استفتاء حاسم في تونس حول دستور “الجمهورية الجديدة” يمنح صلاحيات واسعة للرئيس
يتوجه التونسيون الإثنين، إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء حول مشروع دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس ويمثل مرحلة مفصلية في تونس الديمقراطية الناشئة وسط مخاوف من “انحراف سلطوي”.
وتمر تونس بأزمة سياسية حادة منذ أن قرّر الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في البلاد قبل عام، ويسيّر البلاد بمراسيم مبرّرا ذلك “بخطر داهم” ما اعتبره معارضوه “انقلابا على الثورة” و”تركيزا مفرطا للسلطات”، حسب منظمات غير حكومية.
ودعا حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية وأبرز المعارضين للرئيس إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره “مسارا غير قانوني”، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
ويقول الباحث يوسف الشريف لوكالة فرانس برس، إن “أهم نقطة في هذا الاستفتاء هي نسبة المشاركة. هل ستكون هناك مشاركة ضعيفة أم ضعيفة جدا لأن العديد من الأشخاص لا يعرفون حول ماذا سيستفتون ولماذا”.
ويضيف “القليل من الأشخاص يهتمون بالسياسة اليوم في تونس”، بينما شهدت الانتخابات الرئاسية التي أنتخب فيها سعيّد رئيسا للبلاد في 2019 بأكثر من 72% من مجموع الأصوات، مشاركة نسبتها 58 بالمئة من الناخبين.
وطرح سعيّد مشروع دستور في نسخة أولية ثم قام بأكثر من أربعين تعديلا تخص “أخطاء تسربت” سواء على مستوى تحرير البنود لغويا أو لإضافة مفردات جديدة.
وسجلت هيئة الانتخابات أكثر من 9,3 ملايين ناخب، ولكن من غير المؤكد أن يتوجهوا الإثنين إلى صناديق الاستفتاء التي تفتح من الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش إلى الساعة 21,00، للادلاء بأصواتهم خصوصا.
وسيكون يوم الاستفتاء يوم عطلة بلي عطلة نهاية الأسبوع بمباشرة.
ويرى الشريف، أن الذين سيقررون الذهاب لاستفتاء سيفعلون ذلك “إما لأنهم يحبون فعلا الرئيس أو لأنهم يكرهون الذين حكموا البلاد منذ 2011 ولكن عددهم بضع مئات الآلاف”.
وقال خبراء، إن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة على الأرجح نظرا للمسار المثير للجدل خلال إعداد مسودة الدستور الجديد.
يؤكد الكاتب والباحث السياسي حمادي الرديسي هذا الرأي. وقال لفرانس برس “خلافا لعام 2014، لم يكن هناك نقاش عام حول مشروع الدستور”.
فضلا عن ذلك، يرى رديسي أن مشروع الدستور الذي طرحه سعيّد “بعيد بسنوات ضوئية عن المشروع العلماني والديمقراطي” الذي أعدته اللجنة القانونية المكلفة.
كما يثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى الخبراء بتأسيسه لنظام رئاسي ويقطع مع النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 في تونس التي أعتبرت المثال الناجح في المنطقة في ما أطلق عليه “بالربيع العربي”.
ويشدد الرديسي على أن هناك “انحرافا سلطويا لأن كل السلطات ستكون بين أيدي الرئيس الذي يعين رئيس الحكومة والوزراء، والسلطة التنفيذية ليست في حاجة إلى تصديق البرلمان”.
“محطة ثانية”
مرحلة الاستفتاء “هي الثانية ضمن مخطط تم اقراره” من قبل الرئيس بعد أن قام “بتعليق ثم حلّ المؤسسات الجمهورية بما فيها البرلمان”، بالإضافة إلى تغيير قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات.
ويرى الرديسي، أن البلاد “ذاهبة نحو ديكتاتورية بالمعنى اللاتيني للكلمة حيث الرئيس يُملي كل شيئ”. ويتابع “لن يكون مثل الصين ولا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنه لا يمتلك جيشهم، ولكن يمكن أن يتطور إلى التسلط”.
وهذا الانحراف قائم حسب خبراء آخرين ولكن لن يحدث فورا.
وتُبين الباحثة في مركز ألماني إليزابيت فيرينفيلز، أنه “تم وضع الإطار القانوني ونتجه نحو نظام مغلق، لأنه، وبالنظر إلى اجتثاث مؤسسات مراقبة الحريات والديمقراطية الحاصل، نلاحظ وكأنها شبكة تغلق شيئا فشيأ”، منتقدة “غياب مسؤولية الرئيس” في ذلك.
وغيّرت مؤسسات دولية على غرار “فريديم هاوس” و”ذي ايكونميست” تصنيفها لتونس مؤخرا من دولة “حرّة” إلى دولة “حرّة جزئيا”، حسب يوسف الشريف الذي يؤكد أن “الناس بإمكانهم التعبير بكل حرّية والذهاب للانتخاب ورفض (الاستفتاء) من دون أن يتم سجنهم، وهذا يبين أننا لسنا أمام الصورة التقليدية للديكتاتورية”.
ويضيف أن السؤال المطروح في هذا السياق هو ماذا بعد قيس سعيّد و”هذا الدستور يمكن أن ينتج نظاما سلطويا سيكون شبيها بما كان عليه الحال قبل العام 2011″.
من جهتها، قالت فيرنفيلز إنه غداة الاستفتاء، على الرئيس قيس سعيّد “ايجاد مصالحة بين نظامه القائم على الرجل القوي ووعوده بالحفاظ على الحريات”، موضحة أن لديها مخاوف حول “كيف سيتعامل مع الأشخاص الذين ينتقدونه”.
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لإيجاد الحلول لذلك وخصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين الذين زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيراً إلى أنّ المحادثات بين الجانبين حقّقت “تقدماً جيّداً”.
وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.
ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو ملياري يورو.
ويرى خبراء، أن الإصلاحات التي ستقوم بها تونس ستثقل من كاهل المواطنين أكثر فأكثر خصوصا في ما يتعلق بمراجعة سياسة دعم المواد الأساسية.