جزيرة جربة تستقبل يهود العالم
بيرز الطرابلسي:"أنا نفسي أعيش بين المسلمين أكثر مما بين اليهود التونسيين"
مع بداية موسم الحج العالمي لليهود، السبت (14 ماي 2022)، يتوقع منظمو الحج في كنيس الغريبة أن يتدفق آلاف الحجاج على الكنيس الواقع في جربة الجزيرة السياحية الشهيرة جنوب تونس هذا العام.
ولدى الحجاج اليهود حوالي ثمانية أيام للمشاركة في هذه الاحتفالات الدينية بهذا الحجم الكبير، بعد إلغاء الحج أو السماح لعدد قليل جدا من الحجاج بالزيارة في عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا. ويتوقع قدوم حوالي 4-5 آلاف حاج من مختلف أنحاء العالم، حسب ما صرح به بيريز طرابلسي، رئيس الطائفة اليهودية في جزيرة جربة ورئيس اللجنة المنظمة للحج.
كنيس الغريبة يعتبر أحد أقدم الكنس في أفريقيا، وموقع حج يهودي موغل في القدم. وتقول الأسطورة إن هذا الكنيس قد بني على أجزاء من الهيكل الأول في القدس. ويعتقد أن هذه الأجزاء قد جلبها النازحون اليهود معهم إلى تونس بعد تدمير الهيكل عام 586 قبل الميلاد.
ويعيش اليوم حوالي ألف يهودي في جزيرة جربة، وهناك عدد قليل من اليهود في باقي أنحاء تونس، وخاصة في العاصمة تونس، وبهذا تكون الطائفة اليهودية في جربة هي الأكبر في تونس والثانية في العالم العربي، حيث فقط في الدار البيضاء والصويرة بالمغرب هناك جالية يهودية أكبر، ويقدر عدد أفرادها بما بين 1500 و2000 شخص.
“الوطن الأم الصعب”
بعد استقلال تونس عام 1956 غادر الكثير من اليهود التونسيين وطنهم، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب من جهة، وتزايد التوتر بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 والحروب التي تلت ذلك، من جهة أخرى.
والموجة الكبيرة الثانية لهجرة اليهود من تونس كانت بعد حرب عام 1967. ونزاع الشرق الأوسط كان يؤثر دائما على حياة وأمن اليهود في تونس ففي خمسينات القرن الماضي كان يعيش حوالي 100 ألف يهودي في تونس، أي 100 ضعف العدد الحالي.
وفي عام 2002 كان كنيس الغريبة هدفا لهجوم إرهابي، بواسطة سيارة محملة بـ 5 آلاف ليتر من الغاز المسال. وقد أدى الانفجار الناتج عن الهجوم إلى مقتل 19 شخصا بينهم 14 سائحا من ألمانيا. وحينها تبنى تنظيم القاعدة الإرهابي العملية. وفي عام 2018 تعرضت مدرسة يهودية في جربة لحريق متعمد، نتجت عنه أضرار مادية بسيطة.
تقول الأسطورة إن كنيس الغربية في جربة قد بني على أجزاء من الهيكل الأول في القدم الذي تم تدميرها عام 786 قبل الميلاد
الرئيس مناهض لإسرائيل!
وحتى اليوم تتعرض العلاقة بين اليهود والمسلمين في تونس لاختبار الضغط. كما في الكثير من بلدان المنطقة، في تونس أيضا لا يفرق كل المواطنين دائما بين اليهود وإسرائيل.
وهكذا أعلن الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد في أكتوبر 2019 قبل انتخابه، أنه لن يسمح لأي شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي بدخول تونس، ولا حتى لزيارة كنيس الغريبة في جربة. معبرا بذلك عن احتجاجه على تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل ومن بينها المغرب. وقد تم هذا التقارب بشكل رسمي عبر اتفاقيات إبراهام، ووصف سعيد التطبيع “بالخيانة العظمى” وهي عبارة استخدمها في حملته الانتخابية كمرشح للإنتخابات الرئاسية سنة 2019.
وبالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، استبعدت وزارة الخارجية التونسية الصيف الماضي إقامة علاقات دبلوماسية معها، رغم التسامح مع زيارة إسرائيليين في بعض الحالات الاستثنائية إلى تونس.
لكن رغم ذلك، فإن الإسرائيليين غير مرحب بهم في تونس.
وفي ربيع هذا العام تم منع فيلم “موت على النيل” المقتبس من رواية لأجاثا كريستي، والسبب الواضح للمنع هو أن بطلة الفيلم غال غادوت، إسرائيلية.
الثناء على التعايش
يحاول الكثير من اليهود في تونس النأي بأنفسهم عن السياسة. وهم على سبيل المثال يؤكدون على التعايش الاجتماعي الناجح بين المسلمين واليهود، وفي هذا السياق صرح كبير حاخامات تونس، حاييم بيتان، بأن العلاقة بين اليهود والأكثرية المسلمة خالية من التوتر، وقال “دائما كان هناك تعايش. حيث يعيش المسلمون مع اليهود أو مع المسيحيين معا في نفس الحي من دون أن تكون هناك مشاكل بينهم”.
