استقبله قيس سعيد في المطار:من هو غالي زعيم “بوليساريو”؟
تسبب في ازمة بين المغرب وتونس
يكشف تاريخ إبراهيم غالي، زعيم جبهة “تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” (بوليساريو) عن كفاح مسلح طويل ضد الاستعمار الإسباني، قبل أن يشارك في تأسيس جبهة عملت لعقود على هدف تحقيق الاستقلال عن المغرب، كما لعب أدوارا دبلوماسية من خلال تمثيل الجبهة في المحافل الدولية.
وارتبط اسم غالي بسلسلة من النزاعات بشأن الصحراء الغربية جرت إليها إسبانيا وألمانيا، وتسببت في تصاعد تنافس إقليمي شامل بين المغرب والجزائر، والأخيرة أكبر داعم للبوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب جزءا من أراضيه.
ويدور منذ انتهاء الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية نزاع حول مصيرها بين المغرب وبوليساريو، وتصنف الأمم المتحدة الإقليم الصحراوي الشاسع من بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
ويقترح المغرب منح الصحراء الغربية، التي يسيطر على نحو 80 في المئة من مساحتها حكما ذاتيا، تحت سيادته، فيما تسعى بوليساريو إلى جعلها دولة مستقلة.
وفي جويلية 2016، اختير إبراهيم غالي أمينا عاما جديدا للجبهة، ورئيسا لـ”الجمهورية العربية الصحراوية”، التي أعلنت الجبهة قيامها من جانب واحد عام 1976، وذلك خلفا لمحمد عبد العزيز الذي توفي في ماي من العام ذاته.
وتقلد إبراهيم غالي خلال السنوات الـ10 الماضية مسؤوليات عدة، تتعلق بشؤون الأمن والدفاع وكان في ذلك الوقت أحد أشهر العسكريين الذين قادوا الجبهة ضد المغرب بين عامي 1976 و1986.
ولد غالي في عام 1949 في مدينة السمارة بالصحراء الغربية، وتشير تقارير إلى أنه لم يتلق تعليما مدرسيا نظاميا، بل اقتصر تعليمه على الكتاتيب.
شارك في العمل السياسي منذ أن كانت الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية، حيث انخرط أولا في حركات التحرر من الاستعمار الإسباني، قبل أن يشارك في تأسيس البوليساريو.
وبعد اجتماعات مع محمد البصيري وغيره من السياسيين الصحراويين، قرر المجتمعون تشكيل “المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء الغربية” من الاستعمار الإسباني، عام 1969، بزعامة البصيري، وأصبح غالي أمين سرها.
ويعتبر غالي أحد المؤسسين والقادة الأصليين لجبهة البوليساريو في عام 1973 وانتخب أول أمين عام للحركة في مؤتمرها التأسيسي.
وجنبا إلى جنب مع مصطفى السيد، قاد غالي أول عمل عسكري للبوليساريو ضد موقع صحراوي للجيش الإسباني.
وفي عام 1974، انتخب السيد أمينا عاما جديدا للبوليساريو، وتم تعيين غالي قائدا لـ”جيش التحرير الشعبي الصحراوي”.
وأعلنت البوليساريو في يوم 26فيفري 1976 تأسيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي ظل مقرها قائما في تندوف، في جنوب غرب الجزائر، قبل ضم المغرب للصحراء الغربية في السبعينيات.
وفي مارس من ذلك العام، أصبح غالي وزيرا للدفاع، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1989، مع انتهاء الحرب مع المغرب، لكنه عاد وتقلد المنصب نفسه مرة أخرى بين عامي 1993 و1998.
وفي عام 2013، رفعت ضده دعوى في إسبانيا بتهمة التعذيب والإبادة الجماعية والقتل والإرهاب، وتم تعليق القضية ثم استئنافها بعد أن توجه إلى إسبانيا في عام 2021 للعلاج.
ومثل غالي الجبهة في العديد من المؤتمرات والمفاوضات الدولية، وعين ممثلا لها في إسبانيا بين عامي 1999 و2008، ثم سفيرا في الجزائر في عام 2008 وحتى 2016، عندما انتخب أمينا عاما للجبهة.
