هل يكون الغاز الجزائري بديلا عن الغاز الروسي؟
مع استمرار الحرب في أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، يدور الحديث عن الجزائر. فهل تستطيع الجزائر تعويض أوروبا وإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي؟ وهل زيادة كميات الغاز المستوردة من بلدان أخرى تحل المشكلة؟
غزو أوكرانيا زعزع ثقة الدول الأوربية فيروسيا، والتي تعتمد عليها بشكل كبير في تأمين حاجتها من الطاقة وخاصة الغاز. ومع شعور أوروبا بمدى اعتمادها على الغاز الروسي الذي تلوح به موسكو كسلاح في ردها على العقوبات الغربية، تسعى الدول الأوروبية جاهدة إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي.
وفي هذا الإطار يجري الحديث عن إحياء مشروع خط أنابيب الغاز “ميدكات MidCat” لنقل الغاز الجزائري من إسبانيا إلى فرنسا، وهو ما يمكن أن يساهم في استغناء أوروبا عن الغاز الروسي. وألمانيا التي تستورد حوالي 55 بالمائة من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا، تدعم بشدة استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من إسبانيا إلى جنوب فرنسا الذي توقف عام 2019.
وقال السفير الألماني في مدريد، فولفغانغ دولد، في مقابلة مع صحيفة “لا فانغارديا” الإسبانية نشرت يوم الثلاثاء (29 مارس2022) ، إن “ألمانيا تدعم تماما خط أنابيب ميدكات MidCat”.
وقد توقف مشروع خط الأنابيب هذا والذي تبلغ طاقته السنوية 7,5 مليار متر مكعب قبل ثلاث سنوات لأنه كان يعتبر غير ذي جدوى اقتصادية آنذاك، وبسبب إمدادات الغاز الطبيعي الأرخص من روسيا.
لكن مع غزو أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، تغير الموقف من هذا المشروع، الذي لا يزال هناك 226 كيلومترا منه ويحتاج عامين من العمل ليكتمل. وتريد إسبانيا من الاتحاد الأوروبي أن يمول المشروع. وأكد دولد على أهميته بالقول إننا “نعتقد أن شبه الجزيرة الإيبيرية تقدم بديلاً ويمكن أن تساهم في تنويع” مصادر الغاز.
وتعد الجزائر أهم مورد غاز (حوالي 40 بالمائة) للسوق الإسبانية منذ سنوات. وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، اقترحت الحكومة الإسبانية الجزائر كشريك تجاري يعتمد عليه ويمكن أن يساعد في استغناء أوروبا عن الغاز الطبيعي الروسي على المدى الطويل.
لكن بالنسبة للجزائر أيضا لا يتعلق الأمر بالمال فقط؛ إذ لديها اعتباراتها السياسية في العلاقات التجارية، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاع الصحراء الغربية. وبالتالي فإن الموقف من هذه القضية يمكن أن ينعكس على توريد الغاز وسعره. وهذا ما حدث بعدما غيرت مدريد موقفها من قضية الصحراء الغربية وأنهت حيادها بعد 40 عامامن أجل إنهاء الأزمة الدبلوماسية مع المغرب.
وقد اعتبرت الجزائر الموقف الإسباني الجديد “خيانة” بالنسبة إليها، وربما تدفع مدريد ثمن موقفها غاليا برفع الجزائر لسعر الغاز، وهو ما أشار إليه توفيق حكار، رئيس مجموعة النفط والغاز الجزائرية العامة “سوناطراك”، في تصريحه لوكالة الأنباء الجزائرية (وأج) بأنه “منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول.
وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يُستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني“.
وردا على سؤال عن إمكان زيادة الجزائر صادراتها من المحروقات إلى أوروبا، أوضح حكار “نتوفر حاليا على بعض المليارات (من الأمتار المكعبة الاضافية) التي لا يمكن أن تحل محل الغاز الروسي”.
لكن في المقابل، أكد المدير العام لـ “سوناطراك” أنه “من خلال وتيرة استكشافاتنا فإن قدراتنا ستتضاعف في غضون أربع سنوات مما ينبئ بآفاق واعدة مع زبائننا الأوروبيين”.
لكن خبراء الطاقة لا يتوقعون أن تستطيع الجزائر إنقاذ أوروبا وتخليصها من الاعتماد على الغاز الروسي. و يقول جورج زاكمان خبير الطاقة في مركز بروغيل للأبحاث في بروكسل لصحيفة “أوغسبورغر ألغماينه” الألمانية (الرابع من افريل) “لا يمكن أن تنتج الجزائر كميات أكبر من الغاز بين عشية وضحاها” ، حتى لو كان لدى البلاد “احتياطيات كبيرة جدا من الغاز”.
ومن ناحية أخرى هناك من يحذر من استيراد كميات كبيرة جدا من الغاز الجزائري، والاعتماد على الجزائر في إمدادات الغاز. وفي هذا السياق يقول زاكمان في تصريحاته للصحيفة الألمانية “هل نريد أن نجعل الجزائرروسيا جديدة يمكنها انتاج الكثير من الغاز لفترة طويلة، في حين نريد في أوروبا التخلص من الوقود الأحفوري؟”.
كما أن زيادة كميات الغاز المستوردة من الجزائر إلى إسبانيا لن تحل مشكلة الغاز الأوروبية واستقلالها عن روسيا، إذ يتعلق الأمر بفرنسا أيضا، التي ولحماية سوقها الداخلية لا تحبذ أن تصح بلد عبور للغاز. وكان هذا أيضا أحد أسباب توقف مشروع أنابيب نقل الغاز “ميدكات” المشار إليه أعلاه.
وجدير بالذكر أن دول الاتحاد الأوروبي استهلكت عام 2020 حوالي 400 مليار متر مكعب من الغاز الطبعي، واستوردت أكثر من 150 مليار متر مكعب أي 40 بالمائة من روسيا. ولهذا تريد الدول الأوروبية تسريع عملية التخلص من الوقود الأحفوري، وتنويع مصادر إمداداتها وتسريع مشاريع الطاقة المتجددة.
عارف جابو، dw