السودان.. التقارب مع روسيا ينذر بالعودة إلى العزلة الدولية
شد وجذب بين الأمم المتحدة والنظام العسكري في السودان، فيما تقترب الخرطوم تدريجيا من روسيا. الحديث يدور حول تحالف ومصالح مشتركة بين قيادة الجيش وموسكو، والمجتمع المدني السوداني يخشى من عودة السودان إلى العزلة.
في بداية شهر افريل 2022، هدد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بطرد المبعوث الخاص للأمم المتحدة متهما إياه بتجاوز صلاحيات تفويضه. وقال البرهان في كلمة ألقاها خلال حفل تخرج عسكري “نحن نرى تطاوله بالأمس يتحدث ويكذب” في إشارة للممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس. وأضاف “نحن نقول له إذا تجاوزت التفويض سنخرجك خارج السودان”. تهديد البرهان جاء بعد أيام من تقديم بيرتس تقريرا لمجلس الأمن عن الجهود المبذولة في السودان، حيث علق على الاضطرابات الاقتصادية في البلاد والعنف ضد المحتجين وأولويات الانتقال إلى إجراء انتخابات. بيرتس حذر من أن السودان يتجه “نحو الانهيار الاقتصادي والأمني” ما لم تتم العودة إلى المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها بعد إسقاط البشير.
تهديد البرهان والصيغة القاسية التي استعملها ضد بيرتس دفعت الأمم المتحدة رسميا إلى دعوة الجيش السوداني إلى وقف “خطاب الكراهية”.
في الأثناء، بدأ السبب وراء تصعيد البرهان بالظهور، إذ بينما يدير الجيش السوداني ظهره لخريطة الطريق المفترضة لبناء نظام ديمقراطي تحت إشراف الأمم المتحدة، صار البلد يقترب خطوة خطوة نحو الحليف القديم، روسيا.
صداقة قديمة وتقارب جديد
روسيا صديقة السودان الآن. محمد النعيم ناشط سوداني مقيم في لندن يقول “بعد قمة سوتشي عام 2017 بين الرئيس بوتين والدكتاتور السابق للسودان عمر البشير قال البشير إن السودان سيصبح مفتاح روسيا في أفريقيا”.
اتفاق عام 2017 بين روسيا والسودان تضمن إنشاء قاعدة عسكرية بحرية لروسيا على البحر الأحمر والتي بدأت بالحصول على زخم أكبر الآن، وكذلك السماح لشركة مجموعة فاغنر سيئة السمعة بالتعدين وتصير الذهب إلى روسيا. ووفقا للمعلومات تشكل صادرات الذهب نحو 70 بالمئة من إجمالي الصادرات بكميات متفاوتة بين 26 و30 طنا سنويا. علاوة على أن صادرات الذهب كانت قد استبعدت من العقوبات الدولية على السودان بعد الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019.
تقارير كثيرة أشارت إلى نقل ذهب بطريقة غير مسجلة بواسطة طائرات خاصة. صحيفة “تيليغراف” الإنكليزية تتحدث عن أن ذهب السودان ساعد من تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. ولذا فليس من المستغرب أن تصبح السودان وروسيا حليفان.
في 24 فيفري – اليوم الذي شنت فيه روسيا هجومها على أوكرانيا – أجرى محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه البرهان، محادثات في موسكو مع كبار مسؤولي الحكومة الروسية، بمن فيهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
قلق من عودة العزلة الدولية
تقول كريستين فيليس روهرس من منظمة فريدريش – إيبيرت الألمانية في العاصمة السودانية الخرطوم، “الواقع أن زيارة حميدتي كممثل للنظام السوداني، بغض النظر عن زيارته كممثل أو قائد لقوات الدعم السريع، تثير قلقا في المجتمع المدني. ويحتمل أيضا داخل الجيش”.
الخوف من عودة السودان إلى العزلة الدولية بعد الانقلاب، أصبح واضحا، مثلما كان عليه الحال في فترة حكم البشير بين عامي 1993 و2019. “التقارب مع روسيا التي أصبحت منبوذة دوليا، أطلق جرس إنذار”. تقول كريستين فيليس روهرس
إضافة إلى ذلك يرى تيودور مورفي، مدير قسم أفريقيا في المركز الأوروبي لدراسة العلاقات الخارجية، أن ” حميدتي كان يغازل روسيا بشدة وكانوا يتجاوبون بشكل إيجابي لمبادراته”. ويرى مورفي أنه على الرغم من المنافسة بين حميدتي والبرهان وخشية البرهان من أن يتفوق عليه حمديتي، إلا أن الاثنين منفتحان للتعاون مع روسيا. ولذا يرى مورفي أن المجتمع المدني هو “الحماية الحقيقية الوحيدة ضد النفوذ الروسي في السودان، لأن أيديولوجية المجتمع المدني تعارض أي دور لروسيا”، على حد قوله.
ارتفاع نسبة الفقر
وفي ظل هذه الظروف تزداد صعوبات الحياة لأكثر من 45 مليون إنسان في السودان. فقد قتل مئات المتظاهرين منذ الانقلاب في شهر أكتوبر الماضي. كما أدى الارتفاع المستمر للأسعار، والعقوبات الدولية، ووقف تمويل البنك الدولي وكذلك صندوق النقد الدولي، إلى تفاقم الوضع في البلاد.
وبناء على معطيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” وبرنامج الغذاء العالمي، فإن من المحتمل أن تضاعف الصراعات والأزمة الاقتصادية و ضعف إنتاج المحاصيل من عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر لأكثر من 18 مليون في سبتمبر/ القادم. “علبة مياه الشرب سعة 10 لترات تضاعف سعرها ثلاث مرات، عما كان عليه قبل ستة أشهر مضت. علبة صغيرة من لحم الدجاج أصبح سعرها الضعف. سعر وقود الديزل تضاعف هو الآخر. سعر السكر تضاعف ثلاث مرات. في واحد من أفقر بلدان العالم، أصبح الأمر يتعلق بمسألة القدرة على البقاء على قيد الحياة، تقول كريستين فيليس روهرس
ورغم ذلك، مازال كثيرون يخرجون إلى الشارع للتظاهر، وفي شهر رمضان خلال الليل ويهتفون “إيها الجيش عد إلى الثكنات”. يقول محمد النعيم “بالنسبة للسودانيين ليس هناك انتقال نحو الديمقراطية في السودان بمشاركة الجيش. نشعر أن هذا إحساس بالتعصب الأعمى بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الجيش”. ويستبعد النعيم قبول المجتمع المدني تصاعد النفوذ الروسي في السودان، ويقول: “سنقاتل كل من يحاول منع الشعب السوداني من تأسيس دولة ديمقراطية ومدنية”.