ونظر مراقبون إلى انتخابه على أنه بمثابة استعداد للجبهة للتفاوض مع المغرب والقتال العسكري في الوقت ذاته، وذلك بالنظر لتاريخ غالي الذي جمع بين المسارين. وقد قال في أول خطاب بعد اختياره إنه “يجب مواصلة وتكثيف الجهود الرامية إلى تقوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي”.
أزمة دبلوماسية طاحنة
وتعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين المغرب وإسبانيا، العام الماضي، من أهم المحطات في تاريخ غالي بعد انتخابه أمينا عاما للجبهة.
وتسبب وصوله إلى إسبانيا بسرية تامة، في افريل 2021، لتلقي العلاج إثر إصابته بكوفيد-19 بهذه الأزمة، قبل أن تنتهي في مارس الماضي مع تغير مفاجئ في موقف مدريد من قضية الصحراء الغربية اعتبر منحازا لصالح الرباط.
ووفقا لصحيفة “إل باييس”، فإن زعيم البوليساريو وصل إلى إسبانيا على متن طائرة طبية وضعتها تحت تصرفه الرئاسة الجزائرية، وبحوزته “جواز سفر دبلوماسيا”.
وخلال هذه الأزمة، دخل في ماي 2021 أكثر من 10 آلاف مهاجر في غضون 24 ساعة إلى جيب سبتة مع اتهامات للمغرب بالتراخي في عمليات التدقيق الحدودية.
واتهمت الرباط أيضا باختراق هواتف بعض أعضاء الحكومة الإسبانية بما في ذلك رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز.
وفي جوان 2021، مثل غالي، عبر الفيديو من المستشفى الذي يعالج فيه، أمام قاضي تحقيق بالمحكمة الوطنية في مدريد في قضية التعذيب والاحتجاز المرفوعة ضدة بعد أن أعيد فتحها.
وحكم القاضي، بعد شهادة غالي، بأنه يجب أن يظل طليقا أثناء استمرار التحقيق، ورفضت طلب الادعاء العام احتجازه، قائلا إن رافعي الدعوى في قضية “جرائم حرب” لم يقدموا أدلة تظهر مسؤوليته
وبعد ذلك بوقت قصير، غادر غالي إسبانيا، وانتقل إلى الجزائر في 2جويلية 2021، حيث واصل العلاج.
ويعد الحصول على الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية الهدف الثمين الأول منذ وقت طويل للسياسة الخارجية المغربية.
وفي عام 2020، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم. ومنذ ذلك الحين، شدد المغرب موقفه من الصحراء الغربية وسحب سفيريه من إسبانيا وألمانيا إلى أن اتخذتا موقفا أقرب إلى موقفه من الصحراء الغربية.
وسحبت الجزائر سفيرها من إسبانيا، وهي مستورد رئيسي للغاز الجزائري، بعد التحول المفاجئ في موقف مدريد من الصحراء الغربية.
وفي نوفمبر 2021، قال غالي إن الجبهة قررت “تصعيد.. الكفاح المسلح” ضد المغرب لفرض سيطرتها على كامل أراضي الصحراء الغربية.
وصرح غالي في كلمته خلال افتتاح الدورة الخامسة للأمانة الوطنية للجبهة إن “الشعب الصحراوي حسم أمره واتخذ قراره بتصعيد حربه التحريرية العادلة بكل السبل المشروعة وفي مقدمتها الكفاح المسلح”.
وكانت الجبهة قررت، في 13 نوفمبر 2020، إنهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991، ردا على عملية عسكرية مغربية لإبعاد مجموعة من عناصر البوليساريو، أغلقت الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا المجاورة.
تصعيد جديد
وعاد اسم غالي مرة أخرى إلى بؤرة الأضواء، قبل أيام، بعد استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، له، على غرار رؤساء دول وحكومات آخرين حضروا قمة في تونس، وتحدث معه في القاعة الرئاسية بالمطار.
وعلى إثر ذلك، استدعى المغرب استدعى سفيره في تونس، للتشاور، وردا على قرار المغرب، قررت تونس استدعاء سفيرها بالرباط.
وقال المغرب إن قرار تونس دعوة غالي لحضور ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا التي تستضيفها تونس “يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي”.
وقال مراقبون إن استقبال زعيم البوليساريو في تونس يأتي على خلفية التقارب الذي حصل بين الجزائر وتونس مؤخرا.