد العالم كله عنا ولن تتمكن الأجيال العشرة القادمة من التخلص من عار هذه الحرب بين الأشقاء”.
وقالت “ما يحدث في أوكرانيا جريمة وروسيا هي المعتدية،” ومسؤولية هذا العدوان تقع على عاتق شخص واحد فقط: “فلاديمير بوتين”.
ودعت الروس إلى الاحتجاج على الحرب وقالت: “فقط لدينا القوة لوقف كل هذا الجنون. اذهبوا إلى الاحتجاجات. لا تخافوا من أي شيء. لا يمكنهم سجننا جميعا”.
ولقي هذا الخطاب اهتماما واسعا، حتى أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أشار إليه قائلا إنه ممتن للروس “الذين لا يتوقفون عن محاولة نقل الحقيقة والحقائق الحقيقية لأصدقائهم وأحبائهم… وبشكل شخصي للمرأة التي دخلت استوديو القناة الأولى مع ملصق ضد الحرب”.
“ترس في آلة كبيرة”
ويوضح موقع “فير ديلي” الروسي المستقل أنها تعمل منذ سنوات محررة في القسم الدولي في قسم البرامج الإعلامية بالقناة الأولى، ولم يكن لعملها أي صلة بالنصوص التي تم بثها على الهواء، وكانت وظيفتها فقط ترجمة الخطابات المباشرة للسياسيين الأجانب ورجال الأعمال والشخصيات الثقافية والناس العاديين إلى اللغة الروسية.
ويصف الموقع عملها:”كانت ترسا في آلة كبيرة لإنتاج الأخبار في القناة الأولى”.
“لم تهتم بالسياسة”
وتتحدث منشوراتها على فيسبوك وإنستغرام عن الاهتمام بتربية الكلاب، ويشير إحداها إلى تبنيها مجموعة من الكلاب ثم التبرع بهم في عام 2021.
وتوضح في مقابلة مع موقع Yuga.ru أنها دخلت في منافسات في رياضة السباحة في سنوات شبابها.
وقال زملاء لها إنهم فوجئوا بتصرفها الأخير، لأنهم لم يسمعوها من قبل تتحدث في أمور سياسية. وتقول صديقة: “في الغالب كانت تتحدث عن الأطفال والكلاب والمنزل”
وعندما احتجت، حدث ذلك أثناء الدوام فقد كانت في العمل وفق الجدول المعتاد.
وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، استعداد بلاده لتوفير “الحماية القنصلية” لأوفسيانيكوفا، مشيرا إلى أنه سيقدم هذا الاقتراح لنظيره الروسي بشكل مباشر في محادثتهما المقبلة.