وأيضا رئيس الطائفة اليهودية في جزيرة جربة، بيريز طرابلسي يؤكد على العلاقة الطيبة، ويشير إلى ذلك بالتحضير للحج، الذي ساهم فيه الكثير من التونسيين المسلمين أيضا، ويقول “أنا نفسي أعيش بين المسلمين أكثر مما بين اليهود التونسيين” معبرا بذلك عن الوضع في المنطقة. مضيفا “أغلب الناس الذين أعمل معهم في الكنيس مسلمون”. وفي الاحتفالات اليهودية يشكل المسلمون حوالي ثلث المشاركين فيها، يقول طرابلسي، ويضيف “يأتون إلى هنا ليروا الاحتفالات ويشاركوا فيها. ولهذا يعتبر ذلك تجربة فريدة”.
روني الطرابلسي الاستثناء…
تولى روني الطرابلسي وزارة السياحة بعد ستين عاما من تولي تونسي يهودي منصبا حكوميا بعد الاستقلال، وتمكن الطرابلسي وهو ابن بيرز رئيس الطائفة في جربة من تحقيق نجاح لافت في وزارة السياحة واصبحت الارقام المحققة في عهده مرجعية(2019) للقطاع الذي تعرض لانتكاسات كبيرة منذ ثورة 14جانفي 2011
وهو شخصية تحظى بشعبية واسعة بين عموم التونسيين، ولا يتردد روني الطرابلسي الذي لعب كرة القدم في جربة ويستعمل في حديثه عبارات محلية تعكس عمق انتمائه للثقافة التونسية الشعبية ، في التاكيد على انه تونسي ولا يملك سوى جواز سفر وحيد اخضر اللون( الجواز التونسي) في رد ذكي على بعض من يتهمونه ويهود تونس عموما بالولاء لدول أخرى غير تونس (في تلميح لاسرائيل) ، ويتجنب روني عادة الخوض في السياسة ، مفضلا الاشتغال بالسياحة والحديث عن تونس دون اي دولة اخرى مهما كانت، اما عن قضية فلسطين فلا يرى روني الطرابلسي حرجا في اعلان موقفه“انا تونسي وموقفي هو موقف بلادي” وبذكر روني دائما برؤية بورقيبة لحل الصراع في الشرق الاوسط منذ الستينات ولكن العرب انذاك انصتوا لجمال عبد الناصر وهاجموا بورقيبة واتهموه بالخيانة
وعلى الرغم من مغادرته الحكومة فقد ظل قريبا من قضايا السياحة في بلده تونس حتى انه تدخل بمناسبة اقدام بلدية سوسة على هدم ما وصف بانه اعتداء على الملك العمومي البحري من طرف بعض النزل، وصرح بانه لو كان وزيرا لمنع عمليات الهدم بجسده لأن الاولوية عنده هي مصلحة تونس بضمان تدفق السياح وتوفير مواطن الشغل، ويمكن حل بقية الاشكاليات بوسائل اكثر تحضرا من اليات الهدم ، ومثل موقفه الجريء صفعة لرئيس بلدية سوسة وهو ابن وزير سابق(احمد خالد) الذي اعلن لاحقا عن تاسيس حزب يحمل اسم الجمهورية الثالثة ويتداول انه حزب قريب من الرئيس الحالي قيس سعيد
هل يسمح للإسرائيليين بالحج إلى جربة؟
ومن غير الواضح حتى الآن، فيما إذا كانت التوترات على الساحة السياسية في الشرق الأوسط والتصريحات السابقة للرئيس سعيد، ستؤثر على حضور الحجاج الإسرائيليين إلى جربة هذا العام. إذا ليس من الواضح فيما إذا كان الحجاج من إسرائيل أيضا سيأتون إلى تونس، صرح طرابلسي لـ DW قبل عدة أيام من بدء الحج. حيث هناك الآن بعض التعقيدات المتعلقة بالفيزا “ليست لدينا معلومات من الحكومة بعد” وهناك الكثير من الأسئلة: “لكن نظرا لحساسية الموضوع، طبعا لن نتسبب في إحداث إرباك”. وفيما إذا كان إسرائيليون سيستطيعون المشاركة في الحج هذه المرة، ولم تستطع DW التأكد من ذلك حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
ويعيش اليهود ذوو الأصول التونسية اليوم في العديد من البلدان، بينها إسرائيل، يؤكد طرابلسي، ويقول “لجميعهم الحق في زيارة جربة والكنيس بغض النظر عن خلفياتهم السياسية. وليس من شأننا فيما إذا كان الزائر قادما من إسرائيل أو بلد آخر، فالأمر دائما يتعلق بالفرد”.